حضرت المطالب وغابت الرؤى - عماد الغزالي - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 3:02 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حضرت المطالب وغابت الرؤى

نشر فى : الإثنين 26 سبتمبر 2011 - 8:40 ص | آخر تحديث : الإثنين 26 سبتمبر 2011 - 8:40 ص

يمكن لإضرابات الأطباء والمعلمين وسائقى النقل العام والسكة الحديد أن ترفع أجور العاملين فى هذه المهن، لكنها لن تؤدى بالتأكيد إلى تحسن مستوى الخدمة فى هذه القطاعات.

 

هذا الكلام ليس ضد حق التظاهر والاعتصام المشروع، لكنه ضد غياب الرؤية والمؤسسية.

سأوضح فكرتى أكثر..

 

هل سيؤدى مضاعفة راتب المعلم إلى امتناعه عن إعطاء الدروس الخصوصية، هل سيقود هذا الإجراء إلى أن يعطى المعلم وقته وجهده كله لتلاميذه كما كان عليه الحال فى الأيام الخوالى،هل ستقل نسبة الكثافة فى الفصول وترتفع قدرة التلاميذ على التحصيل والمتابعة، هل سيزيد عدد المدارس كما نتمنى كى تستوعب الزيادة السكانية المضطردة، هل سيعيد إليها الملاعب والمعامل والمسارح وغرف التربية الموسيقية، هل سيقود ذلك بالضرورة إلى تحسين المناهج وتنقيحها من اللت والعجن وبلاهة التلقين والحشو.

 

هل سيؤدى رفع رواتب الأطباء إلى توفير العلاج المجانى للغالبية من المصريين فى المستشفيات الحكومية، هل سيوسع مظلة التأمينات العلاجية لتشمل قطاعات أكبر منهم، هل سيزيد عدد الأسرة ويقضى على طوابير الانتظار من مرضى يدركهم الموت قبل أن تتحسس مواجعهم يد الطبيب؟

 

كرر الأسئلة ذاتها فى النقل والسكة الحديد والتعليم الجامعى والزراعة والصناعة وكل مناحى حياتنا، وستكتشف أن لا شىء سيتغير بهذه الطريقة.

 

مرة أخرى، هذا الكلام ليس ضد حق التظاهر والاعتصام المشروع، كما أنه لا ينفى الاعتراف بتدنى أجور العاملين فى الدولة، أطباء ومعلمين وأكاديميين وموظفين، سمح الفساد لأغلبهم أن يواصلوا حياتهم بدخول لا تكفيهم وأسرهم حتى منتصف الشهر.

 

لكن ذلك ليس إصلاحا نتمناه بعد ثورة عظيمة، أطاحت بنظام فاسد جهول، وألقت برموزه خلف القضبان، ما نريده ــ ونستحقه ــ أعظم وأجل: نريد دولة عصرية حقيقية، يحيا فيها مواطنون حقيقيون، على قيم العدل والحرية والمساواة، نريد رجال دولة يشتغلون للناس لا عليهم، يعرفون لبلدهم قدره وموقعه من العالم، نريدهم أكفاء مبدعين مبادرين، لديهم من الخيال واتساع الأفق وشمول الرؤية، ما يسمح باستغلال موارد البلاد على النحو الأمثل بعيدا عن السفه والإفساد، وبعيدا عن الرؤى الوظيفية البليدة التى اتسم بها أداء النظام السابق.

 

نريد إصلاحات مؤسسية جذرية، تعيد للبنى التشريعية والتنفيذية والقضائية جلالها، تعيدها إلى حضن الوطن والمواطن، وتنأى بها عن السلطة ومغرياتها.

 

قد لا تسعدك الجملة التالية، لكن هذه هى الحقيقة عارية.

 

هذا لن يتحقق فى سنتين أو ثلاث، ولن تحققه حكومة تسيير أعمال وسلطة انتقالية مؤقتة، هذا برنامج حكومة نتمناها ونظام رشيد نصبو إليه، وهو ما يؤكد خطورة وأهمية الانتخابات البرلمانية المقبلة، أيا ما كانت الطريقة التى ستجرى بها، وبصرف النظر عن اختراقات الفلول لها.

 

هذه هى الخطوة الأولى لبناء المستقبل، فلا تسمحوا بإهدارها، ولا تنصتوا لدعاة تأجيلها أيا ما كانت أسبابهم.

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات