كأننا - عماد الغزالي - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 7:52 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كأننا

نشر فى : الإثنين 30 أغسطس 2010 - 10:31 ص | آخر تحديث : الإثنين 30 أغسطس 2010 - 10:31 ص

 أقسم بالله أننى أشعر بأسى بالغ لسرقة لوحة زهرة الخشخاش، ويعتصرنى الألم لفقدانها، ليس فقط لأننى من المولعين بمصورى التأثيرية الذين ينتمى إليهم فان جوخ، وإنما حزنا على رئيس مجلس الشيوخ الأسبق، الذى أوصى أن يصبح بيته متحفا يضم إبداعات جمعها من أرجاء الأرض، فأعجب الرئيس السادات بالقصر وضمه إلى بيته، وأعجبت اللوحة أحدهم فضمها إلى مسروقاته.

لكن أكثر ما يلفت النظر فى الموضوع، هو هذا الاهتمام بالحادث، الذى تحوّل على مدى أيام إلى عنوان رئيسى فى الصحف والفضائيات، وهو اهتمام لا يتسق أبدا مع الحالة العامة التى نعيشها، وهى حالة تشجع على السرقة والتبديد والرشوة، بأكثر مما تنحاز لحفظ التراث ودعم الفنون والقيم الجمالية، وكثيرون ممن تابعوا التحقيقات فى الصحف، أدهشهم أن فى مصر هذا الكم من المتاحف،

وصرعتهم الملايين المطلوبة لتأمينها، وبدا لهم فى لحظة فارقة أننا دولة «بحق وحقيق»، تهتم بالفنون، وتعرف أقدار هؤلاء الذين رسموا بأناملهم وجه العالم، وشكلوا بعبقرياتهم حضارته المعاصرة، وهذا استنتاج خاطئ مع الأسف، إنه شىء لزوم الشىء على رأى عمنا نجيب الريحانى، اهتمام صورى لزوم الدولة الصورية، سأقرب لك الصورة أكثر: عندنا مدارس وتلاميذ ومدرسون، لكن لا أحد يتعلم شيئا فيها، عندنا جامعات رئيسية وإقليمية،

ليس منها واحدة بين أفضل خمسمائة جامعة فى العالم، عندنا مستشفيات ومراكز صحية يتردد عليها الناس للعلاج، لكنهم يخرجون منها أسوأ حالا مما دخلوها، عندنا أندية ومراكز شباب فى كل مدن المحروسة، لكننا حصلنا على ميدالية يتيمة فى أولمبياد بكين، لدينا برامج ممولة من الخارج بالملايين لتنظيم الأسرة،

لكننا نزيد 2.7 مليون نسمة كل عام، لدينا محطات فضائية وقنوات وبرامج توك شو تصدح ليل نهار، لكنها عاجزة أمام فضائية تبثها دولة أصغر من شبرا، لدينا برلمان وقبة ومجلس شورى، لكن أعضاءه يتمترسون بانتخابات شائهة مزورة،

لدينا أزهر عمره يزيد على الألف عام، وكنيسة هى الأم فى محيطها، وموجات التطرف تهددنا بابتلاع الأخضر واليابس، لدينا دواوين حكومة يعمل بها 6 ملايين موظف، وبيروقراطية هى الأقدم فى العالم، لكن مصالح الناس معطلة وجهودهم مبعثرة.

هذه هى الصيغة العبقرية التى ارتضاها حكامنا لنا وارتضيناها لأنفسنا، أن نبقى «كأننا» أو «تقريبا»، فالإصلاح الحقيقى يقتضى تغييرات جذرية وشاملة، وهذا غير ممكن، لأنه يهدد بقاءهم، ولأن موارده منهوبة، ولا بديل عن الترقيع: طوبة هنا، زلطة هناك، قطوع خشب على الجنب، مع الاحتفاظ ببعض الشكليات التى هى شىء لزوم الشىء.
فنبقى نحن «كأننا» عايشين...
وتبقى الدولة «كأنها» دولة.

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات