بين العروبة والإسلام السياسى: من «الزعيم الأوحد» إلى «داعش» - طلال سلمان - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:40 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بين العروبة والإسلام السياسى: من «الزعيم الأوحد» إلى «داعش»

نشر فى : الأربعاء 25 يونيو 2014 - 5:55 ص | آخر تحديث : الأربعاء 25 يونيو 2014 - 5:55 ص

لكأنها عودة بالتاريخ قرنا كاملا إلى الخلف: بالمناداة بالخلافة لتوحيد العرب فى ظلالها الوارفة وبالاستناد إلى الحليف الغربى، البريطانى أساسا والفرنسى بالاضطرار، بديلا من السلطان العثمانى وورثته من «العلمانيين» الأتراك الذين خرجوا من الدين وعليه.

وإذا كان الشريف حسين بن علي، أمير مكة وسلطان الحجاز قد فشل فى استعادة الخلافة لأنه كان مرتهن القرار ولا يملك القوة اللازمة آنذاك، سنة 1915، فهاهو تنظيم «داعش» –الدولة الإسلامية فى العراق والشام- حر فى قراره السياسي، يبنى قوته المتصاعدة بسلاح أعدائه – أعداء الدين الحق - الذين يفرون من مواجهة مجاهديه مذعورين وقد تركوا أسلحتهم، ثقيلها والخفيف، للقادر على أخذها، كما حصل فى الموصل، قبل أيام.

ثم أن الشريف حسين لم يكن صاحب المشروع، بل ولم يكن مؤهلا للتفكير به... وإنما جاءه «البريطانيون الخبثاء» الذين كانوا يحتاجون غطاء إسلاميا لقتالهم ضد ما كانته «السلطنة العثمانية»، فأغروه بالسلطة فى دولة عربية كبرى، ووعدوه بالسلاح والرجال ليعززوا – بالقوة - نسبه الشريف المؤكد عروبته: أليس يتحدر من سلالة النبى العربى؟! إن هذا النسب يبطل مفعول الصراع المفترض بين السنة (وهم أهل الحكم والجاه والمال) والشيعة وهم رعايا منبوذون ومضطهدون، لأنه يرجع بصاحبه إلى ما قبل الانشقاق الخطير فى صفوف أتباع الدين الحنيف والذى تشظى بعد ذلك مذاهب وطوائف شتى.

أما «داعش» الراهنة فليس إتباعها من «الخوارج» الذين انقضوا بسيوفهم على أولياء الأمر الذين رأوا فى خلافاتهم أسبابا للفتنة، وافترضوا أن القضاء عليهم يمكنهم من تصحيح مسار الدعوة.. بل أنهم هم القيمون الآن على الدين كما أخذوه عن مراجعهم الأصولية... ولا بأس إن أطلقت عليهم تهمة «السلفية» أو اتهموا بالتشدد.

الميدان مفتوح، فقهيا، أمام داعش.. فكل طائفة من المسلمين تتهم الأخرى بالخروج على الدين والتواطؤ على صحيحه، فلنصدق الجميع ولنحاسب الجميع، كل بحسب تقديرنا لقربه أو بعده عن أصول الدين.

•••

قبل قرن من الزمان، ومع انفجار الحرب العالمية الأولى، وجد العرب – الذين لم يكن لهم دول، أقله فى المشرق - احتمالا بتوفر الفرصة لخروجهم، أخيرا وبعد أربعمائة سنة من هيمنة العثمانيين بالخلافة ثم السلاطين الأتراك –ودائما باسم الإسلام- على المنطقة العربية عموما.

أفاد العرب من التناقضات بين السلطنة والقوى الاستعمارية (الأوروبية عموما) التى كانت تستعد لوراثتها بتقاسم مستعمراتها، فظهرت فى المشرق خصوصا (بلاد الشام) دعوات لتوكيد أصولهم القومية والمناداة بالاستقلال، تارة عبر القول بالخلافة العربية، وغالبا بالمناداة بالعروبة هوية جامعة وبالوحدة أو الاتحاد.

ولقد أفاد البريطانيون خاصة والفرنسيون من هذا التوجه وشجعوه لإضعاف السلطنة، التى كانت قد تآكل نفوذها وخرج عليها الكثير من الشعوب التى أخضعت لسيفها طوال قرون...

وهكذا وفى حين كان العرب، يتصدرهم كاريكاتوريا الشريف حسين، وفكريا عبر كتابهم والمستنيرين من علمائهم يحلمون بوحدة تجمع شعوبهم فى دولة واحدة، قوية ومنيعة – كان البريطانيون والفرنسيون يعقدون معاهدة سايكس بيكو (1916) التى وزعت أقطار المشرق (فلسطين وسوريا ولبنان – والأردن الذى ابتدع للتو – والعراق) فيما بين المستعمرين الجديدين.

على قاعدة هذا الاتفاق تم التمهيد لإقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين، وتم تقطيع أوصال المشرق العربى:

ابتدعت «دولة» فى بادية الشام هى إمارة شرقى الأردن، أعطيت كجائزة ترضية للأمير عبدالله ابن الشريف حسين.

أعطيت سوريا لفرنسا التى حاولت تقطيع أوصالها فى أربع «دول» ثم أعادت توحيدها فى كيانها السياسى الحالى.

تم توسيع الكيان اللبنانى الذى كانت السلطنة قد اضطرت إلى إعلانه «متصرفية» شبه مستقلة عن السلطنة، تحت الحماية الغربية وإن ظل المتصرف من رعايا السلطان، فصار الدولة التى نعرفها الآن، بعد ضم ما يسمى الأقضية الأربعة (أى الجنوب والشمال والبقاع وولاية بيروت) إلى المتصرفية فى جبل لبنان.

• وأقيمت مملكة فى العراق أعطيت للأمير فيصل ابن الشريف حسين، الذى كان قد نودى به ملكا على سوريا، فلما طرده الفرنسيون تلقفه البريطانيون فنصبوه على العراق.

هكذا أعد المشرق لقيام دولة إسرائيل لاحقا، على أرض فلسطين، بينما أهلها الأقربون، لاسيما فى سوريا التى كانت فلسطين جزءا لا يتجزأ منها سواء عبر التاريخ أو بحقائق الجغرافيا، قد توزعوا دولا شتى..

على أن هذه الوقائع السياسية التى فرضت على الأرض بالأمر الاستعمارى، بريطانيا وفرنسيا، تطبيقا لمعاهدة سايكس-بيكو، بين البريطانيين والفرنسيين، لم تمنع العرب من أن يستغرقوا فى حلمهم «بالدولة الواحدة للأمة الواحدة»... وكان مفكروهم وكتابهم قد انتبهوا إلى حقيقة أن ثمة رابطا قوميا يجمع شتاتهم هو: العروبة.. وهكذا طفق بعضهم يبشر بالعروبة مع بداية القرن العشرين، داعيا إلى وحدة سياسية بين أقطار المشرق العربى التى مزقها الاستعمار «دولا» لا تملك مقومات الحياة.

وها هو تنظيم «داعش» يعلن بين أهدافه تحطيم حدود سايكس-بيكو ودولهما.

•••

ظلت الدعوة إلى الوحدة قائمة، أقله على المستوى الفكرى والعمل السياسي. ونشأت أحزاب وجمعيات عديدة تنادى بالعروبة، سواء على مستوى سوريا الطبيعية (التى تضم سوريا ومعها لبنان والعراق وصولا إلى الكويت ومعها قبرص –كما قال الحزب السورى القومى الاجتماعى بزعامة انطون سعاده فى منتصف الثلاثينات..) أو بوحدة عربية شاملة تجمع المشرق والمغرب من أدنى الجزيرة العربية إلى أقصى المغرب الغربى (كما دعا حزب البعث العربى الاشتراكى الذى تم تأسيسه فى دمشق على يد ميشال عفلق ورفاق له فى منتصف الأربعينيات، ثم حركة القوميين العرب التى أنشأها مجموعة من المناضلين الفلسطينيين بعد نكبة فلسطين بقيادة الدكتور جورج حبش وانضم إليها وحدويون من سوريا ولبنان والأردن والكويت وشبه الجزيرة العربية وبعض أنحاء المغرب..).

تنامت قدرات الأحزاب القومية، البعث وحركة القوميين العرب، بعد نكبة فلسطين، فى حين تراجع زخم القول بدولة الخلافة الإسلامية (أو حتى العربية)، بعد استقلال «الدول» وانفتاح أبواب الصراع على المناصب والمنافع..)، وإن برز تنظيم الإخوان المسلمين الذى كان قد تأسس فى مصر أواخر العشرينيات، مستقطبا مناصرين فى مختلف أقطار المشرق خصوصا.

ولقد أمكن لحزب البعث أن يصل إلى السلطة فى سوريا، أساسا، ثم فى العراق، بالاتكاء على الجيش.. لكن تجربته فى الحكم قد انتهت إلى نتائج مأساوية على مستوى العمل القومى، خصوصا وأن الحزب سرعان ما ذاب فى «الزعيم» الذى حملته الصراعات التى لم تتوقف داخله بين التيارات اليسارية واليمينية فأخليت الساحة للقيادات المتحدرة من الجيش، والتى غالبا ما كانت من طائفة واحدة... وكان على الشعارات المبشرة بالوحدة والحرية والاشتراكية أن تغطى «القائد التاريخى» وحكم الأقلية المستندة إلى العسكر، وهذا ما وسع مجال الحركة أمام الإسلاميين ورفع صوتهم بتظلم الأكثرية المقصاة عن السلطة.

•••

باختصار: التهمت السلطة المتهمة دائما بالفئوية فى بلاد الشام، سوريا والعراق، الأحزاب العلمانية والحكم المتستر بشعاراتها... ولم يكن قد تبقى فى البلاد من وجود فاعل للحركات القومية رافعة شعار الوحدة. وحدها التنظيمات الإسلامية التى كانت قد اختفت «تحت الأرض» عادت إلى السطح وقد اندفعت إلى أقصى التطرف، مطالبة بإقامة «الدولة الإسلامية»، مستعيدة تاريخ الشقاق السنى-الشيعى فى أبشع صوره.

وها نحن نعيش الفصل الأول من فصول الصراع السياسى الجديد بأدبياته الطائفية البشعة فى صراحتها، وبممارساته الدموية لاغية السياسة والدين.

طلال سلمان كاتب صحفي عربي بارز، مؤسس ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، كما أنه عضو في مجلس نقابة الصحافة اللبنانية - المدونة: www.talalsalman.com
التعليقات