كلمة سر الصين: ادفع كى تلعب - عماد الغزالي - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 12:32 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كلمة سر الصين: ادفع كى تلعب

نشر فى : الإثنين 29 ديسمبر 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 29 ديسمبر 2014 - 8:56 ص

حتى نهاية السبعينيات، كانت الصين تعيش فى عزلة عن العالم، خلف سياجات حديدية رسختها سنوات من حكم «ماوتسى تونج» وثورته الثقافية، ومواريث أسرة «مانشو».

بدءا من العام 1978، بدا أن صينًا جديدة تبزغ فى الأفق، مع قيادة «دينج شياو بينج» للحزب الشيوعى.

لم تتخل القيادة الجديدة عن ثوابتها الأيديولوجية، لكنها بدت أكثر استعدادا للانفتاح على العالم وتجاربه، وأميل للاستفادة من الفرص التى يتيحها اقتصاد السوق خصوصا على صعيد التكنولوجيا والمعلوماتية.

كانت النتائج مبهرة، فقد زاد نصيب الفرد من إجمالى الناتج المحلى فى الفترة من 1989 وحتى 2009 بنسبة 1008%.

(لا يفوتنى هنا أن أذكرك بأن الحكومة الصينية أصدرت قرارا عام 1978 يجعل لكل أسرة الحق فى إنجاب مولود واحد، ما أدى إلى هبوط معدل الزيادة السكانية من 2.8% عام 70 إلى 0.7% عام 2000).

وخلال سنوات، تواصل نتاج الصين بسرعة، وصارت ثانى أكبر مصدّر فى العالم بعد الاتحاد الأوروبى، واجتذبت أكثر من 20% من الاستثمار الأجنبى المباشر الموجّه للدول النامية، وباعتراف الحكومة الصينية ذاتها، فإن المشروعات الأجنبية كانت مسئولة عن نصف صادراتها ووارداتها.

كانت «التنمية التى تقودها الصادرات» و«التكامل مع الاقتصاد العالمى»، هما النموذج الذى اختارته الصين، وهو نموذج التنمية الذى جعل 11 دولة من دول جنوب شرق آسيا بين أكثر 21 دولة تصديرا فى العالم.

مع بداية القرن الحادى والعشرين، تجاوزت الصين فكرة أن تكون مورّدا للمنتجات الرخيصة، وتطلعت إلى التكنولوجيا فائقة الجودة، فطالبت المستثمرين بأن يجلبوا إليها التكنولوجيا إلى جانب رأس المال، ورفعت شعارا جديدا لهذه المرحلة عنوانه «ادفع كى تلعب»، واشترطت نقل التكنولوجيا إليها ثمنا للموافقة على إقامة مشروعات على أراضيها.

ومع وجود ما يزيد على 3.5 تريليون دولار من احتياطى النقد الأجنبى لدى البنك المركزى، بدأت الحكومة تلعب دورا أكثر فاعلية فى الاستثمار والتمويل، وزادت المشروعات التى تملكها الدولة أو التى تكون شريكا فيها بنسبة كبيرة، وتعززت هيمنتها على القطاعات الرئيسية كالحديد والصلب والسيارات وتكنولوجيا المعلومات وغيرها، ومن بين 46 شركة صينية ضمن الخمسمائة الكبار فى العالم، فإن ثلاث شركات حكومية تقع ضمن العشر الأوائل.

نموذج «الرأسمالية التى توجهها الدولة» كما تقدمه التجربة الصينية الفريدة، يستلزم الانتباه إلى ملاحظة مهمة، أن الوصول إلى هذا النموذج لم يجر بين يوم وليلة، فقد استغرق ثلاثة عقود تقريبا، نجحت الصين خلالها فى خلق بيئة جاذبة للاستثمار، وتحقيق تراكم من احتياطى النقد الأجنبى، مكّنها أن تفرض شروطا على المستثمرين فيما بعد، بما فيها وضع إجراءات تحمى عملتها وقطاعات فى صناعاتها المحلية، أى أن تفرض هى «شروط اللعب» التى تفيد المستثمر والدولة معا.

كما أن هذا النجاح لم يتحقق دون تكلفة، فقد عمل ملايين الصينيين لسنوات متتالية ــ ومازالوا ــ بمعدل 70 ساعة فى الأسبوع دون كلل، وبأجور تقل كثيرا عن مثيلاتها فى الغرب.

خلاصة القول: فى التجربة الصينية كثير مما يفيدنا، حكومة وأهالى..

فقط إن خلصت النوايا وصح العزم والهمّة.

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات