(ثم.. نرمى ورا ضهرنا)..! - حسن المستكاوي - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 5:12 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

(ثم.. نرمى ورا ضهرنا)..!

نشر فى : السبت 26 سبتمبر 2009 - 9:12 ص | آخر تحديث : السبت 26 سبتمبر 2009 - 9:12 ص

 كنت أتمنى أن يجلس الفنان فاروق حسنى على مقعد مدير اليونسكو، لأنه مواطن مصرى. وهى أمنية منطقية ومشروعة. لكننا نسينا أن العالم الآخر لا يتعامل بالعواطف ولا بالخواطر.

وعندما أعلن الوزير عن خوضه السباق بحثوا عن تاريخه ويومياته. وقد أخرجت من قبعة الزمن مقالة عمرها 30 عاما للفيلسوف اليهودى الفرنسى برنار هنرى ليفى يدعى فيها أن فاروق حسنى كان يعمل لحساب المخابرات وأنظمة الأمن المصرية أثناء وجوده فى باريس. واعتبره ممارسا للتجسس. بينما يرى البعض ممن يعملون مع المخابرات للكشف عن ضحايا محتملين للمخابرات الإسرائيلية رجلا وطنيا. وليفى نفسه بكل ما يحمله من فلسفة فى العقل سيرى من يخدم مخابرات فرنسا أو إسرائيل بطلا وليس متجسسا.. هكذا رأينا كمصريين رأفت الهجان بينما يرى ليفى الهجان كما رأى فاروق حسنى. وقد ادعى المقال الذى أعيد نشره فى صحيفة فرنسية أن فاروق حسنى قام بمساندة الإرهاب «لأنه ساعد بصورة أو بأخرى خاطفى السفينة الإيطالية أكيلى لورو عام 1985 عقب وصولهم إيطاليا».. ونحن المصريين لا نراه مساندا للإرهاب.. والبعض يراه عملا وطنيا امتزجت فيه البطولة بالدهاء!

تلك مقدمة أضع بها النقاط فوق الحروف.. لعلها توضح كيف يرى العالم فاروق حسنى وكيف نراه نحن.. ولأنهم يرونه متعاونا مع المخابرات والأمن المصرى ومساندا للإرهاب كما جاء فى المقال القديم بجانب معاداته للسامية. فقد اختاروا المرشحة البلغارية إيرينا بيكوفا، وربما اختاروها بالمنطق الجغرافى والإقليمى.. تماما كما نساند مرشحا عربيا أو أفريقيا فى منظمة دولية بنفس المنطق..!

ليس صحيحا إذن أنه صراع الشمال والجنوب.. وليس صحيحا أنها مؤامرة ضد مصر، وإلا صنفت مصر متآمرة من جانب الغرب حين تساند مرشحا عربيا أو أفريقيا للمناصب الدولية. فالواقع أن نظرية المؤامرة تمثل أحد المبررات المعلبة الجاهزة لتمرير السقوط أو الفشل أو الإحباط الذى يسفر عنهما فى أوساط الرأى العام.. ففى مرات كثيرة ومناسبات كبيرة فاز مصريون بمناصب وبجوائز دولية رفيعة منحت لهم من جانب الغرب.. على الرغم من وجود منافسين يمثلونه.. وعندما فاضل الأوروبيون والأمريكيون بين حسنى وبين بيكوفا، وجدوا المرشحة البلغارية أصغر سنا. وتعمل فى المنظمة الدولية منذ 8 سنوات. بينما فاروق حسنى قادم من مقعد وزارة الثقافة المصرية ليحتل مقعد مدير اليونسكو دون أن يعمل أو يعلم الكثير عن المنظمة.. فكان اختيارهم المنطقى هو بيكوفا بلا مؤامرات تحاك فى خيالنا دائما كلما خسرنا منصبا أو مقعدا أو حربا أو حتى مباراة فى كرة القدم.. ولا أنفى أن الغرب قد يتعصب ويتواطأ أحيانا.. وهو يفعل ذلك كما نفعله نحن أيضا فى اختياراتنا بدوافع الجغرافيا والتاريخ والمصلحة، لكنه لا يتهمنا بالتآمر كما نتهمه دائما.

ثم ما سر تلك القوة التى نمنحها لإسرائيل. إننا نراها صاحبة لوبى مؤثر فى أمريكا وتقود رؤساء أقوى دولة فى العالم، ونراها لاعبا فى القرن الأفريقى وهدافا فى دول حوض نهر النيل، ومنتشرة فى معسكرات «حبقوق» لكرة القدم بجميع الدول الأفريقية.. نرى ذلك منذ عشرات الأعوام.. فأين نحن طوال تلك الأعوام.. ماذا فعلنا غير البكاء المستمر لأن إسرائيل هناك وهناك تلعب كما تشاء فى كل مكان؟!

لقد انتهت معركة اليونسكو وخسرها فاروق حسنى بشرف.. ولم تخسر مصر المعركة.. لماذا هذا الربط بين الأشخاص وبين الوطن.. بين مباريات وبين الوطن.. فتخسر مصر فى السباقات وفى الانتخابات وفى المباريات.. ويخسر شخص ويعتبر خسارته مؤلمة لمصر.. ثم كيف خسر اليونسكو الوزير فاروق حسنى كما يتردد منذ عودته.. كيف تخاطبون الناس بهذا الأسلوب.. ياه.. امتى نتغير؟!

على أى حال سيبقى حزن المواطن المصرى داخله عندما وجد وزير الثقافة يدافع عن زلة لسان غير مقصودة وخرجت علنا مع أنها مكبوتة حول حرق الكتب.. ومع أنهم يحرقون البشر والأطفال فى غزة وفى رام الله وفى الضفة وفى لبنان ولا يشعرون بالذنب ولا يدافعون عن هذا الإثم.. فأيهما يستحق الاعتذار؟: حرق الكتب بزلة لسان.. أم حرق البشر والأطفال والإنسان؟!

حزنت بجد كمواطن مصرى عندما أخذ فاروق حسنى وزير ثقافتنا يدافع عن زلة لسانه، وحزنت أكثر وأكثر حين وجدته يتنازل عن مواقفه ويهرول نحو المصالحة والاعتذار غير المباشر لإسرائيل من أجل مقعد اليونسكو، وذلك فى تمثيليات ساذجة بدأت بالقول: «ماكانش قصدى.. وانتهت بدعوة موسيقار يهودى كى يعزف بالقاهرة!».

كنت أتمنى أن يبقى على مواقفه ولا يضحى بها من أجل هذا المنصب الدولى. فلا يوجد مقعد أو منصب فى الدنيا يستحق أن يضحى من أجله إنسان بمبادئه وبمواقفه..!
السيد الوزير الفنان أنا هنا أصدقك القول وأنقل إليك مشاعر المصريين
و.. عليك أن «ترمى ورا ضهرك» الذى جرى.. فترتاح قليلا من آثار المعركة، وتفكر فى المستقبل وفى مشروعاتك الثقافية الحضارية وأولها المتحف المصرى الكبير.. لكن يبقى أيضا أن نعرف ونتعلم وندرس تجربة انتخابات اليونسكو ونبحث بعلم وبعمق لماذا خسر المرشح المصرى السباق كما يفعل العالم كلما فشل وكلما نجح.. وعلينا أن نتغير ونتواجد فى الدول والمنظمات الأوروبية وننغمس فى العالم ونتصل به ونأخذ منه ونربط مصالحه بمصلحتنا.. نفعل هذا أولا ثم بعد ذلك «نرمى ورا ضهرنا»..!

حسن المستكاوي كاتب صحفي بارز وناقد رياضي لامع يعد قلمه وكتاباته علامة حقيقية من علامات النقد الرياضي على الصعيد العربي بصفة عامة والمصري بصفة خاصة ، واشتهر بكتاباته القيمة والرشيقة في مقالته اليومية بالأهرام على مدى سنوات طويلة تحت عنوان ولنا ملاحظة ، كما أنه محلل متميز للمباريات الرياضية والأحداث البارزة في عالم الرياضة ، وله أيضا كتابات أخرى خارج إطار الرياضة ، وهو أيضا مقدم برنامج صالون المستكاوي في قناة مودرن سبورت ، وهو أيضا نجل شيخ النقاد الرياضيين ، الراحل نجيب المستكاوي.