هبوط أسعار البترول.. هل سنتعلم الدرس؟ - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 5:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هبوط أسعار البترول.. هل سنتعلم الدرس؟

نشر فى : الخميس 28 يناير 2016 - 10:25 م | آخر تحديث : الخميس 28 يناير 2016 - 10:25 م
ما عاد موضوع الثروة البترولية العربية ــ وعلى الأخص فى دول الخليج العربية ــ موضوعا عاديا حتى يُكتفى بمسّه دوريا ثم يطويه النسيان ليُعاد طرحه بعد حين.

هذا ما عودتنا عليه مع الأسف سلطات دول البترول العربية إبّان فترات الهبوط الحاد فى أسعار البترول. دعنا نذكّر بمناسبتى هبوط سعر البرميل فى عام 1986 من 42 دولارا إلى أقل من عشر دولارات، وبهبوطه من 147 دولارا فى شهر يونيو 2008 إلى أقل من أربعين دولارا بنهاية ذلك العام، أى خلال خمسة شهور فقط. والآن، ما أشبه الليلة بالبارحة، نعيش مناسبة هبوط جديد من تسعين دولارا إلى أقل من ثلاثين دولارا خلال بضعة شهور أيضا.
دعنا نسأل: هل غيّرت محن هبوط الأسعار تلك نظريات ووسائل التعامل مع هذه الثروة الريعية الناضبة؟ لم تحدث أية مراجعة جادة عاقلة قط، وغاب أى تفكير استراتيجى وأية منهجية جديدة. لقد استمرت الأجهزة الإدارية الحكومية المدنية والأمنية فى الانتفاخ والتضخُّم، وارتفعت المشتريات العسكرية إلى الأعلى فالأعلى، واستعمل الرّيع لشراء الولاءات فى الداخل والخارج ولتغطية النواقص، وانحصر الاقتصاد فى مضاربات العقارات والأسهم وبناء كل ما يجذب عشّاق الرفاهية والبذخ والصّراعات الإعلامية بما فيها مدن ومجّمعات ومؤسسات الخيال الذى لا صلة له بواقع سكن غالبية المواطنين وثقافتهم وحاجاتهم.
لقد ابتلعت تلك الممارسات كل فوائض أيام يسر الأسعار العالية، حتى إذا ما هبطت الأسعار بدأ التفكير فى ممارسة التقشّف المؤقت الذى فى أغلبه يطال المواطن العادى أو يربك حياة الذين شُجعوا، من خلال نشر ثقافة استهلاكية عولمية نهمة، على العيش فى الدُّيون المتراكمة، وذلك من أجل بهرجات بذخية معيشية مظهرية تؤدى إلى الأمراض والجنون والتنازل عن كل الحقوق الإنسانية والمواطنة الحقّة.
نعم، هذا ما حصل، سواء كنّا نقصد حصوله أو لا نقصد. وأمام ذلك المشهد المفجع بح صوت المفكرين والمثقفين والنشطاء السياسيين وهم يحذرون ويطالبون بانتهاج سياسات مختلفة للتعامل مع ثروات البترول والغاز الناضبة المؤقتة.
***
ولنترك جانبا الفجوة المعروفة بين المثقفين والأنظمة السياسية فى بلاد العرب والمبنية على الشكوك وسوء الظن والاختلاف فى المنطلقات الفكرية والأيديولوجية. أفما كان بالإمكان التساؤل عن الأسرار وراء النمو الاقتصادى والمعرفى الهائل الذى حقّقته العديد من الدول الآسيوية، المنتمية لعالمنا الثالث، فى مدد زمنيّة قصيرة تقل عن مدة تواجد الثروة البترولية والغازية عندنا؟ تلك الأسرار كانت معروفة ومتداولة. لنذكر بأهم تلك العناصر التى كانت وراء تلك النجاحات الآسيوية:
لقد كان المدخل الرئيسى هو معدل الادخار الوطنى العالى من حصيلة الناتج الإجمالى المحلى لاستعماله فى استثمارات اقتصادية متنوعة، وعلى رأسها بناء أشكال من الصناعات الوطنية الكفؤة الحديثة القادرة على إنتاج بضاعة قادرة على المنافسة والانتشار فى الأسواق المحلية والخارجية. لقد وصلت نسبة الادخار فى بعض تلك الدول إلى ثلاثين فى المائة من حصيلة الناتج المحلى. أفما كان باستطاعتنا نحن أيضا اقتطاع ثلث عوائد الثروة البترولية لبناء اقتصاد إنتاجى وصناعى مماثل؟
وكان المدخل الرئيسى الثانى هو تهيئة تعليمية ومهنية جيدة لقوى عمل محلية قادرة على القيام بمتطلبات تلك النهضة الصناعية بكفاءة وإخلاص ومرونة أفما كان ممكنا وبوجود فوائض مالية هائلة أن نقوم بذلك؟
وكان المدخل الرئيسى الثالث هو إنشاء مراكز ودراسات وبحوث، لا لتنشغل بهوس دراسات الأنساب والفولكلورات والتراث المتواضع أو البحوث الأكاديمية البحتة، وإنّما لتطوُّر وتحّسن باستمرار القدرات العلمية والتكنولوجية والتطويرية للمنشآت الصناعية والخدمية لتصبح فى مستوى عالمى متميز قادر على منافسة الآخرين. أفما كان ذلك ممكنا عندنا؟
نعم، لقد كان كل ذلك ممكنا، بل وأكثر، لو توافرت الأنظمة المؤسّسية الرشيدة التى تحفّز وتدعم وتحمى وتموّل مثل هذه النهضة التنموية الاقتصادية المستدامة. لكن ذلك مع الأسف لم يحدث لانغماس تلك الدول فى جحيم الصراعات العربية الإقليمية، سواء السياسية أو الطائفية أو العسكرية أو المخابراتية أو بالوكالة فى ساحات الصراعات الدولية. وهو لم يحدث أيضا لأنه لم تتوافر قط إرادة سياسية وطنية وقومية عروبية منطلقة من فكر علمى حداثى متجاوز لأى فكر تراثى أو تقليدى متخلف ومتصف بالرّشد والاستقلالية والشفافية والممارسات الديموقراطية.
***
ما يأمله الإنسان هو أن تكون مناسبة الهبوط الحاد فى أسعار البترول الحالية مناسبة مراجعة استراتيجية ومنهجية صارمة للخروج من عبثية دوّامة التأرجح فى أسعار البترول من خلال بناء اقتصاد واجتماع لا ينهار أمام تذبذبات أسعار البترول.
لتدرس دولنا تجربة دولة النرويج فى تعاملها مع ثروتها البترولية التى نجحت فى حماية اقتصادها الوطنى وميزانياتها، بطرق كثيرة لا يسمح المجال لذكرها، من الصدمات الاقتصادية المحلية والعولمية الناتجة من الذبذبات الشديدة فى أسعار البترول.
لقد أصبح من الضرورى أن تكون ثروة البترول والغاز فى بلاد العرب موضوع مناقشة واسعة فى دوائر الحكم ومجالس البرلمانات والشّورى والوسائل الإعلامية ومراكز البحوث وساحات المجتمع المدنية.
ستخطئ المجتمعات وأنظمة الحكم كثيرا لو أنها تجاهلت مرة أخرى التعلُّم من درس الهبوط الجديد فى أسعار البترول.

مفكر عربى من البحرين
علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات