مستقبل الرئاسة ونزاهة الانتخابات بين تصريحات صفوت الشريف وجمال مبارك - ضياء رشوان - بوابة الشروق
السبت 4 مايو 2024 5:51 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مستقبل الرئاسة ونزاهة الانتخابات بين تصريحات صفوت الشريف وجمال مبارك

نشر فى : الإثنين 31 مايو 2010 - 10:16 ص | آخر تحديث : الإثنين 31 مايو 2010 - 10:16 ص

 فى خضم الحملات الإعلامية والانتخابية الكثيفة التى يديرها الحزب الوطنى الحاكم خلال الأيام الأخيرة بمناسبة انتخابات التجديد النصفى لمجلس الشورى لإعطاء الانطباع بأننا إزاء انتخابات حقيقية وحزب ديمقراطى ينافس الآخرين فيها، تعددت تصريحات وكلمات قادة الحزب الكبار حاملة رسائل مهمة لمن يهمه الأمر فى مصر وخارجها.

وقد كان لأمين عام الحزب الحاكم السيد صفوت الشريف النصيب الأكبر من هذه التصريحات وتلاه فى ذلك كالعادة نجل الرئيس وأمين مساعد الحزب للسياسات السيد جمال مبارك، إلا أن الأول كان الأكثر تركيزا على القضايا السياسية الكبرى والرئيسية ومحل الجدل فى البلاد وخارجها بينما ركز الثانى على الموضوعات ذات الطابع الاقتصادى والمالى والفنى المرتبطة بما يرى هو وحزبه أنها «إنجازات» البرنامج الانتخابى للرئيس مبارك.

وقد يرى بعض المحللين فى هذا التمايز بين تصريحات أمين عام الحزب الحاكم والأمين المساعد للسياسات تقسيما مقصودا للعمل بين القيادات الكبرى له بحيث يختص كل واحد منهم بنوعية محددة من القضايا والموضوعات يطرح بشأنها رؤية حزبهم، وأن ترك التصريحات السياسية الرئيسية للأمين العام له ما يبرره فى ضوء مسئولياته الحزبية والسياسية الكبيرة فى البلاد وخبراته الطويلة المتراكمة فى المجال السياسى، بينما يعود تخصيص القضايا الاقتصادية والمالية والفنية للأمين المساعد إلى خبرته الشخصية فى هذا المجال ومسئولياته عن وضع السياسات العامة المرتبطة بها بداخل حزبهم وحكومتهم، وهو احتمال وارد إلا أنه ليس الأكثر ترجيحا وصحة.

فمن الوارد أيضا أن يكون قصر مناقشة القضايا السياسية الكبرى على الأمين العام للحزب الحاكم وليس أمين سياساته الصاعد ناتجا عن عاملين متداخلين: أولهما أن فى مقدمة هذه القضايا السياسية الكبرى تأتى قضية مستقبل رئاسة الجمهورية وانتخاباتها القادمة وما يثار عن احتمال ترشيح أو «توريث» السيد جمال مبارك للمقعد الرئاسى، وهو الأمر الذى قد يكون استبعاده من مناقشته والتصريح بشأنه بمثابة رسالة واضحة بأن احتمال ترشيحه أو توريثه لم يعد واردا، ومن ثم فلا يفسح له المجال لكى يدلى برأى الحزب الحاكم فيه.

والعامل الثانى يعطى نفس المعنى بصورة مختلفة، فقصر معظم تصريحات نجل الرئيس على القضايا الاقتصادية والمالية والفنية يؤكد الانطباع بأنه ليس مرشحا لتولى المسئولية الأولى فى البلاد التى ينفرد حاملها دوما بطرح ومناقشة القضايا والموضوعات السياسية الكبرى تاركا النوعية الأولى من القضايا لمسئولين أقل درجة منه بمن فيهم رئيس الوزراء والوزراء. فى كل الأحوال وبغض النظر عن التفسير الصحيح، يظل صحيحا أن الأداء السياسى لأمين عام السياسات قد تراجع بصورة واضحة خلال فترة الحملة الانتخابية للحزب الحاكم بشأن انتخابات مجلس الشورى، بينما انفرد أمينه العام وحده تقريبا بالخوض فى جميع القضايا والموضوعات السياسية الكبيرة.

وقد أطلق الأمين العام للحزب الحاكم فى تصريحاته وأحاديثه وكلماته الكثيرة خلال الأيام الأخيرة عديدا من الأحكام والرؤى التى تعبر بدون أدنى شك عن قيادة الحزب العليا وتمثل الخطوط والملامح الرئيسية لما سوف تكون عليه مواقفه وسياساته خلال الفترة القادمة. ولعل أول وأهم هذه الرؤى والمواقف ما أعلنه بخصوص انتخابات رئاسة الجمهورية القادمة من أن كل القواعد الحزبية مجمعة على ترشيح الرئيس حسنى مبارك فيها وأنه «لا يمكن أن يعلن هذا أو أن يقفز على قرار الرئيس احتراما لرغبة سيادته وقراره فى التوقيت المناسب»، مؤكدا فى تصريحات أخرى قبلها بيوم واحد أنه «لا يوجد فى مصر توريث للحكم، لأن فيها نظاما دستوريا ينص على انتقال السلطة بإجراءات محددة لانتخابات رئيس للجمهورية»، مشيرا فى نفس التصريحات إلى أن اسم مرشح الحزب الحاكم للرئاسة لن يعلن قبل شهرى يونيو أو يوليو من العام القادم.

ولا شك أن هذه التصريحات بشأن إجماع الحزب الوطنى على إعادة ترشيح الرئيس مبارك تؤكد نفس المعنى الذى ذكره الرئيس نفسه أمام البرلمان عام 2006 بقوله «سأواصل معكم مسيرة العبور إلى المستقبل‏..‏ متحملا المسئولية وأمانتها‏..‏ ما دام فى الصدر قلب ينبض ونفس يتردد».

فتصريحات السيد صفوت الشريف بهذا النص والمعنى تزيح إلى الوراء بعيدا كل الأحاديث والتوقعات حول احتمال ترشيح الحزب الحاكم لنجل الرئيس فى الانتخابات الرئاسية القادمة بعد أن يتخلى والده عن إعادة الترشيح، فلم يعد هذا الأمر واردا بعد هذه التصريحات، بل الأدق أنه لم يكن واردا منذ إعلان الرئيس المشار إليه عام 2006، إلا أن كثيرا من المهتمين والمحللين لم ينتبهوا على ما يبدو إلى العزم المؤكد لدى الرئيس للاستمرار فجنحوا فى التخوف من توريث الرئاسة لنجله بعد تخليه عنها.

إلا أن نفس تصريحات أمين عام الحزب الحاكم بشأن الرئاسة تحمل قدرا كبيرا من السلبيات التى يصعب تمريرها دون تعليق. فالجميع يعرف وأولهم الأمين العام أن انتخابات رئاسة الجمهورية حسب المواعيد الدستورية لها سوف تتم فى الأيام الأولى من شهر سبتمبر 2011 أو الأخيرة من شهر أغسطس السابق عليه وأن فتح باب الترشيح لها سيكون قبل شهرين من هذا الموعد أى فى بداية شهر يوليو بحد أقصى. ومن هنا يبدو غريبا أن يعلن أمين الحزب الحاكم أن اسم مرشح حزبه للرئاسة لن يعلن قبل يونيو أو يوليو 2001، أى مع فتح باب الترشيح للانتخابات تقريبا، حيث إن المعروف فى جميع الدول والأحزاب الديمقراطية على مستوى العالم أن يعلن اسم مرشحى الرئاسة قبل انتخاباتها بفترة طويلة تتجاوز العام فى كثير من الأحيان.

ويبدو فى ظل تلك التقاليد المستقرة أن تأجيل إعلان اسم مرشح الحزب الوطنى للرئاسة لهذا الحد يمكن أن يعبر عن أحد احتمالين كلاهما أسوأ من الآخر: فإما أن الحزب متأكد من نجاح مرشحه بأساليب أمنية وإدارية لا يحتاج معها لحملة دعاية انتخابية له بين عموم المصريين، وبالتالى فهو غير مهتم بتعريفهم باسمه قبل الانتخابات بوقت كاف لهذه الدعاية، فالنتيجة مضمونة أيا كان الوقت المتاح لها قصيرا أو طويلا، وهو احتمال يحمل بصورة مباشرة رسالة واضحة بأننا سنشهد انتخابات رئاسية غير ديمقراطية أو نزيهة أو حرة بل مجرد إجراءات شكلية فارغة لإعطاء الانطباع بأننا أمام انتخابات حقيقية.

وأما الاحتمال الآخر السيئ أيضا فيأتى من نصوص تصريحات السيد صفوت الشريف التى يحيل فيها تأجيل إعلان اسم الرئيس مبارك كمرشح لحزبه إلى أنه «لا يمكن أن يعلن هذا أو أن يقفز على قرار الرئيس احتراما لرغبة سيادته وقراره فى التوقيت المناسب»، فلا يوجد حزب يمكن أن يحمل من الديمقراطية اسما أو مضمونا يؤجل قرارا مركزيا بهذا الحجم والوزن بسبب يرتبط بإرادة أى فرد فيه مهما علا قدره أو مكانته بداخله أو بداخل جهاز الدولة، فهذه إشارة واضحة وصريحة إلى أننا أمام حزب فردى يقوده ويحدد مصيره فرد واحد هو رئيسه وليس حزبا ديمقراطيا حقيقيا كما تدعى وتروج لذلك قياداته ليل نهار.

أما القضية الثانية المهمة التى أفاض الأمين العام للحزب الوطنى فى الحديث عنها فهى بنص قوله إن «الحزب الوطنى ملتزم بالدستور والقانون ويحترم إرادة المصريين والتى سيعبر عنها صندوق الاقتراع فى أى من الانتخابات المقبلة (الشورى والشعب والرئاسية)»، مؤكدا أن جميع هذه الانتخابات تتوافر فيها ضمانات النزاهة والشفافية وفقا للقانون والدستور التى تشرف عليها اللجنة العليا للانتخابات والتى تتشكل من عدد من قيادات رجال القضاء، وهى التى تحدد كل ضوابط الترشيح وتعلن بدء فتح باب الترشيح والمدد التى سيتم خلالها تلقى طلبات الترشيح وتحدد شروط الدعاية وتراقب هذه الشروط ومدى تطبيقها، مضيفا أن «العملية الانتخابية تبدأ بعد ذلك والتى يشرف عليها القضاة من خلال اللجان العامة الذين يراقبون أعمال اللجان الفرعية والانتخابات، ويباشرون عمليات الفرز، وهو ما يعنى وجود قاض على كل صندوق، هذا بالإضافة إلى وجود مندوبين عن كل مرشح من هذه اللجان الفرعية أثناء التصويت وفى اللجان العامة أثناء الفرز، فضلا عن مراقبة المجتمع المدنى المصرى والإعلام، وكل هذه ضمانات للنزاهة».

والحقيقة أن حديث الأمين العام بشأن هذه القضية يبدو غريبا ليس فقط للمتخصصين فى تطور الأحوال الانتخابية المصرية بل ولعموم المصريين جميعا الذين سيندهشون بالتأكيد من قوله بأن «الحزب الوطنى ملتزم بالدستور والقانون ويحترم إرادة المصريين والتى سيعبر عنها صندوق الاقتراع فى أى من الانتخابات المقبلة»، فلا تزال ذاكرتهم والدراسات والتقارير الكثيرة حول الانتخابات العامة فى سنوات حكم الحزب الوطنى الطويلة تحمل وقائع التزوير والتدخل الفج فيها بكل السبل الأمنية والإدارية، والكثير منها أكدته أحكام وتقارير لم تنفذ أبدا لمحاكم القضاء الإدارى ومحكمة النقض.

