«كلّهم فى الهوى سوى» - امال قرامى - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 12:43 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«كلّهم فى الهوى سوى»

نشر فى : الثلاثاء 26 أغسطس 2014 - 8:55 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 26 أغسطس 2014 - 10:32 ص

ما انفكّ حزب نداء تونس منذ تأسيسه، عن القول إنّه مخلّص «تونس» من «الظلاميين» الذين يريدون تغيير نمط عيش التونسيين، وتقليص حقوق النساء. وقد أكّد فى أكثر من مناسبة، على أنّه سيأخذ على عاتقه «إنقاذ» مكتسبات التونسيات وتركيز مؤسسات الجمهورية الثانية، والحفاظ على طابع الدولة المدنية.

ولم يختلف الأمر بالنسبة إلى عدد من السياسيين الذين رفعوا شعار الحداثة والديمقراطية... كلّهم وشوّا خطبهم السياسية بكلام منمّق ينتصر لحقوق النساء، ومكتسبات الدولة الحديثة ولقيم حقوق الإنسان حتى أنّهم باتوا يتوجهون إلى التونسيين والتونسيات بخطابات «الطمأنة»، ويعدون بالوقوف بوجه حملات استهداف «النموذج التونسي»، والارتداد، وانتهاكات حقوق النساء، ومقاومة العنف ضدّهن، والتمييز والإقصاء.

غير أنّ هذا الخطاب المنمّق والجميل المستند إلى الإرث البورقيبى من جهة، ومرجعية حقوق الإنسان، من جهة أخرى سرعان ما «تهافت» فى أوّل مناسبة يوضع فيها على محكّ التجربة. فحين يتعلّق الأمر بترشيح أسماء رؤساء/ت قائمات الأحزاب أو قائمة المستقلين يغدو الأمر مختلفا وتتسع الفجوة بين الكلام والفعال، النظرى والتطبيقى.. إنّها أحكام السياسية، ومعايرها، ورهاناتها: إنّها لعبة المصالح وآلية البراجماتية التى تجعل منظومة القيم أو الشعارات المرفوعة تتوارى لتفسح المجال لاعتبارات أكثر نجاعة. فحين يجدّ الجدّ لا يعلو صوت فوق صوت الهيمنة الذكورية.

تشير آخر البيانات إلى ترشيح مجموعة قليلة من النساء على رأس القائمات: حزب آفاق تونس(5)،الحزب الجمهوري(3)، الجبهة الشعبية (3)، حزب النهضة (2)، حزب نداء تونس(1)، التحالف الديمقراطى (1) فى انتظار إعلان أحزاب أخرى عن خياراتها كحزب التكتل وحزب المؤتمر وحزب المسار. ولكن ماذا يمكن أن نستنتج من وراء هذا التوجّه؟

•••

يلتقى أهل اليسار مع أهل اليمين فى تمسكهم بمجموعة من «الثوابت» منها :إرادة احتكار النشاط السياسى وممارسة الإقصاء دون أدنى خجل، وهنا تغيب الانتماءات الأيديولوجية وتهدأ وتيرة الاستقطاب الثنائى لتحل اعتبارات العلاقات الجندرية فيغدو اعتماد معيار الجنس مقدّما على معايير أخرى كالكفاءة، والإشعاع، والنزاهة،...

أمّا نقطة اللقاء الثانى فتكمن فى تكشير الأيديولوجيا الذكورية عن أنيابها وخروج الصور النمطية من مخدعها، وبروز الأحكام المعيارية من جديد وسرعان ما يتحول المشهد السياسى إلى حلبة وفضاء للعراك ولا مانع هنا من استعمال العنف إذ أنّ السياسة تقوم على القوّة والبطش وتمجدّ العدوان.

وتتمثل نقطة اللقاء الثالثة فى اعتماد السياسيين نفس المبررات. فهم يتعللون بأنّ المسألة مندرجة ضمن انتخابات ورهانات حيوية لا مجال فيها لترضية النساء بتطبيق التناصف، ولاسيما وأنّ العقلية السائدة فى المجتمع ترفض ترشيحهن على رأس القائمات، وبأنّ التشاور مع «التنسيقيات»، و«القواعد» أفضى إلى تقديم مصلحة الحزب على مصلحة النسوان، خاصة وأنّهن يتسببن فى «ضياع الأصوات».

•••

واللافت للانتباه أنّ كل هذه الخيارات الحزبية تنكّرت للقيم التى ادّعت التمسّك بها كالمساواة والعدالة، والحداثة، والديمقراطية...، ولم يجد أصحابها حرجا فى «انفضاح» أمرهم. فحزب النهضة الذى اعتبر نفسه ضامنا لحقوق النساء، و«لعب» بهذه الورقة لتسويق صورة الحزب الحداثى الديمقراطى مكررا تجربة من سبقه من الذين كرّسوا «نسوية الدولة» اختار مرشحتين فقط بالرغم من تفانى النهضاويات فى خدمة الحزب بالقلب والرب. أمّا حزب نداء تونس فإنّه رفض تلبية نداءات النساء وارتأى أن يكون «الحاكم بأمره» بعيدا عن «هرسلة» نسائه. ومن المفارقات العجيبة أنّ يرشّح التحالف الديمقراطى امرأة واحدة... يبقى حزب آفاق تونس إلى حدّ الآن «الشاذ الذى يقاس عليه».

وسيّان إن كان هذا الحزب أو ذاك متمسّكا بهذه المرجعيّة أو تلك. فالأخوة الأعداء صاروا اليوم أشقاء يشتركون فى تبنى السياسات الذكورية المنبثقة عن المجتمع الأبوى، وهكذا باتت المرأة الممارسة للنشاط السياسى قليلة الحظّ وغير متساوية مع الرجل وغير مستمتعة بمواطنيتها الكاملة. إنّها «امرأة الإجماع».

•••

تظلّ السياسة بعد ثورة نادت بالحرية والمساواة والعدالة....ودستور «ريادى» معبّرة عن علاقات الهيمنة، والتسلّط، ومنطق التراتبية الهرمية : الرجل فى أعلى السلّم والمرأة فى الأسفل، ومحكومة بثنائية الخاصّ/العامّ المدبرة للعلاقات بين الجنسين، ومكرسّة لذهنيّة تعتبر أنّ النساء دخيلات على عالم السياسة، وأنّ إزاحتهن ليست إلاّ وسيلة «لحمايتهن» من عالم المكر والخداع والفساد، والنجاسة... فهنّ ربات الحجال والقوارير والتابعات والصغيرات المدللات والمصونات.

غير أنّ ما يتجاهلوه السياسيون أنّ التونسيات اللواتى خضن نضالا شرسا من أجل رفع راية الوطن عاليا لن يكن نؤومات الضحى ولن يركن للراحة.. وستبدى لنا الأيام بما كنّا نجهل.

التعليقات