الانتقام والطبق البارد.. وجنرالات المقاهى! - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 4:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الانتقام والطبق البارد.. وجنرالات المقاهى!

نشر فى : الخميس 30 نوفمبر 2017 - 10:25 م | آخر تحديث : الخميس 30 نوفمبر 2017 - 10:25 م
نفهم ونتفهم أنه فى أعقاب حادث إرهابى بشع وجبان مثل الذى حدث فى قرية الروضة يوم الجمعة الماضى أن يكون المنطق السائد هو لغة العاطفة والمشاعر والتعاطف والتآزر، بل وحتى الحديث عن الثأر والتصفية والقتل، بل أكثر من ذلك يمكن تفهم عبارة «القوة الغاشمة» التى ذكرها الرئيس فى كلمته المرتجلة بعد الحادث مباشرة.

نتفهم كل ما سبق إذا خرج من الناس، وحتى المسئولين عقب الحادث مباشرة، لأن الجرح يكون صعبا، والمشاعر هائجة ومتأججة، والناس فى مجتمعاتنا الشرقية تريد أحيانا من يذكرها بالقوة والثأر والرد العنيف السريع.

نفهم كل ذلك، لكن شرط ألا يتحول إلى طريقة التفكير الرئيسية والأساسية ويصبح هو المنهج.

وحتى إذا لم نفكر بلغة دولة القانون والدستور، وفكرنا بمنطق الثأر والانتقام، فإن هناك مثلا عبقريا يقول: «الانتقام طبق يقدم باردا» أو يقدم على طبق بارد.

أغلب الظن أنه مثل فرنسى، لكنه يلائم كثيرا فى هذه الأيام، وبالتالى فإننا نحتاج إلى الهدوء والتعقل والتأمل والصبر، وأن ندرس هذا المثل الفرنسى جيدا، ونفكر فى المقادير التى ينبغى وضعها فى هذا الطبق البارد، حتى يمكن تناوله والاستمتاع به.

مرة أخرى ليس عيبا أن تكون هناك كلمات حماسية لإرضاء الجموع الثائرة، وليس عيبا امتصاص غضب الناس فهو قاعدة معمول بها فى كثير من الدول، فى أوقات الأزمات، لكن بشرط أن يكون ذلك مؤقتا، وأن تكون إدارة الأزمات موجودة وجاهزة وتعمل فى أفضل مناخ ممكن حتى تستطيع حل أى أزمة مهما كانت معقدة.

السيناريو الأسوأ أن تتأثر إدارة الأزمات فى بلدنا، بكلمات بعض «جنرالات المقاهى»، الذين يظهرون ليلا على الفضائيات، ويقترحون وصفات إذا تم تطبيق بعضها فقد «نلبس فى الحيط» لا قدر الله.

نعم لحرية الرأى والنقاش والتنوع، لكن نحن نعانى من مشكلة اسمها «الخبراء الاستراتيجيين». لا أقصد بهم بعض العسكريين المتقاعدين فقط، ولكن للأسف صار لدينا خبراء يقولون عن أنفسهم استراتيجين، وهم لم يؤدوا الخدمة العسكرية، ولا يعرفون الفرق بين «صفا» و«انتباه»، أو بين المشاة والمظلات، ولم يدرس فى كلية أركان الحرب، ولم يقرأ كتابا واحدا فى الاستراتيجية.

غالبية هؤلاء يجلس مثل أى مواطن على الفيس بوك، ويتفاعل ويتأثر بمزاج الناس الشعبوى والثائر والغاضب عقب كل عملية إرهابية، ثم يتوجه إلى الاستديو، متقمصا دور الجنرالات الكبار مثل روميل أو مونتجمرى أو ماك آرثر، ويبدأ فى الفتى والرغى والتحليل.

ومن سوء الحظ أن هؤلاء يؤثرون أحيانا فى جزء من الرأى العام، ويخلقون وعيا زائفا ومسطحا. 

عندما تتأزم قضية سد النهضة فإن الخيار الأول، عند هؤلاء، هو ليس فقط قصف السد بالصواريخ، بل وإعلان الحرب الشاملة على إثيوبيا!!. وعندما تقع عملية إرهابية يكون الخيار الأول هو هدم منازل المواطنين فى سيناء، أو الواحات. وعندما تسوء العلاقة مع حركة حماس، يكون الاقتراح هو أن نتعاون مع إسرائيل لضربها وحصارها رغم أنهم هللوا لحماس عندما تقاربنا معها أخيرا!!.

هذه النوعية من المحللين والخبراء تمثل أكبر خطر على الحكومة والرئاسة والدولة بأكملها، إذا أردنا أن نبنى رأيا عاما جيدا وقويا ومتماسكا وصامدا وفاهما، فإن هذه النوعية من المتحدثين والخبراء لا تصلح بالمرة لهذه المهمة الصعبة. نحن نحتاج عينة ونوعية أخرى مختلفة تماما حتى يمكننا تقصير زمن مواجهة الإرهابيين.

والموضوع يستحق المزيد من النقاش.
عماد الدين حسين  كاتب صحفي