هل كان المعمار التونسي مصدر إلهام في صناعة فيلم «حرب النجوم»؟

آخر تحديث: السبت 13 أبريل 2019 - 11:35 م بتوقيت القاهرة

عاصر فندق "دو لاك" أياما هي الأفضل مقارنة بأيامه حاليا وذلك بفضل شكله المميز الأشبه بهرم مقلوب أو طائر يحلق في الفضاء كرمز لطراز معماري جديد تميزت به تونس في أوائل سبعينيات القرن الماضي.

كان الفندق يوما ما رمزا لطموح واستقرار تونس بعد حصولها على الاستقلال من الاستعمار، لكنه بات اليوم مهجورا وفريسة لسنوات الإهمال، كما أصبح مصيره معلقا.

ويعد هدمه من بين الخيارات المطروحة، ويقول صاحبي جورجي، مهندس معماري شارك في وضع خطط للبناء فوق موقع الفندق، نيابة عن ملاكه الليبيين: "البناية الآن في مرحلة الإنقاذ".

وقال لبي بي سي إن ترميم البناية سوف يتكلف على الأرجح أكثر من بناء أخرى مكانها، بعد أن أكدت دراسات إضافية شكوكه بشأن ضعف الإطار الحديدي لتلك البناية.

وكانت مجموعة تونسية تنشط في مجال الحفاظ على المواقع الأثرية، وتعرف باسم "بنايات وذكريات"، قد دشنت حملة تهدف إلى الحفاظ عليه، مع تسليط الضوء على تاريخه المعماري.

ويعد المبنى نموذجا مميزا لنمط معماري يعرف باسم "بْرُوتَلِزْمْ " أو "العمارة القاسية" - والذي اشتق من نمط فرنسي كان يعرف باسم "الخراسانة الخام" - وهو نمط ساد القرن العشرين ويعرف بتصميمه الجريء والنحتي، والهياكل المكشوفة غير المزخرفة، والمصنوعة من الخرسانة والمعادن.

وقال محمد زيتوني، مهندس معماري في تونس شارك في حملة للحفاظ على ذلك المبنى، لبي بي سي : "الفندق شاهد فريد على عصر بعينه، فهو من الأبنية النادرة بعد استقلال تونس التي تبرز رؤية ونضجا".

وانعقدت آمال بشأن الحفاظ على الفندق الذي تربطه علاقة واضحة بفيلم "حرب النجوم" عام 1977، والذي استخدمه مخرج الفيلم، جورج لوكاس، ليجسد جزءا من خياله بشأن الفضاء في تونس، واستخدم "الصحراء" التونسية كبديل يرمز إلى كوكب "تاتوين" الخيالي في أحداث فيلمه.

ويعتقد البعض في تونس أن مخرج الفيلم استوحى تصميم مركبة حربية أشبه بدبابة عملاقة أطلق عليها اسم "ساند كرولر (زاحفة الرمال)" من تصميم فندق "دو لاك".

ويبدو أن مواقع الصحراء التي ظهرت في مشاهد فيلم "حرب النجوم" أصبحت مقصدا للجذب السياحي. لكن هل يمكن الحفاظ على الفندق من الهدم؟

هل ألهم الفندق المخرج لبناء مركبة "ساند كرولر"؟
وتقول حملة مناشدة دُشنت على الإنترنت للمطالبة بالحفاظ على المبنى، وتروج للصلة بين الفيلم والفندق الذي يعتبره البعض "أسطورة"، إن الفندق "يفُترض أنه كان مصدر إلهام لبناء مركبة ساند كرولر في فيلم حرب النجوم".

وقال زيتوني في وقت لاحق لبرنامج "فوكاس أون أفريقيا" لراديو بي بي سي إن لوكاس شاهد الفندق عندما زار تونس أول مرة، "واستلهم منه فكرة رسم أو تصميم دبابة أشبه بمبنى فندق دو لاك".

وقال عضو بارز في فريق عمل الفيلم، اتصلت به بي بي سي لمعرفة إن كانت هناك بالفعل صلة تربط بين المبنى والمركبة الأشبه بدبابة، إنه يوجد "شبه إلى حد ما".

بيد أن المخرج البريطاني روجر كرستيان، الذي فاز بجائزة أوسكار عن تصميم الإنتاج لفيلم "حرب النجوم"، يعتقد أن وجود أي صلة هي حجة "ضعيفة" في أحسن الأحوال.

