العلم في كبسولة وبدم خفيف - محمد زهران - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 9:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العلم في كبسولة وبدم خفيف

نشر فى : الأحد 24 مارس 2019 - 2:00 ص | آخر تحديث : الأحد 24 مارس 2019 - 2:00 ص

دائماً ما نقول أن حلمنا هو بناء مجتمع علمي يقوم على التفكير النقدي والتخطيط العلمي وأن التعليم هو أمن قومي ولكن كيف نبدأ؟ طبعاً للجيل الذي يخطو خطواته الأولي في التعليم فعندنا فرصة تعليمه تعليماً صحيحاً من البداية ولكن ماذا عن الجيل الذي قطع أشواطاً في التعليم؟ ماذا عمن أنهى تعليمه وإلتحق بسوق العمل؟ كيف نقنع هؤلاء بأهمية العلم؟ الخطوة الأولي في نظري أن نقنع هؤلاء بجمال العلم وجمال التفكير المنطقي وأن العلم ليس طلاسم أو كلام جاف، عندما يقتنع هؤلاء بذلك سيشعرون من تلقاء أنفسهم بأهمية العلم لأنفسهم ولبلدهم وللعالم كله لأن من ذاق عرف... فكيف نجعلهم يذوقون؟

السواد الأعظم من الناس تخاف من العلوم إما لأنهم لا يعرفون كيف يبدأون أو لا وقت عندهم أو لا إرادة عندهم أو لخوف من عدم قدرتهم على الفهم، لنجعل الموضوع أسهل بالنسبة لهم يجب أن نعطيهم جرعات قليلة من العلم بطريقة سهلة وغير جافة بل وشيقة وهذا عنوان مقالنا اليوم.

ببحث سريع سنجد على الساحة الكثير من المبادرات المفيدة والجميلة في هذا الإتجاه ولمبديعها منا كل التقدير على هذا الجهد، لنعطي أمثلة على تلك المبادرات.

من المبادرات الشهيرة: الدحيح وهي كلمة كانت تستخدم أيام دراستي المدرسية لتعني الذي يذاكر كثيراً ولا أدري إن كان معناها قد تغير الآن! المهم الدحيح عبارة عن حلقات فيديو تتراوح مدة أغلبها من عشر دقائق إلى ربع الساعة وتتعرض لموضوعات تاريخية وفلسفية وعلمية بطريقة ساخرة.

هناك أيضاً: إيكولوجي وهي سلسلة تتعرض لموضوعات مختلفة مثل علوم النفس والكيمياء والفيزياء إلخ بطرق مبسطة وطريقة طريفة وأيضاً مدة كل فيديو لا تتجاوز الربع ساعة وتقل عن ذلك في أغلب الحلقات وفلسفة الحلقات كما هو مكتوب في صفحة اليوتيوب لهذه المبادرة تتلخص في جملة "عايز تتعلم حاجة من غير ما تتعلم حاجة؟ " أي أنها تجعل التعليم سلس ولا يبدو كالتعليم حتى لا يهرب منه الناس.

بعض المبادرات المتخصصة قليلاً نجدها في الاسبتالية وهي تنظر في الإنسان نفسياً وجسدياً فهي متخصصة في الطب والمعلومات الطبية أيضاً بطريقة سهلة.

طريقة مبتكرة جداً لتقديم العلوم نجدها في سوبر هيرو ساينس وهي حلقات قصيرة المدة (من خمس إلى عشر دقائق) وتقدم معلومات علمية عن طريق الأبطال الخارقين فمثلاً الشخص الضعيف الذي تعرض لأشعة جاما فأصبح يتحول إلى الرجل الأخضر كلما شعر بالغضب أو الخوف، سلسلة الرجل الأخضر هذه نعرفها جميعاً منذ أيام الطفولة ولكن: ماهي أشعة جاما؟ كيف تؤثر على الجسم البشري إذا تعرض لها؟ ما تأثير الغضب أو الخوف؟ من أين تأتي كتلة العضلات؟ وهكذا... كل حلقة تدرس أحد الأبطال الخارقين وتستخلص العلم من الخيال.

وهناك أيضاً الجرعة اليومية من العلوم وهي تعرض العلوم في كبسولات صغيرة سهلة الهضم على العقل والقلب معاً وتنظم الكثير من الفاعليات من محاضرات وتجارب العلمية ومناقشة الأفلام التي تتعرض لنظريات علمية ومنها أيضاً تنظيم مؤتمر سنوي دخل عامه الثالث الآن.
طبعاً هناك الكثير والكثير من المبادرات وما ذكرناه هو غيض من فيض... السؤال الآن: ماهي الخطوة التالية؟

هذه المبادرات ستشد الشباب نحو العلم بعضهم سيحب الطريق وسيكمل وبعضهم سيتوقف هنا في كلتا الحالتين سيستفيد المجتمع، من يحب هذا الطريق فسيكمل فيه في مستويات أكثر تقدماً وتخصصاً مثل محاضرات ريتشارد فاينمان في الفيزياء مثلاً والمواد الدراسية المتقدمة لكبرى الجامعات في العالم وموجودة على الإنترنت وأغلبها مجاني وقد يتخصص هؤلاء الشباب في تخصص دقيق في الجامعة ويكملوا طريقهم في البحث العلمي أو يأخذوا علمهم إلى الصناعة، أما من توقف عند نقطة مشاهدة تلك المبادرات فعلى الأقل عرف القليل عن العلم والتفكير العلمي والنقدي الذي قد يساعده في حياته وقد يساهم من أُعجب بهذه الحلقات على اليوتيوب لاحقاً في مساعدة هذه المبادرات بالوقت أو المال أو شبكة المعارف لتزيد المبادرات.

إذا نظرنا إلى كل تلك المبادرات وحاولنا استخلاص الصفات المميزة لها والتي تجعل الكثير من الناس يقبلون عليها سنجد عدة صفات: أولاً تتميز كلها بروح الدعابة وخفة الدم وهذا بالتأكيد يساعد على إزالة حاجزي الخوف من تعقيد العلم والملل من جفاف المادة العلمية، سنجد أيضاً طول كل حلقة في حدود خمس دقائق لربع الساعة وهذا كافي لتشجيع الناس على البدء في المشاهدة وأيضاً تأخذ في الإعتبار قلة القدرة على التركيز في عصرنا هذا، الصفة الثالثة أن معظم الحلقات تمس الحياة اليومية للناس مما يساعد على ربط العلم بالحياة كما أن المادة العلمية تقدم بلغة العصر اليومية مما يجعلها مستساغة عند الأجيال الجديدة.

أتمنى أن أرى الكثير والكثير من تلك المبادرات والكثير من الإقبال على مشاهدتها وتحية كبيرة لمن يخلق هذا المحتوى لأن كل شخص منهم يضع لبنة في البناء العلمي للمجتمع.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات