أشلاء ثورة يوليو - محمد عصمت - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 6:29 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أشلاء ثورة يوليو

نشر فى : الثلاثاء 24 يوليه 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 24 يوليه 2012 - 8:00 ص

فى عيدها الستين، لم يتبق من ثورة يوليو سوى خليط عجيب ومدهش، يجمع بين أشلاء أفكار ثورية مشوهة، وانجازات اجتماعية انحازت للفقراء، مع ذكريات أليمة عن انتهاكات دامية للحريات وحقوق الانسان بثت الخوف والرعب فى نفوس ملايين المصريين، ثم هزيمة عسكرية مذلة فى يونيو 67!

 

كان عبدالناصر رجل التناقضات الكبيرة، والأخطاء الفادحة، والأحلام المجهضة، كانت سقطته الكبرى هى عدم ثقته فى «الشعب» المفترض أن الثورة قامت من أجله ومن أجل تحسين مستوى معيشته.. كان عبدالناصر يقيم المدارس والمستشفيات والمصانع ويوزع الاراضى على صغار الفلاحين.. وكانت أجهزته الأمنية فى المقابل تعتقل عشرات الآلاف من معارضيه، وتزج بهم فى المعتقلات حيث كانوا يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب والتنكيل، وليكونوا رسالة لكل من تسول له نفسه ان يعترض على اى قرار.

 

وصحيح ايضا ان عبدالناصر كان مناصرا للفلاحين والعمال، إلا انه قمع الحركات العمالية والفلاحية بمنتهى الوحشية، وارتضى ان يمثل الاقطاعيون وكبار البيروقراطيين هؤلاء العمال والفلاحين فى البرلمان بانتخابات يعرف هو جيدا انها مزورة. وحتى فى عدائه لإسرائيل، وقع عبدالناصر بمنتهى السطحية فى فخ العنصرية البغيض، واعتبر كل اليهود أعداءه، رغم ان فيهم من يعارض الأفكار الصهيونية، بل ومن يعارض قيام دولة اسرائيل نفسها لأسباب دينية تتعلق بالعقيدة اليهودية!

 

بمقاييس عصرنا، يبدو عبدالناصر ديكتاتورا كامل الأوصاف والأبعاد والمقاييس، ولكن بمقاييس العقل والمنطق، لم يكن جمال عبدالناصر يحتاج لكل هذا القمع ضد معارضيه، فشعبيته كانت كاسحة خاصة بعد قراره بتأميم قناة السويس، كما أنه لم يكن فى حاجة لتزوير انتخابات الرئاسة لينجح بنسبة 999.99%، فلم يكن أحد يفكر فى منافسته ولا فى الأحلام، ولم يكن الرجل بحاجة أيضا إلى شطب اسم اللواء محمد نجيب أول رئيس للجمهورية من كتب التاريخ، رغم أن ثورة يوليو لم تكن لتنجح لولا وطنية هذا الرجل وشجاعته ونبله.

 

ازمة الناصرية أنها ظلت طوال حياة عبدالناصر حائرة بين توجهات يمينية ويسارية متعارضة، فأقامت دولة بوليسية بواجهة اشتراكية.. أما أزمة الناصريين بعد رحيله، فهى عجزهم عن المواءمة بين فكرة «تحالف قوى الشعب العامل» التى قامت فوق اكتافها دولة عبدالناصر، وبين فكرة التعددية الحزبية التى نطبقها حاليا، فإذا اسقط الناصريون فكرة «التحالف» لم يعد هناك مبرر سياسى لوجودهم، وإذا تمسكوا بها فهم معادون للحريات الحزبية.. وإلى ان يفض الناصريون هذا الاشتباك، لن يوجد اى مستقبل سياسى للناصرية، رغم ان التجارة باسم عبدالناصر ستستمر كحرفة رائجة لهؤلاء الذين يجيدون فنون الأكل على كل الموائد.

محمد عصمت كاتب صحفي