وقال كرستيان لبي بي سي إن شكل مركبة ساند كرولر يرجع إلى "رالف ماكواري"، الفنان الأمريكي الأسطوري الذي صاغ المناظر الجمالية لجميع أفلام ثلاثية حرب النجوم الأصلية.

وكان لوكاس قد عهد إلى ماكواري في وقت مبكر عملية تجهيز الفيلم، بينما كان لا يزال يكتب السيناريو ويصيغ أفكاره.

وقال كرستيان: "رسم رالف بعضا من أجمل رسوماته، وكانت مركبة ساند كرولر أجملها".

بُنيت أجزاء من المركبة في استوديوهات "إلستري" بالقرب من العاصمة البريطانية لندن، وأٌرسلت قطعها عن طريق الشحن إلى تونس، ولطخ كرستيان التصميم بالطين ليضفي عليه الأصالة.

ويقول كرستيان إن ماكواري صمم مركبة "ساند كرولر" قبل تحديد تونس كموقع محتمل لتصوير الفيلم، لاسيما وأن قرار التصوير هناك أتُخذ في عام 1976، بعد أن زار لوكاس البلد بناء على توصية من مصمم المناظر، جون باري.

ولم يعد باري ولا ماكواري على قيد الحياة، بيد أن صديق ماكواري بول باتيمان أكد لبي بي سي أن الرسومات التمهيدية للمركبة ساند كرولر كانت جاهزة قبل أبريل/نيسان عام 1975، أي قبل عام من زيارة لوكاس لتونس.

إذن من أين استوحى ماكواري أفكاره؟

خدم ماكواري في خمسينيات القرن الماضي في الجيش الأمريكي في كوريا، ومن ثم يمكن ملاحظة الإحساس بالمعدات العسكرية العملاقة والأسلحة الملساء في فيلم حرب النجوم.

وظن مجموعة من الجنود الجزائريين على الحدود، أثناء تصوير الفيلم في الصحراء التونسية، أن نموذج مركبة ساند كرولر هو بالفعل معدة عسكرية.

وقال كرستيان : "شاهدوا هذا الاسم، (حرب النجوم)، واعتقدوا أننا نصنع آلة حربية. وكانوا يضطرون إلى المجيء والتأكد من أنه تصوير سينمائي".

وبعد انتهاء الحرب الكورية، احترف ماكواري فن رسم المعدات الفنية، وأنتج رسوما متحركة تصاحب التغطية التلفزيونية التي تروج لبعثات "أبولو" الفضائية لوكالة ناسا، كما عمل مع شركة "بوينغ" وأنتج دليلا لتجميع طائرة جامبو 747 الجديدة.

كان ذلك بمثابة فترة تدريب في المهنة، كنوع من اتقان العمل ليصبح رساما محترفا في قطاع الفضاء الأمريكي، وهو ما جعل آلات ماكواري التخيلية للحرب في المستقبل مقنعة.

وكان عمله الفني في فيلم حرب النجوم بمثابة مشروع متقدم يدل على التفوق التكنولوجي الأمريكي المتمثل في سباق الفضاء الذي تجاوز حدود المنافسة على الأرض.

ويقول باتيمان إن فكرة تصميم دبابة ساند كرولر العملاقة جاءت من "ناقلات ناسا الزاحفة"، وهي مركبات عملاقة كانت تنقل صواريخ "ساتورن" ضمن برنامج "أبولو" الفضائي إلى موقع إطلاقها.

ويقول باتيمان إن فكرة شكل ساند كرولر الأشبه بالسفينة جاء من قصص الخيال العلمي للسفن الرملية والسفن التي تمخر عباب "الصحراء" وطُورت بطريقة ما حتى تصبح "أشبه بسفينة حرفيا".

معمار الخيال العلمي
كما يمكن رصد بعض الأفكار المعبر عنها في قصص الخيال العلمي في نمط "العمارة القاسية"، وهو نمط معماري ظهر في خمسينيات القرن الماضي في بريطانيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وأصبح مؤثرا مع انتشاره في شتى أرجاء العالم، ورمزا للخيال العلمي لهذا العصر، الذي يظهر في صور استكشاف الفضاء.

وقال فليكس توركر، مؤرخ معماري ساعد في إدارة حملة تهدف إلى إنقاذ ذلك النمط المعماري: "كان ذلك يمثل بدايات عصر الفضاء، وكان كل شيء ممكنا. وانتشرت في ذلك الوقت تصاميم معمارية جريئة ومعبرة عن المستقبل".

تزامن إزدهار نمط "العمارة القاسية" المعماري، خلال فترة خمسينيات وسبعينيات القرن الماضي، مع إنهاء الاستعمار في أفريقيا.

وعُهد إلى بعض المهندسين البارزين في ذلك الطراز المعماري بناء الكثير من المشروعات الكبيرة، كالمتاحف والجامعات والفنادق، في الدول التي نالت استقلالها، فانتصبت في شتى ربوع القارة أبنية خرسانية ترمز إلى الحداثة والرؤية الدولية.

وقال تروكر إن تلك الأبنية تميل في تصميمها إلى إبراز ثلاث قواعد رئيسية هي : كشف المواد، وكشف الهيكل، وتقديم تصميم فريد يظل عالقا في الذاكرة".

وصمم المعماري الإيطالي رافايلي كونتجياني فندق "دو لاك"، ويُعتقد أن التصميم المبدئي جاء مشابها لتصميم هرم مقلوب عرضه في معرض زغرب الدولي في عام 1957.

وكان شكل الهرم المقلوب للفندق في تونس يمثل حلا فذا لمشكلات في موقع البناء، نظرا لعدم استقرار الأرض، كما أن الأساس الخرساني كان يحتاج إلى طريقة معالجة خاصة في البناء، وهي عملية شاقة.

ويقول تروكر إن موقع الفندق كان معروفا برائحته الكريهة، نتيجة قرب بحيرة في ذلك الوقت كانت مصبا لنظام الصرف الصحي التونسي.

وكانت الرائحة الكريهة سيئة جدا على مستوى الأرض، ومع زيادة سعة استيعاب الفندق في الأجزاء العلوية مقارنة بالطوابق السفلية، هيأ تصميم كونتجياني تمتع غرف الفندق بهواء خال من الهواء الفاسد.

كانت تونس قد حصلت على استقلالها منذ عشرين عاما في الوقت الذي صور فيه فيلم حرب النجوم، وراقت البلد في أعين صناع الفيلم لعدة أسباب عملية.

كانت ميزانية الفيلم ضئيلة نسبيا أمام لوكاس، وكانت التكاليف في تونس رخيصة، علاوة على وجود مواقع صحراوية رائعة تقع بالقرب منها فنادق يمكن أن تستضيف طاقم الفيلم من هوليوود.

واستطاع قطاع الفنادق في التونس تطوير نفسه بعد استقلال البلاد لجذب الزائرين الأجانب. وساعدت عائدات السياحة في تقوية الاقتصاد، وأسهمت بنحو 8 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. غير أن عدد الزائرين الأجانب تراجع بعد سلسلة من الهجمات الإرهابية التي استهدفت مواقع سياحية في عام 2015، ويكافح القطاع حاليا من أجل تحقيق انتعاش.

ظهر نمط "العمارة القاسية" المعماري في أعقاب الحرب العالمية الثانية لتقديم نمط إسكان عالمي للقطاع العام، واختارته الحكومات في شتى أرجاء العالم للتعبير عن المثالية في أبهى صورها، والتي جعلت ممثلي الشعب يستخدمون الأموال العامة لتوفير أبنية للاستخدام العام.

وخلال العقود الأخيرة للقرن العشرين، تراجع تذوق هذه المُثل، وخضعت أشكالها الخرسانية للهدم. ويمكن القول إن أفلام هذا العصر كانت متأثرة بوضوح بذلك النمط المعماري الذي يصور المستقبل بصورة كئيبة وبائسة.

وأصبحت الكثير من أبنية ذلك النمط المعماري المهملة رمزا للسياسات الفاشلة لحكومات الماضي، كما أصبحت مرشحة للهدم، بيد أنه في الآونة الأخيرة تجدد الاهتمام بها، والذي انبعث من خوف البعض من فقدان أفضل الأبنية إلى الأبد.

وفي عام 2013 افتتح لوكاس شركة سينمائية في سنغافورة تشترك مع مركبة ساند كرولر في الاسم والشكل، يغطيها الزجاج، وتستلهم ذلك النمط المعماري.

إذن، ما الذي دعا إلى الربط بين تصميم فندق "دو لاك" و مركبة ساند كرولر؟ يقول زيتوني لبي بي سي إن الأشخاص الذين يعملون في الفندق اعتادوا التفاخر بأن مبناهم قد ألهم لوكاس.

وفي عام 2015 قدرت مجلة "فورتيون" قيمة الامتياز التجاري للفيلم، بما في ذلك عائدات شباك التذاكر والمشاهدات المنزلية والسوق التجاري، بنحو 42 مليار دولار، أي أقل بمليار دولار عن إجمالي الناتج المحلي لتونس في تلك السنة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved