لبنان.. أي حوار لإنهاء الفراغ القاتل - ناصيف حتى - بوابة الشروق
الجمعة 10 مايو 2024 4:16 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لبنان.. أي حوار لإنهاء الفراغ القاتل

نشر فى : الإثنين 26 يونيو 2023 - 7:50 م | آخر تحديث : الإثنين 26 يونيو 2023 - 7:50 م

بين نكران للواقع الذى صنعته تجارب عديدة فى هذا المجال، واقع يقول إن العنصر الخارجى طاغ ولو تغير اللاعبون، أو الدعوة لتغيير هذا الواقع والإصرار لأن يكون انتخاب الرئيس «صنع لبنانى كليا» كما يجب أو يفترض أن تكون عليه الأمور من جهة وبين القدرية السياسية التى يسميها آخرون الواقعية السياسية، سواء كانوا من معارضيها أو مؤيدينها، من جهة أخرى والتى تقول إن الرئيس يُصنع خارج لبنان ثم يجرى «تصديره» إلى لبنان وانتخابه فى البرلمان، يستمر الانتظار ويتكرس الفراغ الرئاسى. وبالطبع اعتاد اللبنانيون على ذلك، رغم التكلفة الباهظة للفراغ بسبب الانهيار الذى يعيشه لبنان فى كافة المجالات والذى يساهم فيه هذا الفراغ والشلل الذى يحدثه بشكل كبير. فراغ تزداد مع الوقت تكلفة معالجة تداعياته. هذا هو المشهد القائم، مشهد الشلل القاتم، عشية مغادرة المبعوث الرئاسى الفرنسى، وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان للبنان بعد زيارته الاستكشافية والحوارية الأولى. يقول البعض إن لبنان اعتاد على لعبة الفراغ الرئاسى الذى امتد قبل انتخاب الرئيس ميشال عون إلى سنتين ونصف تقريبا. لكن الجسد اللبنانى النازف لم يعد يستطيع تحمل فترة طويلة قبل القيام بالجراحة المطلوبة والأكثر من ضرورية هذه المرة، والتى تزداد المخاطر بشأن النجاح بنتائجها كلما مر الوقت.
نسمع عن سيناريوهات من نوع إن حدوث تفاهم خارجى حول انتخاب رئيس أمر غير مستبعد، بعد أجواء التفاهمات الحاصلة بين الكبار فى الإقليم الشرق أوسطى والمسارات التى أطلقتها هذه التفاهمات. ولكن حسب هذه القراءة، علينا الانتظار حتى يأتى دور الملف اللبنانى، والذى لا يحتل موقعا أوليا على لائحة القضايا الساخنة والخلافية. وعندها ينتخب الرئيس بعد تفاهم «الخارج المؤثر» وتستقيم الأمور. سيناريو آخر يقول إننا دخلنا فى «لعبة عض الأصابع» بين التحالفات المتصارعة فى لبنان بانتظار من سيصرخ أو يتنازل أولا، أو من سيكون «أم الصبى» الذى سيتنازل عن موقفه لإنقاذ لبنان من تداعيات الشلل الذى أحدثته أزمة الانتخابات الرئاسية.
العنصر الخارجى، وتحديدا التفاهم الخارجى بين القوى المعنية والمؤثرة بشكل أو بآخر، وفى مجالات مختلفة أحيانا، أمر أكثر من ضرورى ولكنه بالطبع ليس بالأمر الكافى. فالأزمة البنيوية والحادة التى يعيشها لبنان لم نعرف مثيلها فى الماضى، فى تاريخ الأزمات والحروب والصراعات فى لبنان وحول لبنان، من حيث طبيعتها وحجمها وتداعياتها الممكنة على مستقبل لبنان دولة ومجتمعا. مجموعة الدول الخمس المعنية بالملف اللبنانى والتى تعمل على معالجته مدعوة أيضا فى ظل التغيرات الإيجابية فى الإقليم، التى أشرنا إليها سابقا، لإجراء حوار، أيا كانت صيغته والمشاركين فيه من أطراف المجموعة التى لها علاقات مختلفة مع القوى الأخرى المؤثرة فى الأزمة اللبنانية، مع هذه القوى الأخرى لبلورة تفاهمات تساهم وتشجع فى عملية الخروج من المأزق الخطير الذى يعيشه لبنان عبر تسهيل إنهاء حالة الفراغ والشلل على صعيد مؤسسات الدولة. انتخاب الرئيس والانتهاء من الفراغ القاتل شرط ضرورى ولكن غير كافٍ إذا لم تواكبه مبادرة لبنانية للحوار. حوار ليس بالعناوين والشعارات أو بشروط مسبقة حول مسألة معينة، كاختيار رئيس، بل حول برنامج الإصلاح الشامل والمطلوب للإنقاذ الوطنى. فهذا الأمر لا يستدعى أو يتطلب انتخاب رئيس للولوج فى بحثه، بل هو أمر أكثر من ضرورى فى عملية الإنقاذ الوطنى المطلوبة. برنامج يستدعى التزام المكونات السياسية الفاعلة فى لبنان التى دون توافقها لا يمكن ولوج باب الإنقاذ، وذلك بسبب التركيبة السياسية اللبنانية فى واقعها وممارساتها. برنامج يتناول الشئون المالية والاقتصادية والإدارية والسياسية وهى كلها عناصر مترابطة ومتكاملة. برنامج يكون بمثابة خارطة طريق ومشروع عمل شامل وتدرجى وواضح فى عناصره للسلطة الجديدة التى سيتم التوافق على إنتاجها رئيسا وحكومة. ويجب أن تكون الأخيرة بمثابة فريق عمل مع الرئيس الجديد.
فالانتظار، وكأنه قدر لبنان، يزيد من مخاطر الانهيار وتكلفة الإنقاذ. إن حوارا يهدف إلى بلورة رؤية شاملة وعملية حول خريطة طريق للإنقاذ الوطنى يفترض أن يسهل ويعجل عملية انتخاب رئيس، ليس على أساس الطمأنة المتبادلة فحسب بين القوى المتنافسة ولا أقول المتصارعة إذا ما تم الاتفاق على البرنامج الإصلاحى، بل على أساس الطمأنة الوطنية الشاملة التى توافرها الرؤية والبرنامج والسلطة الجديدة مع انتخاب الرئيس.
فالخيار فى نهاية الأمر هو بين الانتظار المفتوح فى الزمان وبين الحوار الهادف وليس حوار الطرشان الذى يسرع فى انتخاب رئيس، فماذا نختار؟

ناصيف حتى وزير خارجية لبنان الأسبق
التعليقات