الإخوان بين الحكومة وقوى المعارضة - ضياء رشوان - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 10:03 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإخوان بين الحكومة وقوى المعارضة

نشر فى : الإثنين 30 أغسطس 2010 - 10:25 ص | آخر تحديث : الإثنين 30 أغسطس 2010 - 10:25 ص

 مصادفة أو عمدا باتت جماعة الإخوان المسلمين، أو المحظورة كما يطلق عليها خصومها، خلال شهر رمضان المبارك الموضوع الأول للحوار العام فى مصر سواء فى شقه الفنى المتعلق بمسلسل «الجماعة» أو السياسى المرتبط بالتحركات الكثيفة التى تشهدها الساحة المصرية على أبواب انتخابات مجلس الشعب وبقاء أقل من عام على الانتخابات الرئاسية. وإذا كان الحوار حول المسلسل قد دار فى جزء صغير منه حول أبعاده الفنية، فإن غالبيته قد دارت حول الموضوعات السياسية الراهنة المرتبطة بالجماعة وجذورها التاريخية بحسب رؤية كل مشارك فيه، مما يعيدنا مباشرة إلى ساحة السياسة التى هى المجال الطبيعى لمناقشة معظم إن لم يكن كل ما يخص جماعة الإخوان المسلمين.

وفى هذه الساحة السياسية المشتعلة حماسا وخلافا اليوم فى مصر يبدو الإخوان الرقم الأكثر صعوبة فى تفاعلاتها ومعادلاتها وتطورها فى المستقبل القريب. ولاشك أن كون الإخوان رقما صعبا فى الرؤية الحكومية الرسمية هو أمر قديم اتضح بجلاء مع توتر العلاقة بين الطرفين منذ أولى الحملات الأمنية عليهم والمحاكمات العسكرية لهم عام 1995، والتى هدفت إلى تقليص وجودهم فى الساحة السياسية المصرية إلى أقل قدر ممكن.

وقد زادت صعوبة الرقم الإخوانى لدى النظام السياسى بعد نجاحهم الكبير غير المتوقع من الطرفين أو من المراقبين فى انتخابات مجلس الشعب عام 2005، الأمر الذى دفعه إلى السعى نحو مزيد من تقليص وجودهم السياسى الشرعى بسبل عديدة دستورية وقانونية وسياسية.

وقد أدرك الإخوان جيدا هذا التطور المحورى فى الموقف الرسمى منهم، ومن ثم فقد راحوا يعدون تصوراتهم للحركة والعمل السياسى خلال عامى الانتخابات الحاسمين بهدف إفشال هذا السعى والاحتفاظ لأنفسهم بأوسع مساحة ممكنة فى الواقع السياسى المصرى.

وفى سبيلهم لتحقيق هذا اعتمد الإخوان على ثلاثة محاور رئيسية لتحركهم فى الشهور الأخيرة دارت كلها فى إطار تكثيف نشاطهم السياسى بعد مجىء قيادتهم الجديدة ذات المنحى المحافظ، وذلك بالمخالفة لمعظم التقديرات التى ذهبت إلى أنهم سيتجهون فى ظلها إلى الانكماش الداخلى والنشاط الدعوى والاجتماعى.

المحور الأول هو التقدم دوما بمبادرات لعقد اجتماعات لقوى المعارضة سواء الحزبية أو غير الحزبية لمناقشة مختلف قضايا الحالة السياسية المصرية الراهنة والمستقبلية، حرصت الجماعة على أن يعقد غالبيتها فى مقارها، بما يوصل الانطباع إلى الجميع بأن الإخوان بالرغم مما يحيط بهم لا يزالون هم قيادة المعارضة المصرية. وأتى المحور الثانى للتحرك للإخوان بالمصادفة مع بدء تحركات الدكتور محمد البرادعى وإصداره بيان المطالب السبعة ثم تشكيل الجمعية المصرية للتغيير، حيث رأوا فى ذلك فرصة سانحة لإشعار النظام المصرى بقدرتهم على التهديد الجدى وتحويل حركة الدكتور البرادعى وأنصاره من حركة نخبوية إلى تحرك شعبى يكونون هم على رأسه.

ومثلت انتخابات مجلس الشعب القادمة محور التحرك الثالث بالنسبة للإخوان، حيث بدا واضحا منذ البداية أنهم قد قرروا المشاركة فيها بغض النظر عن مواقف قوى المعارضة الأخرى، بالرغم من أنهم لم يعلنوا هذا رسميا حتى اللحظة واضعين شرطا تعجيزيا لمقاطعتها وهو إجماع قوى المعارضة كافة على هذا الموقف.

