عن الفقر والإحساس بالفقر - عماد الغزالي - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 7:19 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن الفقر والإحساس بالفقر

نشر فى : الإثنين 29 مارس 2010 - 9:10 ص | آخر تحديث : الإثنين 29 مارس 2010 - 9:10 ص

احتدم الجدل بين القوم عن الفقر والفقراء، الملط يقول إنهم زادوا فيرد عليه عثمان بل تراجعوا، والطرفان يعرضان عليك نسبا مئوية، بعضها منسوب إلى مؤسسات دولية، وبعضها إلى بيانات واستقصاءات محلية، ويقسم نسوة فى المدينة أن أطفالهن لا يعرفون مذاق اللحم، وأن طعامهم إن تجاوز الفول مرة، فإلى مرق العظم وأرجل الطيور، ويكذّب مشهد السيارات الفارهة تمرح فى شوارع المحروسة، والإنفاق الباذخ فى أسواقها، والكهارب تضىء ليالى أنسها، حديث النسوة، ويفضح إفكهن وكيدهن العظيم.

والعبد لله يصدقهم، لا يستثنى منهم أحدا: عثمان والملط والنسوة والكهارب، لكننى أتوقف عندما أظن أنه أصل الداء وأس البلاء.

نعرف أن المصريين دوما كانوا إلى الفقر والعوز أقرب منهم إلى الرفاهة والدعة، وأنهم تعرضوا لموجات عاتية من النهب المنظم عبر تاريخهم الطويل،فى أزمنة الاستقلال كما فى عهود الاحتلال، وقد قابلوا ذلك بالصبر الجميل، وقيل بالسخرية وروح الدعابة، واستعانوا على المعايش بموروث من ورق أصفر يبشرهم: طوبى للفقراء، ويعدهم بدخول الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام، وأعجبهم قول الغزالى إنهم كلما جاعوا زادوا قربا إلى الله، وأرضاهم ما قاله ابن الجوزى من أن الفقر مرض على من ابتلى به أن يصبر وسوف ينال ثوابه فى الآخرة، ولم يلقوا بالا لفذلكات المقريزى الذى ألقى باللائمة فى سوء الأحوال على سوء تدبير الحكام والزعماء وغفلتهم عن النظر فى مصالح العباد.

فما الذى جرى يا ترى وأعاد حديث الفقر والفقراء إلى ساحات المساجلة، ما الذى أفقدهم الصبر فلم يعد فى قوسه منزع، ما الذى أزهدهم فى ثواب الآخرة وساقهم إلى طلب العاجلة، لماذا غيّبوا قول الإمام (أبو حامد الغزالى) واستحضروا قول المؤرخ (تقى الدين المقريزى)؟

الإجابة فى عنوان المقال، إنها المسافة بين الفقر والإحساس بالفقر.

أن يحشر الناس فى جحور بائسة مكدسين فوق بعضهم كالجرذان، ويشكو آخرون من ضيق البراح فى قصور تحيطها ملاعب الجولف وحمامات السباحة، أن يستجدى جامعى وظيفة بثلاثمائة جنيه فى الشهر، ويقرأ عن رواتب بمئات الألوف يحصل عليها من هم دونه، أن يعجز شاب وفتاة عن تتويج حبهما الطاهر فى الحلال، وينفق أحدهم مائة مليون جنيه على سيدة فى أربعة أشهر، أن يعيش المستورون بالكاد على حد الكفاف، ويقرأون عن سهرات يكفى ما يلقى من فضلاتها لإطعام قرية فى الصعيد، وهى تناقضات لم يعد بالإمكان إخفاؤها فى ظل ثورة اتصالات غمرت العالم،وشملتنا رغما عنا.

لست من دعاة الفتنة، ولا من مثيرى الحقد الطبقى، وأعرف أن الغنى والفقر من سنن الله فى خلقه، فقط أدعو إلى تخفيف الإحساس بالفقر، ليس بالكلام وسطوة الإعلام، وإنما بتدابير على الأرض تمس حياة الناس، الذين لم يعودوا يصدقون ــ على ما يبدو ــ أن فقرهم هو طريقهم إلى الجنة.  

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات