العشوائية والذوق العام - عماد الغزالي - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 2:27 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العشوائية والذوق العام

نشر فى : الإثنين 28 أبريل 2014 - 6:10 ص | آخر تحديث : الإثنين 28 أبريل 2014 - 6:10 ص

رب ضارة نافعة، ربما كانت أزمة فيلم «حلاوة روح»، مناسبة للانتباه إلى حالة تدنى الذوق العام التى نعانى منها فى كل اتجاه، دع إشكالية الرقابة جانبا، انا أتحدث عن منابر صناعة المزاج الشعبى، الذى تعرض للتجريف على مدى عقود، وشهد تدهورا مريعا استبدلنا فيه الذى هو أدنى بالذى هو خير، حتى صرنا إلى ما نحن عليه.

تدنى الذوق العام فى الحقيقة نتيجة وليس سببا، محصلة لسياسات فاشلة وخيارات رديئة تبنتها أنظمة الحكم المتعاقبة، أشاعت قيم المحسوبية والفهلوة والنفاق، بديلا عن الجدية والاتقان والالتزام، وجعلت الصعود فى السلم الاجتماعى رهنا بتبنى هذه القيم السلبية وتمثلها قولا وعملا، سياسات فاسدة جعلت العشوائية أسلوب حياة.

الموضوع واسع كما ترى، ولا يمكن الإحاطة بجوانبه كلها فى هذه المساحة، ومن المنطقى أن تتعدد الرؤى حوله، وقد يبدأ أحدنا بالتعليم ويركز آخر على الإعلام وينبه ثالث إلى التنمية بمعناها الشامل، وجميعها منطلقات صحيحة، غير أننى أود أن أشير هنا إلى ظاهرتين لافتتين، يبدو أن لا رابط بينهما، غير أننى أراهما متلازمين كتوءمين متلاصقين، وجهين لعملة واحدة، ولعلك لاحظت مثلى أن انتشار كاسيتات عذاب القبر وأهوال القيامة والثعبان الأقرع، صاحبها انتشار أغنيات البرنس والعمدة وبعرور، وهى نفسها التى أتاحت فى فترة لاحقة أن يعتلى عبدالله بدر منبر الخطابة الذى اعتلاه الطيب وجمعة، ويتصدر أوكا وأورتيجا منصة الغناء الشعبى، التى احتلها فى زمن تثمين الجودة محمد رشدى ومحمد عبدالمطلب.

رفضى للظاهرتين، بدر وأورتيجا، لا ينفى أن لكليهما جمهوره ومريديه، وأنهما يلبيان احتياجا ما لدى هذا الجمهور، سواء فى مجال الدعوة الدينية أو مجال الفن والغناء، ويصبح السؤال الصحيح فى هذه الحالة متعلق بالظروف التى حققت نجومية هؤلاء، وسمحت لهما ولأمثالهما بالوصول إلى هذه المكانة.

تأثير المنبر على المزاج العام، لا يضارعه سوى تأثير الأغنية، وكلاهما بات يعتمد على الوسائط ذاتها فى تحقيق أكبر قدر من الذيوع والانتشار، وفى غياب قيم مجتمعية حاكمة، ومواثيق شرف تضبط ايقاع عمل المنتمين إلى المجالين، فإن عملية استلاب جمهور المستمعين تتواصل، ويتواصل معها تدنى الذوق العام وانحداره.

وبرأيى، فإن للظاهرتين ارتباطا بالتمدد العشوائى فى محافظات مصر جميعها، مئات المناطق العشوائية يعيش فيها أكثر من 17 مليون مواطن، وفى مناخ مفعم بالقبح والفقر والجهل، تغيب عنه أبسط شروط الحياة الإنسانية، لا يمكن توقع ما هو أفضل من هذه النماذج.

فإذا أضفت إلى التمدد العشوائى الجغرافى، عشوائية الإدارة والأداء، والتى أشرنا لنماذج منها فى السطور الأولى من المقال، يمكنك أن تدرك بسهولة ما فعلته العشوائيات بحياتنا، ولأمكنك أن تفسر كثيرا من سلوك الجمهور فى الشارع والمواصلات العامة وحتى أماكن الترفيه ومواقع العمل.

ولأن العملة الرديئة تطرد الجيدة، ولأنه ثبت فى زمننا أن الزيت والماء يختلطان ويتمازجان، فقد صار تدنى الذوق العام عنوانا لمرحلة طالت كثيرا، أكثر مما ينبغى.

وأظن أنه آن أوان الاعتدال.

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات