كيف أفلح قوم اختار لولا لولايتهم إمرأة رد سجون؟ - في أوروبا والدول المتخلفة - المعصرة - بوابة الشروق
في أوروبا والدول المتخلفة
كيف أفلح قوم اختار لولا لولايتهم إمرأة رد سجون؟ أخر تحديث: الأربعاء 15 مايو 2013 - 1:12 م
كيف أفلح قوم اختار لولا لولايتهم إمرأة رد سجون؟

9ـ لم يكتف لولا دي سيلفا بالإنجاز التاريخي الذي تفرد به بين جميع زعماء العالم، بكونه الحاكم الذي يغادر الحكم ونِسَب شعبيته تفوق بمراحل شعبيته عند بداية حكمه، بل قرر أن يواصل إنتصاره على خصومه حتى بعد أن غادر الحكم، فوضع كل ثقله في دعم خليفته ديلما روسيف التي كان إنتصارها في الإنتخابات الرئاسية "إنتصار لولا الإنتخابي الأكبر" طبقا لتعبير المؤرخ بيري أندرسون، فقد كانت شخصية يكاد يجهلها عامة الشعب قبل قيام لولا بتقديمها لهم، ولم تكن قد واجهت ناخبا من قبل في حياتها، ولم تكن تمتلك أي أثر للكاريزما التي كان يمتلكها لولا، لكن ثقة الناس بلولا جعلتها تحصل على عدد من الأصوات قريبا من ذلك الذي حصل عليه لولا نفسه عندما نجح في الإنتخابات الرئاسية، حيث نجحت ديلما روسيف في الدورة الثانية من الإنتخابات الرئاسية بنسبة بلغت 56 في المئة، وبثلاثة ملايين صوت أقل من عدد الأصوات التي حصدها لولا خلال فوزه في انتخابات 2006، وأكثر بثلاثة ملايين صوت مقارنة مع فوزه في انتخابات 2002.

 

ليس ذلك فحسب، بل أصبح حزب العمال الحزب الاكبر للمرة الأولى في الكونغرس، وفي مجلس الشيوخ حقق أيضا انتصارا كبيرا، وأصبحت روسيف تقود البلاد بدعم أكثر من ثلثي الهيئة التشريعية في المجلسين، وهي أكثرية لم يتمتع بها لولا نفسه يوما ما. صحيح أن ديلما تدين بنجاحها إلى الفراغ الذي لف الحزب الحاكم إثر الفضائح التي أطاحت بكل من السياسيين الشهيرين بالوتشي وديرسو الذين كانا خلفين قويين محتملين كان يفكر فيهما لولا ـ راجع المقالات الثمانية التي نشرتها في عمود (في أحضان الكتب) خلال الأيام الماضية إذا كانت بعض التفاصيل قد فاتتك ـ ولذلك لم تكن مهمة إقناع الحزب بدعمها سهلة، فقد حظيت بالأفضلية داخل إنتخابات الحزب بفارق ثلاث نقط فقط عن أقرب منافسيها، لأنها لم تكن أصلا من نتاج حزب العمال، فقد انضمت إلى صفوفه في عام 2000، لكن لولا وضعها في باله منذ البداية، ربما لأنه كما يقول أندرسون لم تكن تشكل أي تهديد له، ومع أن لولا يكبر روسيف بسنتين فقط، فقد كانت علاقتهما تشبه بعلاقة أب بإبنته، فقد وجد لولا فيها أنها بارعة في أمر لم يتقنه هو الإدارة، ولذلك عيّنها وزيرة للطاقة، فنجحت في أن تجعل البرازيل تتوقف عن المعاناة من إنقطاع الكهرباء، خاصة أن لولا أدرك خطورة تلك المعاناة التي كانت سببا رئيسيا في خسارة سلفه كاردوسو للإنتخابات لأن الكهرباء كانت تنقطع كثيرا في عهده.

 

يصف أندرسون الحملة المشتركة التي قام بها لولا وديلما في إنتخابات 2010 بأنها كانت ستكون أكثر غرابة لو كان المرشح الرئاسي الذي يدعمه لولا رجلا، لكنه يقول أن التباينات الموجودة بين لولا وديلما عملت لخدمة الحملة أكثر من عملها ضدها. لا أدري إذا كنت تعلم أن ديلما روسيف أصلا كانت رد سجون مثلها مثل لولا نفسه، بل إنها كانت متورطة في أعمال كانت تصنف وقتها بأنها أعمال إرهابية، فرغم أن ديلما تنتمي إلى عائلة من الطبقة الوسطى العليا، إلا أنها تأثرت بأفكار والدها البلغاري الشيوعي الذي هاجر إلى أمريكا اللاتينية في الثلاثينات من القرن الماضي، وحقق نجاحا في قطاع العقارات في مدينة بيلو هوزيزونتي، مَكّنه من أن يضمن لإبنته تعليما جيدا ويعلمها اللغة الفرنسية والعزف على البيانو، تعليمها الجيد ساعد على إزدهار بذرة التمرد التي ورثتها من والدها، فعندما استولى الجيش على الحكم في البرازيل كانت ديلما في سن السابعة عشرة، وبعدها بسنتين كانت جزءا من حركة ثورية سرية تنفذ أعمالا مسلحة، وحين انتقلت إلى ريو دي جانيرو في 1968 شاركت في إحدى أشهر عمليات الإقتحام الثورية في ذلك الزمان، وهو مصادرة صندوق يحوي مليونين ونصف مليون دولار من عشيقة أكثر حكام ولاية ساو باولو فسادا، وفي 1970 تم القبض عليها في ساو باولو وتم تعذيبها وسجنت لمدة ثلاث سنوات، وعندما تم إطلاق سراحها، انتقلت إلى الجنوب لتقطن مدينة بورتو أليغري حيث كان مسجونا رفيقها السابق في الحركة السرية الذي أصبح زوجها، وعندما خفّت وطأة الديكتاتورية في أواخر سبعينيات القرن الماضي، حصلت ديلما على وظيفة في مكتب إحصاءات ريو غراندي دو سول، وعادت إلى الحياة السياسية بإنتسابها إلى الحزب الذي كان يقوده منافس لولا الأساسي اليساري في الثمانينات ليونيل بريزولا، ويبدو أنها لفتت منذ ذلك الوقت أنظار لولا إليها، لذلك عندما نجح في عام 2002 أتى بها إلى برازيليا وعينها وزيرة للطاقة ليستفيد من قدراتها التقنية والإدارية.

 

أفتح هنا قوسا لأقول أنني قرأت مؤخرا في مجلة (ذي ويك) الأمريكية أن ديلما روسيف تسلمت في يونيو الماضي مبلغا يساوي عشرة ألاف دولار أمريكي من حكومة البرازيل كتعويض عن تعذيبها طيلة سنوات إعتقالها الثلاثة التي كانت تصر خلالها على أنها لم تقتل أحدا خلال فترة نضالها السياسي، تبرعت ديلما بالمبلغ لمناهضة التعذيب، ولم تكتف بذلك، بل قامت بتشكيل لجنة من سبعة أفراد للتحقيق في الإعتداءات التي وقعت ضد المدنيين خلال فترة الحكم العسكري، وحرصت على أن توجه خطابا للشعب البرازيلي تقول فيه "نحن لسنا مدفوعين بالإنتقام والكراهية والرغبة في إعادة كتابة التاريخ، وإنما يحركنا فقط رغبتنا في معرفة الحقيقة". أقول ذلك لبعض الذين لا يكفون عن ترديد نغمة أن أبرز مشاكل محمد مرسي هو أنه رئيس رد سجون، مع أن ذلك في نظري هو ميزته الوحيدة، فالإعتقال السياسي شرف وليس تهمة، ومشكلتي مع مرسي ليست أنه كان معتقلا سياسيا، بل أنه لم يكتسب من تجربة الإعتقال السياسي حساسية ضد الظلم تجعله يرده فورا عمن تم إعتقالهم في عهده، مشكلتي أنه عندما أصبح في يده صلاحيات تخوله لأن يرد الظلم عن المظلومين، لم يفعل كما فعلت ديلما روسيف التي أخذت هذا القرار الجرئ بفتح ملفات الماضي الشائكة، فكانت أرجل وأجدع وأشجع من الذين لم يكتفوا فقط بالطرمخة على ملفات الماضي المليئة بالظلم، بل قرروا أن يتفننوا في إضافة صفحات جديدة مكتوبة بالدم إليها.

 

أغلق القوس وأعود إلى بيري أندرسون وهو يتأمل في تاريخ ديلما روسيف التي اختارها لولا خليفة له، فيقول أنه من حيث الخلفية السياسية يمكن اعتبار روسيف "ميليشاوية" أكثر من كونها قائدة عمالية تتحلى بالخبرة النقابية مثل لولا، وربما لذلك يعرف المحيطون بها أن طبعها أكثر حدة من طبع لولا، مع أنها تحاول أن تسيطر على نفسها كثيرا، لدرجة أنه سرى في الأوساط السياسية تعبير أطلقه البعض عن الفرق بين طريقتها وطريقة لولا في حل النزاعات هو أن لولا يستمتع بالنزاعات كمتفرج على مباراة كرة الطاولة، أما أسلوب روسيف فهو قذف المضرب. ولعل إختيارها وهي بهذه الشخصية يضيف ميزة من وجهة نظري إلى لولا دي سيلفا الذي لم يحرص كما يفعل الزعماء لدينا على إختيار خليفة باهت الملامح ضعيف الشخصية على أمل أن يقارنه الناس به فيترحموا على أيامه، بل كان لديه من إنكار الذات ومن بُعد النظر ما يجعله يختار لخلافته سيدة تتمتع بالكفاءة المهنية وقوة الشخصية، لأنه يدرك أن نجاحها سيشكل إستمرارا لنجاح تجربته، ولن يلغي تاريخه بل على العكس سيؤكد حضوره دائما، وهو ما حدث بالفعل، فقد بدا من خلال تقييم بيري أندرسون لأداء ديلما خلال الأشهر المبكرة من حكمها، أنها استفادت كثيرا من تجربة لولا ومن فلسفته في الحكم، فقد أعلنت أنها ستدافع بشراسة عن حقوق الإمتيازات الملكية التي تتمتع بها البرازيل لمخزون النفط الهائل الذي قيل أنه موجود في أعماق البحر قبالة شاطئ البلاد والذي تحوم حوله بشراهة الشركات المتعددة الجنسية ووكلاؤها المحليون، كما وعدت بتوسيع برامج الإسكان والبنية التحتية التي بدأت في عهد لولا، وأضافت إلى ذلك تعهدها بتأمين صحي شامل لمواطني البرازيل، وهو ما يعتبر إلتزاما كبيرا وجديدا، وقامت بإعادة بالوتشي صاحب الخبرة المالية الواسعة إلى السلطة ليكون كبير موظفيها في الديوان الرئاسي برغم كل ما لاقاه ذلك من هجوم، ولكنها في نفس الوقت قامت بإستبدال أموريم وزير الخارجية بوزير مفوض لطيف ترضى عنه واشنطن، وصممت حكومتها بطريقة تطمئن فيها أوساط الأعمال والولايات المتحدة أنه لا خوف من الإدارة الجديدة ولا داعي لمحاربتها، ومع إبقائها على الحد الأدنى للأجور كما ورثته من عهد لولا، ورفع معدلات الفائدة ووعدها بمراقبة أشد على الإنفاق العام، فقد بدت تدابيرها الأولى مشابهة تماما لسياسة لولا "الأروبة" خلال سنواته الأولى في الحكم.

 

ينهي بيري أندرسون دراسته بإثارة أسئلة كثيرة حول مستقبل التجربة البرازيلية في عهد ديلما روسيف أتمنى أن أقرأ لها إجابة يرسلها لنا أي دارس للتجربة البرازيلية خلال الفترة الأخيرة التي لم تقم الدراسة بتغطيتها، لكي ندرك هل أحسنت ديلما أم أساءت في الحفاظ على تجربة لولا وتطويرها، خاصة أن لولا ترك لها إنجازات، لكنه ترك لها أيضا تحديات ورثها عن العهود السابقة له، فعندما رحل لولا كان معدل الإدخار البرازيلي شديد الإنخفاض، حيث لا تتجاوز نسبته 17 في المائة من الدخل القومي، أي أقل من نصف النسبة المسجلة في الهند، وثلث النسبة المسجلة في الصين، كما أن معدلات الإنفاق على البحث والتطوير كانت لاتزال في حدود معدل 1 في المائة، وفي حين أدت قرارات لولا برفع معدلات الفائدة البرازيلية لتفوق نسبة 11 في المائة إلى جذب رأس المال الأجنبي وكبح جماح التضخم، فإنها كما يقول أندرسون أصبحت تشكل خطورة إقتصادية في حالة حدوث أي هزة لإقتصاد البلاد الذي أصبح يعتمد بشكل أكبر على تجارة المحاصيل الزراعية وإستخراج المعادن، في حين تراجعت الصناعة، وهبطت حصة المنتجات الصناعية من الصادرات البرازيلية من 55 إلى 44 في المائة بحلول 2009، وأصبحت البلاد مهددة بإغراق حليفتها الصين لها بمنتجات زهيدة الثمن سجل إستيرادها من الصين في عام 2010 نسبة صاروخية بلغت حوالي 60 في المائة، أي أن الصين كما أفادت البرازيل تجاريا قامت بالإضرار بها من ناحية أخرى كما هو شأن أي علاقة تجارية غير متكافئة، لذا يؤكد أندرسون على أن البرازيل لا يمكن أن تحقق مستويات معيشة مرتفعة من دون تصنيع واسع النطاق، لأنها ليست مجتمعات قليلة السكان ذات مستويات تعليم عالية مثل استراليا أو نيوزيلندا أو فنلندا، وأن الوضع السكاني وإنتشار الفقر في البرازيل يفرض عليها الإهتمام دائما بالتصنيع، خاصة أن مواردها الطبيعية تلعب في مصلحتها، فمساحة الأراضي الزراعية الإحتياطية لديها تبلغ مساحة تلك التي في الولايات المتحدة وروسيا مجتمعة، والمياه المتجددة لديها توازي تلك المتوافرة في قارة آسيا بأكملها، وإحتياطي النفط أصبح يسجل أرقاما قياسية عالمية، وكل ذلك يجعل فرصها في تحقيق نمو أسرع ممكنة وقائمة.

 

أيا كان الحكم على تجربة ديلما روسيف سيظل مستقبل البرازيل دائما مرهونا بقدرة أبنائها على إستلهام الشعار الذي اختير ليتم كتابته على علم البرازيل وهو شعار مستلهم من المفكر أوجست كونت ومكون من كلمتين (النظام والتقدم)، وقد قام لولا بترجمته إلى سياسة مبدعة عندما اختار على حد تعبير بيري أندرسون أن يحقق تقدما من دون نزاع، ويقوم بتوزيع في الموارد من دون إعادة توزيع، ومع أن التحسين المادي في ظروف الناس لا يعني بالضرورة وجود تمكين إجتماعي للفقراء، إلا أن وجود ذلك التحسن قد يؤدي إليه، والعكس بالعكس، فقد ثبت طبقا لسياسة لولا دي سيلفا أن السعي نحو تمكين الفقراء يؤدي إلى تحسن إقتصادي للبلاد بأسرها، فقط إذا توفرت إدارة تتمتع بالخيال السياسي وتدرك أهمية الحفاظ على جوهر الديمقراطية وضمان تداول السلطة، كضرورة لم يعد يمكن لأي شعب أن يتقدم بغيرهما.

 

لقد أثبتت تجربة لولا أنه لا يوجد إطلاقا وصفة جاهزة للتطبيق يمكن أن تحل بها مشكلات مجتمع ما، بدليل أنه عندما سقط الحكم العسكري في فنزويلا وحكمته نخبة ليبرالية قامت بتطبيق سياسات الليبرالية الجديدة المستوردة من جامعات أمريكا وأوروبا، فشلت فشلا ذريعا، وانطلقت ضدها ثورة شعبية في أحداث كاراكاس التي جرت في فبراير 1989 والتي قادت إلى نهاية النظام القديم في فنزويلا، وشجعت على إنطلاق شعبية اليسار الذي وصل بفضله نجمه هوجو شافيز إلى الحكم، ومع أن لولا وصل إلى الحكم بعد شافيز بقليل، ثم توالى صعود اليسار إلى السلطة في الأرجنتين وبوليفيا والإكوادور والباراغواي والأورجواي، لكن كلا من حكام اليسار قدم تجربة مختلفة، كانت أنجحها تجربة لولا الذي استطاع أن يقود سفينة بلاده الضخمة بذكاء لا يجعله محسوبا على تيار سياسي بعينه، ولم تكن مهمته سهلة فقد واجه قدرا كبيرا من المزايدات من رفاق دربه ومن أبناء توجهه اليساري الذين اتهموه بخيانة أفكاره وبأنه لم يعد ثوريا كما كان، بل أصبح إصلاحيا رقيعا، وهو بالمناسبة نفس ما تم به إتهام خليفته ديلما روسيف التي بدأت حياتها في العمل المسلح، ولكنها عندما مارست العمل السياسي نضجت أفكارها، وأصبحت تدرك أن هناك فرقا بين النعيم الذي يبدو ممكن التحقق في الشعارات النبيلة، وبين الجحيم الذي يمتلئ به الواقع المعقد بشكل كريه يكفي لإزهاق روح أكثر الشعارات نبلا وبراءة.

 

لقد واجه البرازيليون الكثير من التحديات منذ بدأت تجربتهم الديمقراطية التي لم تكن مكتملة منذ بدايتها، لكنهم لم يجروا في أول منعطف صعب ليطالبوا بعودة الإستبداد أو حكم العسكر صارخين "إحنا شعب ما بنجيش إلا بالجزمة"، بالتأكيد هناك من صرخ منهم بذلك، ومنهم من طالب بعودة الإستبداد، ومنهم من ردد أفكارا بلهاء عن أن هذا الشعب لا يمكن أن يصلح لحكمه إلا حرامية شبعانين لكي يتوقفوا عن سرقته، لكن هذه الأفكار كما تقول نتائج الواقع وجدت مقاومة شرسة من الأحرار الذين لم ييأسوا ولم يتخاذلوا، وقاموا بتجميع جهودهم في حركات حزبية ونقابية منظمة هي التي اعتمد عليها لولا في رحلته للوصول إلى الحكم، لأنه برغم ذكائه وخبرته، لم يعش أبدا في دور المخلص، فكيف يمكن أن يدعي لنفسه القدرة على تحقيق الخلاص من فشل في الإنتخابات ثلاثة دورات متالية، إن فشلا مثل هذا كان يمكن أن يقتل لولا إلى الأبد لو لم يكن لديه حلم يعيش من أجله، لكنه مع أنه كان يعلم أن خسارته دائما تحدث بسبب معايير إنتخابية غير نزيهة، يلعب فيها المال السياسي والتجارة بالدين والإعلام الموجه أدوارا قذرة، لم يكتف بدور الشجيع الذي لا يجيد سوى الهتاف، فقد أدرك أنه طالما ارتضى خوض لعبة السياسة فإن عليه أن يستخدم أدواتها لتحقيق أحلامه، أيا كان رأيه في هذه الأدوات.

 

لا أدري إذا كان لولا دي سيلفا قد كتب مذكراته، أتمنى أن أقرأها مترجمة إلى العربية، لكي يتعلم منها شباب بلادنا قيمة الصبر وفضيلة الكفاح وأهمية الإصرار على تحقيق الحلم، وهو ما جعل لولا يجتاز أصعب المحن حتى بعد رحيله، وعلى رأسها محنة وصول الملاحقات القضائية إلى أقرب الناس إليه، إبنه الذي تم إتهامه مؤخرا في قضية فساد مالية، ومع ذلك ظل من يحبون لولا مخلصين في حبهم له، حتى تحول خلال إصابته بمرض السرطان إلى قديس يصلي من أجله الملايين ويباهون به الأمم، لأنه حتى وهو يترك الحكم لم يهتم بالحصول على مكاسب سياسية له ولأسرته، بقدر ما اهتم بترسيخ التجربة الديمقراطية وتأكيد نجاحاته الإقتصادية والإجتماعية، ولعلك عندما تقرأ التقارير التي تتحدث عن وجود رغبة شعبية متنامية بإعادة لولا إلى كرسي الحكم ثانية بعد أن تنهي ديلما روسيف فترتها، تدرك حجم المحبة التي نجح في غرسها في قلوب الناس، مع أنه لم يكن خاليا من الخطايا، لكن الناس غفروا له لأنه أيقظ فيهم أهم ما يدفع الأمم إلى التقدم: الأمل.   

 

لم يهبط لولا على البرازيل من السماء، بل خرج من أرضها وصنعه شعبها، ولكل شعب "لولاه" إذا أراد أن يصنعه، ولذلك نستطيع أن نصنع "لولا" يخصنا عندما ندرك أولا أن الشعارات  أيا كان نوعها ستؤدي بنا إلى الخراب، وأنه لن ينقذنا من وحلتنا سوى التفكير المركب والإحتكام إلى العقل والمنطق، سيكون لنا لولا عندما ندرك ما أدركه الذين ساندوا لولا في البرازيل، وهو أن التقدم لا يتحقق إلا بعد أن يتم دفع ثمنه غاليا، ماذا وإلا فإننا سنظل ندفع ثمن إسترخاصنا إلى الأبد.