لو صحت تقارير هيئة الأمن القومى التى نشرتها عدة صحف، بأن الرئيس السابق حسنى مبارك قام بتهريب 50 مليار جنيه للخارج بأسماء مستعارة خلال السنوات الأخيرة لحكمه، فإن الرجل كان بالفعل زعيم عصابة حقيقى يتقمص شخصية رئيس دولة فى أوقات فراغه، وبالتالى فإن أى كلام عن الإفراج عنه لدواع صحية كما تردد أيضا فى الصحف، هو بمثابة الاشتراك معه فى هذه الجريمة، ليس فقط لأن المبلغ كبير، لكن لأن ما تم نشره منسوبا لتحريات المخابرات المصرية يؤكد أن الرجل الذى كان تاجر سلاح وعقارات وأسهم وسندات، أدار عصابة بأساليب المافيا لحفظ أرباحه فى بنوك غربية، دون أن يراعى الأزمات الاقتصادية والمعيشية الطاحنة التى عانى منها غالبية المصريين خلال سنوات حكمه.

وكما تقول صحيفة الجارديان البريطانية فإن مبارك خلال ثلاثين سنة استطاع الحصول على أرباح تقدر بملايين الدولارات من خلال صفقات استثمارية، معظمها تم إخراجها من مصر، ووضعها فى حسابات سرية ببنوك سويسرية وبريطانية، مثل بنك يو بى إس السويسرى وبنك أسكتلندا، واستثمر بعضها فى منازل وفنادق، ونقلت الصحيفة عن الخبير فى سياسات الشرق الأوسط البروفيسور كريستوفر ديفدسون من جامعة دورهام البريطانية أن مبارك وزوجته وابنيه تمكنوا من جمع ثروتهم عبر شراكات فى مجال الأعمال مع مستثمرين أجانب وشركات. ووفق الصحيفة فإنه ليس مستغربا أن تصل قيمة ثروة أسرة مبارك إلى أكثر من 40 مليار دولار، لأن أغلب الشركات الكبرى فى مصر كان مفروض عليها أن تقدم 50% من أرباحها السنوية لأحد أفراد أسرة مبارك.

ومع ذلك، فإن ما تم الكشف عنه بالفعل حول ثروات مبارك المهربة لم يتعد ــ حتى الآن ــ حاجز الـ 410 ملايين فرنك سويسرى، كشفت عنها الحكومة السويسرية، ومازالت الجهود جارية لاستردادها دون أن يبدو أن ذلك سيحدث فى القريب العاجل، فهل يعنى ذلك أننا نجرى وراء سراب، وأن مليارات مبارك المهربة لن تعود للوطن أبدا؟.. أم أن تحريات المخابرات كانت مبالغة فى تقديرها لحجم الثروة المشبوهة التى يمتلكها الرئيس؟

أعتقد أننا بعد كل هذا الصخب الذى صاحب الحديث عن ثروات مبارك وعائلته منذ ثورة يناير وحتى الآن، فإن الأمر أصبح يتطلب تدخل الرئيس محمد مرسى شخصيا، لكى يتابع بنفسه هذا الملف الذى أصبح ممتلئا بالألغاز والفوازير والشائعات.

ولاشك أن الرئيس وحده هو القادر الآن على فتح خزائن أسرار جهاز المخابرات، والتيقن من الرقم الحقيقى لمليارت مبارك وثرواته غير المشروعة فى الداخل والخارج، ثم تنظيم حملات شعبية ودبلوماسية لاسترداد هذه الأموال من الدول الغربية فى أسرع وقت، قبل أن تضيع للأبد وهى تتسرب أمام أعيننا كدخان فى الهواء!