مصر والسعودية.. الحساسيات المفرطة - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 6:01 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر والسعودية.. الحساسيات المفرطة

نشر فى : الأربعاء 28 أكتوبر 2015 - 8:15 ص | آخر تحديث : الأربعاء 28 أكتوبر 2015 - 8:15 ص

شىء ما غير صحى وغير طبيعى فى العلاقات المصرية السعودية لا يصح معه إنكار ولا يجوز فيه تهوين.

من فرط الإنكار تتأكد الأزمة مرة بعد أخرى.

ومن فداحة التهوين تتبدى احتمالات تقويض مستقبل العلاقات نفسها.

الكلام الدبلوماسى عن أنها استراتيجية يفتقد إلى أية مقومات متماسكة وتفاهمات صلبة فى ملفات الإقليم المشتعل بالنيران والمخاوف وصراعات النفوذ والقوة.

بات متكررا فى كل مؤتمر صحفى يجمع وزيرى خارجية مصر والسعودية نفى أن يكون هناك ما يشوب علاقات بلديهما.

غير أن بعض العبارات تشى بالأزمة حيث تريد نفيها.

فيما أراد وزير الخارجية السعودى «عادل الجبير» تأكيد تطابق رؤية البلدين فى الأزمة السورية خانته تعبيراته عاكسة أوجه الخلل الفادح فى طبيعة العلاقات.

قال بما نصه: «إن الموقف المصرى يتطابق مع الموقف السعودى».

هذه صياغة غير معتادة وغير لائقة فى أية علاقات دبلوماسية على أى قدر من الندية والاحترام.

عندما تتحدث الدبلوماسيات عن تطابق مواقفها فإنها تعنى أنها جادة فى توسيع تفاهماتها والمضى قدما فى خطوات مشتركة لتذليل أية عقبات.

لا يوجد ما يسمى بالتطابق الكامل حتى بين الحلفاء فى الحروب.

من المقتضيات الدبلوماسية ضبط الكلمات فلكل حرف معناه.

لا يصح من حيث المبدأ العام أن يقول طرف أيا كان إن مواقف الأطراف الأخرى تتوافق معه.

هو وحدة القياس وهو مسطرة التوافقات.

قد يقال إنها هفوة غير مقصودة لكن بعض الهفوات تشير إلى طبيعة النظرة إلى الشريك السياسى ونوع النظر إلى التحالف معه.

لا النظرة تؤسس لمستقبل ولا النظر يسمح بتفهم أن مصر ليست دولة صغيرة أيا كانت مشاكلها الاقتصادية.

القضية ليست ما تقوله أو لا تقوله السلطات المصرية بقدر ما هى إدراك المواطن العادى أنه فى علاقة تحالف لا استتباع.

الأولى مرحب بها بحماس والثانية مرفوضة بيقين.

إذا ما أردنا للعلاقات المصرية السعودية أن تقف على أرض صلبة وأن تكون مقنعة لشعوبها قبل حكامها فلابد أن نتصارح بالحقائق.

بكلام مباشر لا توجد أية علاقات تستحق وصفها بالاستراتيجية.

لا الملفات الإقليمية فتحت لنقاش جدى ولا بحثت أية نقاط اختلاف لتأسيس رؤية مشتركة فى إدارة أزمات الإقليم من المشرق العربى وصولا إلى اليمن عند خاصرة السعودية الجنوبية.

يقول الدبلوماسيون السعوديون إن الحديث عن خلافات فى الأزمة السورية مبالغ فيها والعلاقات على ما يرام.

من ناحيتهم يتجنب الدبلوماسيون المصريون الخوض بأسباب وحدود أية خلافات.

طرف يلح على تأكيد التوافق وطرف آخر يحرص على تجنب الخوض فى الخلافات.

فى أفضل الاحتمالات فإن هذه نوايا طيبة لكنها لا تؤسس لعلاقات قابلة للحياة.

المبالغة فى ادعاء التطابق تتصادم مع حركة الأحداث المعلنة.

استبعاد الدبلوماسية المصرية فى مشاورات فيينا التى ضمت وزراء خارجية روسيا وأمريكا والسعودية وتركيا يثير تساؤلات كثيرة.

لماذا تركيا وليست إيران؟

وأين مصر؟

ما طبيعة التفاهمات السعودية التركية؟

ولماذا التحفظ السعودى على أى اقتراب مماثل من إيران؟

لمصر مصالح استراتيجية فى سوريا حيث أمنها القومى المباشر بأى معنى تاريخى وحالى.

غير أن السياسة تجفل حيث يجب أن تتقدم وتتلعثم حيث يجب أن تبادر.

الحديث مع إيران من ضرورات لعب دور فاعل فى الأزمة السورية.

هذه حقيقة لا يصح تجاهلها.

الروس يطلبون ضم مصر وإيران إلى مائدة المشاورات الرباعية

أى عاقل يعرف أنه دون دور إيرانى لن تكون هناك تسوية فى سوريا.

بنفس درجة الحسابات الباردة فإن الدور المصرى ضرورى لضمان التوازن العام فى الإقليم.

حقائق الوزن الجغرافى والتاريخى تستدعى البلدين الإقليميين الكبيرين إلى أية تسوية ممكنة.

أى كلام يعترض على الحضور الإيرانى أقرب إلى الضغوطات للحصول على مكاسب تبتغى.

السعودية تقول إن إيران جزء من المشكلة وليست جزءا من الحل.

الكلام نفسه يمكن أن يقوله الإيرانيون عن السعودية لكنهم يمدون الخيط السياسى إلى آخره بلا اعتراض لأهداف يطلبونها.

للسعودية علاقات دبلوماسية مع طهران لكنها تتحفظ على أية علاقات مصرية مماثلة.

الأغلبية الساحقة من الدبلوماسيين المصريين السابقين والحاليين يطلبون حديثا مباشرا مع إيران يتجاوز الاتصالات عبر القنوات الأمنية.

التكبيل الزائد يصنع حساسيات تضر بالعلاقات المصرية السعودية فى أى مدى منظور.

عند اقتراب الحل السياسى إيران سوف تكون طرفا فيه مع السعودية وتركيا والأطراف الدولية الكبرى.

لم يعلن وزير الخارجية السعودى فى زيارته القاهرية عن رأى بلاده فى ضم مصر إلى مشاورات فيينا.

لا تحمس لها ولا عارضها.

المثير أن دولة خليجية كسلطنة عمان تدرك الحقائق حولها وتتصرف على أساسها.

استضافت المباحثات السرية الأمريكية الإيرانية قبل الانتقال إلى التفاهمات المعلنة التى تمخضت عن تسوية الملف النووى.

وبادر وزير خارجيتها «يوسف بن علوى» قبل أيام بزيارة دمشق والالتقاء برئيسها «بشار الأسد».

لم يكن ذلك دعما لبقاء «الأسد» قدر ما هو لعب دور بطلب من جهات دولية لاكتشاف حقيقة المواقف قبل طبخة التسوية الأخيرة.

والعاهل السعودى «سلمان بن عبدالعزيز» يواصل اتصالاته مع الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» لنفس الهدف.

‫«‬بوتين» يتصل بالقاهرة يطلعها على بعض ما يجرى فى الكواليس دون أن تقدم الأخيرة حتى الآن على أية مبادرات أو تحركات أو تصرفات لها وزن مؤثر فى حركة الأحداث المتسارعة.

دون حيوية دبلوماسية وقدرة على الحركة فإن مصالح البلد تشل ووزنه ينخفض بينما الفرص متاحة أمامه.

فى لحظة مؤجلة سوف يتقوض كل رهان على العلاقات المصرية السعودية.

لا يعنى ذلك إنكارا للدور الكبير الذى لعبه العاهل السعودى الراحل «عبدالله بن عبدالعزيز» فى دعم (٣٠) يونيو وتوفير ما تحتاجه مصر من غطاءات إقليمية ودبلوماسية ومالية.

بذات القدر فقد كانت للسعودية مصالح كبرى فى تقويض حكم جماعة الإخوان المسلمين فى مصر التى كانت تهددها بالعمق وأن ترى الدولة العربية الأكبر قادرة على الوقوف على قدميها من جديد لإحداث توازن فى الإقليم مع إيران.

الحديث مع إيران من ضرورات هذا التوازن.

أى توازن لابد أن يستند على حقائق القوة لا على تكبيل السياسات.

بأى قراءة موضوعية هناك تباينات فادحة فى الموقفين المصرى والسعودى بالشأن السورى.

أى إخفاء للحقائق لا يغير طبيعتها.

وإذا كانت الدبلوماسية المصرية على استعداد للتفريط فى مواقفها الرئيسية فإنها تحكم على بلدها بخسارة كل رهان عليه وخارجة من كل معادلة وحساب.

الكلام كله يستحق الحوار فيه مع الأشقاء بندية ووضوح.