صحيفة الخليج ــ الإمارات رافد «حلف الفضول» - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 8:19 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صحيفة الخليج ــ الإمارات رافد «حلف الفضول»

نشر فى : الأحد 30 يناير 2022 - 8:30 م | آخر تحديث : الأحد 30 يناير 2022 - 8:30 م
نشرت صحيفة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب عبدالحسين شعبان تناول فيه الحديث عن حلف الفضول كأحد الروافد العربية لحقوق الإنسان، بل ويراه الكاتب جوهر فكرة حقوق الإنسان المعاصر، فى وقت تستخدم فيه بعض القوى العالمية الفكرة، على الرغم من نبلها، لتحقيق مصالحها ويتبرأ منها بعض العرب باعتبارها بدعة غربية. وبذلك يؤكد الكاتب على أن حلف الفضول دليل على أن العرب ليسوا متناقضين بالفطرة مع حقوق الإنسان كما يزعم البعض... نعرض منه ما يلى:
منذ ما يزيد على ربع قرن، وكلما اقتربتْ الذكرى السنوية لصدور الإعلان العالمى لحقوق الإنسان (1948) يذكرنى الدكتور جورج جبور بحلف الفضول، الذى اشتغلنا عليه، وكتبنا فيه، وحاضرنا عنه سنوات غير قليلة، باعتباره رافدا من الروافد العربية لحقوق الإنسان، فلماذا يتم إهمال رافدنا فى حين تتسابق الأمم والبلدان لتأكيد روافدها؟ وعلى أغلب الظن، أن الحلف تأسس بين أعوام 590 – 595م، أى ما يزيد على ستة قرون على صدور الماجنا كارتا «العهد العظيم»، وقبل نحو 12 قرنا من الثورة الفرنسية وصدور «ميثاق حقوق الإنسان والمواطن».
والسؤال الذى يتردد بقوة ويطرح نفسه بعد انتشار فكرة حقوق الإنسان، هل يمكن مقاربة «حلف الفضول» لفكرة حقوق الإنسان المعاصرة تاريخيا؟ وهل هناك جذور لمفاهيم حقوق الإنسان فى تاريخنا العربى؟
العرب كأمة، مثل غيرها من الأمم، لا يمكنها غض الطرف عن الفكرة الكونية لحقوق الإنسان، خصوصا أن الفكرة اكتسبت بعدا دوليا وحظيت باهتمام كبير من جانب المجتمع الدولى، وبالتالى لا بد من البحث فى تراثنا بما ينسجم مع توجهاتها، علما بأن الفكرة، وإنْ كانت نبيلة وإنسانية، إلا أنها تستخدم أحيانا لأغراض سياسية وبطريقة انتقائية وبمعايير ازدواجية، خصوصا من جانب القوى المتنفذة فى العلاقات الدولية، من دون أن نتجاهل أن بعض الاتجاهات المتعصبة فى عالمنا العربى تعاملت معها باعتبارها «بدعة غربية»، و«اختراعا مشبوها»، نافية لدرجة الإنكار أية علاقة لها بالتاريخ العربى الإسلامى.
فما هى فكرة الحلف؟ وما علاقته بالفكرة الكونية لحقوق الإنسان؟
نشأ حلف الفضول حين اجتمع فضلاء مكة فى دار عبدالله بن جدعان، وتعاهدوا على «ألا يدعوا ببطن مكة مظلوما من أهلها، أو من دخلها من غيرها من سائر الناس، إلا كانوا معه على ظالمه حتى تُرد مظلمته».
وقد اتخذ الإسلام موقفا إيجابيا من حلف الفضول «الجاهلى». وحين ألغى النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، كل أحلاف الجاهلية استثنى منها حلف الفضول، ويوم سُئِل عنه أجاب: «شهدت مع أعمامى فى دار عبدالله بن جدعان حلفا لو أننى دعيت إلى مثله فى الإسلام لأجبت».
الحلف الذى نعتبره أول رابطة لحقوق الإنسان هو تعاهدٌ على: رفض الظلم والعمل على إلغائه. والمساواة بين أهل مكة، ومن دخلها من سائر الناس. وإحقاق الحق، ونصرة المظلوم، ورد الحقوق إليه، والوقوف ضد الظالم، والحفاظ على حياة الناس وكرامتهم، واللجوء إلى هيئة (الفضلاء) لرد الظلم.
وذلك لعمرى يمثل جوهر فكرة حقوق الإنسان المعاصر، برفض الظلم والتمييز مهما كان نوعه مدنيا، أو سياسيا، أو اجتماعيا، أو اقتصاديا، أو ثقافيا. وقد اغتنت فكرة الحلف وتعمقت بالقيم والمبادئ التى جاء بها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
جديرٌ بالذكر أن المفكر جورج جبور ظل يخاطب الأمم المتحدة والعديد من المنظمات الدولية الحقوقية حتى تم الاعتراف به فى عام 2007، حيث وردت الإشارة إليه فى بيان أصدرته المفوضية السامية لحقوق الإنسان باعتباره أحد مصادر الفكرة الكونية لحقوق الإنسان.
ومثل هذه الإشارة لها دلالاتها المهمة، فهى تعنى أن العرب قاربوا فكرة حقوق الإنسان منذ ما يزيد على 1400 سنة، ولهم رافدهم الثقافى أسوة ببقية الأمم والشعوب التى تبحث فى تاريخها وتراثها ما يدعم الفكرة المعاصرة بدلا من التنكر لها، أو تجاهلها. كما أنها ترد على الذين يتهمون العرب بأن دينهم يحض على الكراهية والعنف والإرهاب.
إن فكرة حلف الفضول، وما يمثله من ثقافة وإرث تاريخى، هى رد على تلك الاتجاهات السائدة فى الغرب التى تعتبر العرب والمسلمين متناقضين كليا مع فكرة حقوق الإنسان بالفطرة، ومتصادمين مع مبادئها ثقافيا، وللرد على ذلك نقول إن العرب والمسلمين معنيون، مثل غيرهم، بحقوق الإنسان دفاعا عن حقهم فى الوجود، وهويتهم الخاصة فى الانبعاث وتحقيق التنمية والتقدم واللحاق بركب البلدان المتقدمة فى العيش بسلام وحرية وكرامة، وتأمين مستقبل أفضل لحياة شعوبهم، وفقا لخصوصياتهم وتمايزهم الدينى والثقافى، من دون إهمال التطور العالمى فى هذا الميدان، بل التفاعل معه والانفتاح عليه على نحو إيجابى، ولكن من دون أن يعنى ذلك إهمال، أو التخلى عن خصائصهم بزعم الشمولية والعالمية، وهذه الأخيرة بقدر ما فيها من معايير عامة تخص البشر ككل، فإنها تحتاج إلى احترام الهويات الخاصة للشعوب وثقافاتها، فى إطار المشترك العالمى والقيم الإنسانية العالمية.
التعليقات