التسول.. سبة في جبين الوطن - عماد الغزالي - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 8:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التسول.. سبة في جبين الوطن

نشر فى : الإثنين 31 أغسطس 2009 - 9:32 ص | آخر تحديث : الإثنين 31 أغسطس 2009 - 9:32 ص

 لا ينافس كثرة المسلسلات والبرامج الحوارية السخيفة فى شهر رمضان سوى زيادة أعداد المتسولين، الذين يتكاثرون بصورة مخيفة ويباغتونك أينما حللت بحيل وروايات مبتكرة، تستجدى مروءتك لإنقاذ الفتاة التى تجرى عملية فى القلب تحتاج إلى 576 جنيها، أو لشراء أكياس دم من فصيلة نادرة لصبى يرقد بين الحياة والموت فى مستشفى إمبابة الأميرى، أو دفع إيجار غرفة فى الدويقة تقيم بها أسرة من 12 فردا مهددين بالطرد فى أى لحظة، أو شراء كفن لعزيز مات فجأة ولا تملك أسرته ثمن كفنه.. إلخ.

تحول التسول إلى ظاهرة سبة فى جبين النظام، وهى برأيى تمثل نوعا من الاحتجاج ضد الدولة والأغنياء معا، بعد أن تسببت سياسات الحكومة فى العقود الأخيرة فى اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء، وزيادة أعداد العائشين تحت خط الفقر (20 مليونا حسب إحصاءات رسمية وأكثر من 30 مليونا فى تقديرات أخرى) وانضمام فئات من المستورين إليهم.

لكننا ينبغى أن نتساءل أيضا: كيف تحول إراقة ماء الوجه من فعل شائن مستقبح فى الذاكرة الجمعية للمصريين، إلى سلوك اعتيادى مبرر، أو فى أحسن الأحوال فهلوة وشطارة؟

معظم المتصوفة قبحوا الشحاذة، واعتبروها سلوكا لا يليق بمؤمن، واعتبر المتسولون من المتصوفة مجاذيب أودراويش، وكانوا بمثابة تيار احتجاجى وسط تيار التصوف العام، وبالذات أتباع الطريقة القلندرية التى أسسها جمال الدين ساقى فى العراق، والطريقة الحيدرية التى أسسها قطب الدين حيدر، فقد اعتبر هؤلاء أن الفقراء هم الأقرب إلى الله، وأنهم يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام، وأن طريقهم إلى الجنة هو فى الاستغناء عن متاع الدنيا كله، وقد نقضت هذه الرؤية حركات صوفية أخرى أهمها الطريقة الشاذلية التى أسسها أبوالحسن الشاذلى قى القرن الثالث عشر، والذى جاء إلى الإسكندرية من المغرب، وكان تلميذه أبوالعباس المرسى يجمع حبات القمح الساقطة من السفن بعد تحميلها فى الميناء ليقتات عليها، حتى لا يلجأ للشحاذة، ولم ينقطع أتباع الشاذلية عن العمل وبقى كل منهم يعمل فى مهنته التى كان يمارسها قبل انخراطه فى الطريقة.

وبرأى الإمام أبوحامد الغزالى، فإن التسول فعل مكروه من حيث المبدأ، وإذا لم يكن المرء مضطرا فلا ينبغى له أن يذل نفسه أمام عبادالله، فإذا كان مضطرا (لطعام أو دواء أو ركوبة) فعليه أن يحدد بصدق سبب سؤاله.

وأضاف بعض المتصوفة آدابا ينبغى التحلى بها عند السؤال، منها أن يسأل الأقارب والأصدقاء أولا، وأن يمنح الشخص الذى يسأله الفرصة لتجاهل سؤاله، ويلزم بعضهم مانح الصدقة بأن يدعو للمتسول كما يدعو الأخير له، لأنه بتصدقه عليه يسقط بعضا من ذنوبه.

فما الذى فعلته الدولة لمواجهة ظاهرة التسول؟، وما الذى فعله الأغنياء لتخفيف حدتها؟، وهل يمكن اتخاذ تدابير عملية للتصدى لـ«مهنة» التسول على غرار ما فعله البروفيسير محمد يونس فى بنجلاديش؟

للحديث بقية.

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات