حكاية حسين مع زيت التموين - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 9:19 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حكاية حسين مع زيت التموين

نشر فى : الخميس 26 مايو 2016 - 9:50 م | آخر تحديث : الخميس 26 مايو 2016 - 9:50 م
حسين رجل عمره حوالى ٤٨ عاما حاصل على دبلوم فنى لكنه فضل العمل سائقا على سيارة ربع نقل فى إحدى قرى محافظة أسيوط لديه خمسة أبناء.

مؤخرا قابلته فى حى العمرانية بالجيزة فى فرح أحد بلدياتى من أسيوط. عندما رآنى، اندفع فى وصلة نقد عارمة مصحوبة بألفاظ صعيدية، كنت ظننتها اندثرت من قاموس التعامل.

حسين ليس منتميا سياسيا لأى حزب أو جماعة، لم يشارك فى ٢٥ يناير، لكنه خرج ضد الإخوان فى ٣٠ يونيو، ليس مهتما كثيرا بالتطورات السياسية، لكن كل ما يشغله هو حياته ومعيشته التى تزداد صعوبة يوما بعد يوم.

هذا الشاب وصل إلى أعلى درجات السخط المتخيلة والسبب التموين وغلاء الأسعار.

حسين يرى الحياة والحكومة من خلال أشياء محددة مثل السكر والأرز وزيت التموين. ما يشغله هو ان زجاجة الزيت وسعرها ثمانية جنيهات اختفت لشهور، وفجأة ظهرت فى بعض مخازن لصوص قوت الشعب المسكين ومنها إلى البقالات والسوبر ماركت لتباع بـ١٢ و١٣ جنيها».

هذا الرجل الصعيدى: يتعجب كيف تسمح الحكومة والدولة بأن يتم تهريب زيت التموين ويختفى فجأة، فى حين يعلم كثيرون أن هناك من يقوم بتخزينه، وبيعه بأسعار خرافية؟!.

هذا المواطن لا يشغله أى شىء، ولن تؤثر فيه أى مقولات أو شعارات، لأن الحكومة بالنسبة له تتلخص فى أنه يذهب إلى «دكان أو بقالة التموين» فلا يجد المقررات التموينية الأساسية التى يريدها، وفجأة تباع بأسعار تزيد ما بين ٢٠ إلى ٣٠٪ فى السوبر ماركت. حسين ينظر إلى الحكومة من خلال مفتش التموين الذى لا يقوم بعمله أحيانا بل يتواطأ فى أحيان أخرى مع البقال أو صاحب محطة البنزين!

يقول حسين: «اننى أبحث عما أحتاجه فلا أجده خصوصا الأرز والزيت والسكر، فى حين تتواجد أشياء كثيرة أخرى لا أحتاجها ولا يحتاجها غالبية سكان قريتى أو القرى المشابهة، ولا يعقل أن أشترى كل حصتى مكرونة أو أجبانا أو لحوما!.

عندما اتصل بى حسين للمرة الثانية، كان غضبه بنفس المستوى، بل ربما تطور إلى حالة اسوأ، فهو يرى أن الحكومة المصرية تخلت عن جزيرتى تيران وصنافير للسعودية من أجل أموال سوف تذهب إلى جيوب المسئولين!.

سألته من أين حصل على هذه المعلومات؟! أجاب: «كل الناس بتقول هذا الكلام».

يصعب بطبيعة الحال أن تتحدث مع حسين عن الخرائط والوثائق والتاريخ والجغرافيا، هو غير مكترث كثيرا لهذه السيرة، لكنه فى كل الأحوال كون وجهة نظر بشأن هذه القضية.

سألته: هل لو كان يحصل على زجاجة الزيت وبقية التموين سيفكر فى حكاية الجزيرتين؟!

قال الرجل بسرعة وتلقائية: «مش عارف»!

انتهى حوارى مع حسين لكن كلماته ونبرة صوته الغاضبة وانتقاداته الحادة والعنيفة للحكومة والرئيس لاتزال ترن فى أذنى حتى الآن، خصوصا اننى بدأت أسمعها فى أوساط أخرى كثيرة تشبه حالة حسين.

هناك نقمة واضحة بسبب ارتفاع أسعار الدولار التى أثرت على أسعار غالبية السلع، والمواطنون البسطاء خصوصا الفقراء، لن يشغلهم كثيرا لماذا زاد سعر الدولار وانخفض الجنيه؟! ما يشغلهم ان تكون حياتهم أفضل حالا وأقل بؤسا، أو على الأقل يكون هناك حد أدنى من الأمل فى الغد.

لاحظوا أن كل شكوى هذا المواطن حدث قبل انهيار سعر الجنيه أمام الدولار بالصورة الفادحة التى نراها الآن. وبالتالى فإن الحالة زادت صعوبة أمام حسين وكل أمثاله وما أكثرهم فى مصر، وهو لم يكن يفكر فى السياسة، لكنه صار قابلا لتصديق أى شىء حتى لو كان مغلوطا.

لو كنت مكان الحكومة وسائر أجهزتها لخصصت معظم وقتى من أجل الوصول إلى حسين وأمثاله وأقنعتهم بصورة عملية عبر توفير السلع الأساسية، وتطبيق قانون الإرهاب على لصوص المال العام.
عماد الدين حسين  كاتب صحفي