ويكفى فقط أن نذكر الأمين العام للحزب الحاكم بنسب المشاركة فى الانتخابات البرلمانية كما كانت الحكومة تعلنها خلال سنوات حكمه الطويلة والتى دارت حول نسبة 50% ثم فجأة انهارت إلى أقل من 25% فى انتخابات مجلس الشعب عام 2005 التى أشرف عليها القضاة إشرافا شبه كامل ثم عادت للارتفاع مرة أخرى إلى 31.2% فى الجولة الأولى لانتخابات مجلس الشورى عام 2007 والتى أشرفت عليها اللجنة العليا للانتخابات التى تحدث عنها بعد ذلك كضمانة لنزاهة وشفافية الانتخابات.

فهذه اللجنة التى يقول الأمين العام للحزب الوطنى أنها قضائية لا تضم من القضاة الحاليين سوى أربعة يمثلون أقلية من بين أعضائها الأحد عشر، والسبعة الباقون ــ كما قال هو ــ يختار مجلس الشعب أربعة منهم ومجلس الشورى الثلاثة الباقين، وهما يضمان أغلبية ساحقة من أعضاء الحزب الوطنى، بما يعنى أنه هو الذى يختارهم ثم يصدر قرار تشكيل اللجنة كلها من رئيس الجمهورية الذى هو أيضا رئيس الحزب الوطنى.

فكيف يمكن أن يختار طرف فى المنافسة الانتخابية اللجنة التى ستكون الحكم فى إدارة منافسته مع الأحزاب والقوى الأخرى ويضمن بعد ذلك حيادها؟ وكيف يمكن أيضا بحسب تصريحات الأمين العام، للجان العامة فى الدوائر الانتخابية لمجلس الشعب والتى تضم بحد متوسط نحو 200 لجنة فرعية وفى مجلس الشورى ما يصل إلى 800 لجنة فرعية منتشرة على مساحات جغرافية هائلة، أن يكون هناك قاض لكل صندوق فى الوقت الذى يوجب فيه القانون الذى وضعه الحزب الوطنى ألا يزيد عدد القضاة فى اللجنة العامة على تسعة قضاة؟ أما قوله بأن بقية شروط النزاهة متوافرة فى مراقبة مندوبى المرشحين والمجتمع المدنى والإعلام للانتخابات فرده بسيط، فكل الانتخابات السابقة التى شابها التدخل والتزوير حسب أحكام القضاء كان فيها مندوبون للمرشحين لم يستطيعوا أحيانا حتى دخول لجانهم والانتخابات القادمة ستكون على نفس الشاكلة.

وأما عن مراقبة المجتمع المدنى فقد رفض رئيس اللجنة العليا للانتخابات مصطلح «المراقبة» الذى استخدمه أمين عام الحزب الوطنى مستبدلا إياه بمصطلح «المتابعة» الذى لا يحمل أى معنى قانونى، مؤكدا أنه ولجنته لا يحتاجون لمراقبة من أحد واضعا السماح لمنظمات المجتمع المدنى بالمراقبة أو المتابعة فى يد اللجنة دون غيرها وليس نصوص القانون الملزمة. فهل لا يزال بعد كل ذلك أمين عام الحزب الحاكم مصرا على أننا سنشهد خلال عامى الانتخابات ما بشرنا به من نزاهة وشفافية وحرية كان حزبه دوما حريصا عليها؟

ضياء رشوان  كاتب مصري وباحث في شئون الجماعات الإسلامية
التعليقات