ويبدو واضحا من محاور التحرك الإخوانى الثلاثة فى مواجهة السعى الحكومى لإقصاء الجماعة عن المسرح السياسى المصرى أنها جميعا تمر عبر صفوف قوى المعارضة الأخرى الحزبية وغير الحزبية وصولا إلى تحقيق أهداف الجماعة من السير فيها. بمعنى آخر، فإن المشهد الإجمالى لتحركات الإخوان على المحاور الثلاثة يعطى انطباعا بأن الجماعة تضع نصب عينها فك الحصار المضروب حولها من النظام السياسى وتأكيد الوجود المتميز لها كأكبر قوة معارضة فى البلاد وتحقيق بعض الأهداف الخاصة بها، وذلك بغض النظر عن مكسب أو خسارة قوى المعارضة الأخرى من هذه التحركات الإخوانية.

ويبدو هذا الأمر أكثر وضوحا فيما يخص الموقف من الانتخابات البرلمانية القادمة، حيث يبدو موقف الإخوان السابق ذكره منها بالمشاركة فيها، بغض النظر عن مواقف قوى المعارضة الأخرى بمن فيهم من يتبنون المقاطعة بإصرار ويبدون على السطح كأقربها إلى الجماعة، قائما على السعى لتحقيق أهداف ثلاثة من المشاركة.

الأول هو تأكيد الوجود السياسى والإعلامى للجماعة باعتبارها أكبر القوى المعارضة فى البلاد وهو الأمر الذى ستؤكده حينها بطرح عدد من المرشحين أكثر من عدد أى قوة أخرى. الثانى هو الاستفادة من الانتخابات وأجوائها السياسية النشيطة فى طرح رؤى الجماعة لمختلف الأوضاع فى مصر وتوصيلها إلى أكبر عدد ممكن من المصريين، ويدخل فى ذلك إعادة طرح شعار «الإسلام هو الحل» لترويجه من ناحية واختبار شرعيته القانونية من ناحية ثانية عبر اللجوء للقضاء عند قيام السلطات بحظره كما حدث فى انتخابات مجلس الشورى المرتين الأخيرتين. ويتمثل الهدف الثالث فى الاستفادة القصوى من أجواء الانتخابات لتدريب أعضاء الجماعة بمختلف مناطق الجمهورية بصورة عملية ومكثفة على أداء المهام السياسية والتنظيمية والدعائية وغيرها، الأمر الذى يضيف إليها آلافا من القيادات الوسيطة الجديدة المدربة.

من هنا يمكن أن نصل إلى معنى تحول الإخوان إلى الرقم الأكثر صعوبة أيضا بالنسبة لقوى المعارضة وليس فقط النظام الرسمى. فهذه التحركات الحالية والماضى القريب من التنسيق الفاشل بين الإخوان وبين هذه القوى وبخاصة الأحزاب السياسية منها فى انتخابات برلمان 2005. ويرد فى هذا الخصوص بعض وقائع هذا الماضى الأكثر إيلاما مثل إصرار الإخوان على إسقاط خالد محيى الدين مؤسس حزب التجمع والرمز اليسارى الوطنى الكبير لصالح أحد مرشحيهم أو رفضهم التنسيق مع منتصر الزيات المحامى الإسلامى غير الإخوانى وترشيح أحد أعضائهم فى الدائرة التى قرر الترشيح فيها، وغيرها من وقائع يبدو واضحا اليوم أنها قد خلقت فجوة ثقة واسعة بين الإخوان وعدد مهم من القوى المعارضة وفى مقدمتها كل الأحزاب السياسية تقريبا.

وتزيد مساحة هذه الفجوة من الشكوك والتخوف بقاء الإخوان على مواقفهم التى أعلنوها فى مشروع برنامج حزبهم السياسى من رفض لتولى المرأة أو غير المسلم منصب رئيس الجمهورية بالرغم من مرور أربع سنوات على نشره وإجماع قوى المعارضة كافة بلا استثناء واحد على ضرورة تراجعهم عن هذه المواقف التى تتصادم مع المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين المصريين، بل يرى بعض كبار الفقهاء مثل الشيخ الدكتور يوسف القرضاوى والدكتور محمد سليم العوا عدم انسجامها مع الفقه الإسلامى الحقيقى.

إن التحدى الأصعب والأخطر الذى يواجه الإخوان اليوم ليس هو المواجهة التقليدية مع النظام السياسى والتى تعودوا عليها وأصبحوا يعرفون كيف يديرونها ويخرجون منها بأقل الخسائر، بل هو المواجهة الجديدة بسبب ما جاء فى السطور السابقة مع غالبية قوى المعارضة وقطاعات مهمة من النخبة المصرية، وهو الأمر يضعهم اليوم فى مفترق طرق حقيقى ستكون نتائجه شديدة السلبية عليهم إذا لم يبادروا بتصحيح العلاقات مع قوى المعارضة والنخبة ومراجعة الأفكار السياسية المحافظة التى لايزالون يتمسكون بها ويشعر كثير من المصريين أنها تهدد ما بقى من تماسك ولحمة فى مجتمعهم ودولتهم.

ضياء رشوان  كاتب مصري وباحث في شئون الجماعات الإسلامية
التعليقات