(اللبننة) كسلاح للنظام العربي ضد شعوبه..كل ينتظر (برادعيه) لينقذه! - طلال سلمان - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 9:51 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

(اللبننة) كسلاح للنظام العربي ضد شعوبه..كل ينتظر (برادعيه) لينقذه!

نشر فى : الأربعاء 24 فبراير 2010 - 10:24 ص | آخر تحديث : الأربعاء 24 فبراير 2010 - 10:24 ص

مع انفجار أو تفجير الحرب الأهلية فى لبنان، منتصف السبعينيات، وتعدد محطاتها وتنوع جبهاتها، واختلاف الشعارات فى كل «جولة» جديدة من جولاتها الكثيرة، نتيجة تورط أو توريط أطراف أخرى فى تلك الحرب التى بدت بلا نهاية، ابتدع بعض الخبراء تعبير «اللبننة» للتدليل على خطورة الأوضاع فى هذا البلد العربى أو ذاك، واحتمال الانزلاق إلى حرب أهلية تضرب مكوناته الأصلية.

-1-

ذلك أن الحرب الأهلية فى لبنان سرعان ما تحولت إلى حرب أهلية عربية بالواسطة، وبالتالى صارت «مدولة»، لأن لبنان دولة كل الدول، لكل منها فيه نصيب بحكم طبيعة نظامه السياسى الذى ولدته الدول للكيان الذى أقامته بتواطؤ مكشوف وفى ظل ظروف الصراع الدولى على الشرق المفتوح دائما، ولاسيما مع اقتراب شمس السلطة العثمانية من الغروب فى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.

ذلك أن الدول الغربية قد أسبغت حمايتها على طوائف لبنان، فاختصت فرنسا بالمسيحيين الموارنة أساسا ــ والكاثوليك عامة، وتولت روسيا القيصرية أمر المسيحيين الأرثوذكس، واهتمت بريطانيا بشئون الدروز، تاركين للسلطة شئون المسلمين مع السعى لتحريضهم عليها وتذكيرهم بأنهم ليسوا أتراكا ولهم الحق فى دول مستقلة، وهذا ما سيتبلور لاحقا وفى غمرة الحرب العالمية الأولى.

ففى عام 1916عقد البريطانيون مع الفرنسيين معاهدة سايكس ــ بيكو التى قسموا بموجبها أقطار المشرق العربى (سوريا الطبيعية تحديدا) بين الاستعمارين، فكانت فلسطين وشرق الأردن (التى ابتدع لها كيان سياسى كإمارة هاشمية) والعراق من نصيب بريطانيا، فى حين تركت سوريا (المهشمة كجغرافيا سياسية) ولبنان من نصيب فرنسا.

على قاعدة هذه المعاهدة وكخطوة متقدمة عليها وأكثر تدليلا على ما يعد للمشرق العربى، أعطى اللورد بلفور وعده الشهير «لمن لا يملك بما لا يستحق»، متعهدا بتفهم مطالب المؤتمر الصهيونى الأول فى بازل بسويسرا (1897) بإقامة وطن قومى يهودى فوق أرض فلسطين.. العربية.

يبدو أن الزمن قد دار بالعرب دورة كاملة، فأعاد أنظمة دولهم ــ وهى، بأكثريتها مستحدثة، ومن خارج التاريخ، وعلى حساب وحدة الجغرافيا ــ إلى حضانته، بالحماية من قريب (بالقواعد العسكرية) أو من بعيد بالهيمنة السياسية على قرارها الذى كان وطنيا وكان مستقلا، ثم ذهبت وطنيته واستقلاله مع رياح الاستعمار الجديد.

ها نحن نشهد وجوها متعددة «للبننة» فى أقطار عربية عدة، تتهدد وحدة شعوبها الحروب الأهلية، متفجرة أو كامنة، فى حين يواصل حكامها من أهل النظام العربى التمترس فى حصون السلطة، تارة بذريعة حماية الكيان، وطورا بحجة حماية الدولة من الانهيار.. مرة «لمنع العدو من تحقيق أغراضه»، ومرة ثانية بذريعة «منع التطرف أو الأصولية من السيطرة على البلاد»، ودائما بذريعة حماية الوحدة الوطنية وتأمين استقرار الدولة وتثبيت السلم الأهلى.

من اليمن إلى العراق فإلى السودان (فضلا عن الصومال) تتبدى مخاطر تمزيق الكيانات السياسية القائمة عبر نيران حروب أهلية يتحمل مسئوليتها النظام السياسى القائم فيها، من دون إسقاط الدور التخريبى للدول، وأولها وأكثرها حضورا الولايات المتحدة الأمريكية ومشروعها للهيمنة على المنطقة عموما، وبالشراكة مع إسرائيل دائما.

-2-

«اللبننة»، أى تغليب الطوائف والمذاهب والعناصر على وحدة الشعب الواحد، وتفتيته بإعادته إلى عناصره الأولى، بما يلغى الرابطة الوطنية والارتباط الثابت بالأرض.. ومتى تقطعت هذه الروابط لم يعد «الخارج» دخيلا، بل سوف يتحول إلى مصدر حماية أو منبع ضمانة. سيصير الأجنبى أقرب وأكثر إخلاصا من الأخ الشقيق الذى سيصور طامعا أو هداما أو مخربا.

«اللبننة» دعوة عنصرية تلغى ــ بداية ــ الوطن، ثم الشعب، وتساوى بين الأخ الشقيق والعدو (إسرائيل خصوصا والأجنبى الطامع عموما).

و«اللبننة» يجرى تعميمها حاليا فى مختلف الأقطار العربية وأن تم تمويهها بشعار «لبنان أولا»، الذى يصير مع السوريين «سوريا أولا»، ومع الأردنيين «الأردن أولا»، ومع المصريين «مصر أولا»، ومع التوانسة «تونس أولا»، ومع الجزائريين «الجزائر أولا». فيغدو ما كان يسمى «الوطن العربى» برزخا من الجزر المتخاصمة، المتقاطعة، تجتاحها رياح الكيانية التى تتخذ من العرق أو الدين أو الطائفة ملاذا لها ومبررا للانفصال عمن كانوا أهلا وشركاء مصير.. بل إنها فى الغالب الأعم تصير المدخل إلى حروب أهلية مفتوحة، تستعيد تقاليد القبائل والعشائر.. أقله فى المشرق العربى، والقبائل والعشائر لاغية للدول جلابة للاحتلال الأجنبى مباشرا، بالقواعد، أو شاملا بالهيمنة على القرار والمصير.

وها أن العديد من الشعوب العربية يعيشها حاليا، أو هو يقترب من حافتها الخطرة، وإن تبدلت تسمياتها، فتصير «اللبننة» «عرقنة» فى العراق، و«صوملة» فى الصومال، و«مصرنة» فى مصر، و«سودنة» فى السودان، و«عربنة» فى اليمن السعيد..الخ.

فأهل النظام العربى مهتمون بسلطتهم أكثر من اهتمامهم بسلامة بلادهم ورسوخ الدولة فيها. كل منهم هو الدولة، فإن تهددت سلطته فلتذهب وحدة الوطن إلى الجحيم. إنه هو الوطن وهو الشعب وهو الدولة، وكل من عداه باطل.. الملك هو الدولة، والأمير هو الدولة، والرئيس فى النظام «الحزبى» أو «البرلمانى» هو الدولة، والحزب أداة زينة والبرلمان ديكور.

-3-

ولقد اعتنى أهل النظام العربى ــ وكل فى دولته ــ بتصفية خصومه أو ورثته المحتملين، سواء أكانوا أحزابا أم مؤسسات عريقة تشكل ضمانة للدولة، غير عابئ بأن النتيجة الحتمية لمثل هذا التصرف أن يصير ديكتاتورا ينظر إلى أى حراك شعبى كمؤامرة عليه وعلى حقه الإلهي فى السلطة، وأن يُسقط الحواجز أمام التدخل الأجنبى الذى يرى فيه حماية لنظامه وسلطته، ولو على حساب الدولة ــ جمهورية أم ملكية ــ وشعبها ووحدته التاريخية.

حتى مصر ذات الكيان الراسخ، تاريخيا، وشعبها الواحد والذى ظل واحدا على امتداد العصور، امتدت إليها المحاولات الهادفة إلى تهديد وحدتها، تارة بذريعة أن الأقباط هم أصل مصر وأن المسلمين فيها وافدون من خارجها، أو بالادعاء أن أهل النوبة شعب آخر له الحق فى «الاستقلال» بقوميته.. وأخيرا، وليس آخرا أن غزة الفلسطينية كانت تحت غدارة ضابط مصرى باتت خطرا واهما يهدد مصر دولة وشعبا ومصيرا.

لم يتوقف هؤلاء الدعاة المشبوهون فى وطنيتهم أمام حقيقة أن الكيان راسخ بقوة وحدة الشعب ووحدة الأرض، فضلا عن وحدة التاريخ والمصير.. وأن شعار «مصر أولا» لا يصلح سبيلا إلى التقسيم وأن أمكن استخدامه لفصل دائم لمصر عن محيطها العربى.

أما فى العراق تحت الاحتلال الأمريكى، فقد كان اللعب على الطوائف أسهل، باستغلال الذكريات المرعبة عن الحكم الوحشى لصدام حسين ونظامه الذى أدخل البلاد فى مسلسل من الحروب ذهبت بوحدة الشعب، ثم بالدولة جميعا.
وهكذا وجد من يروج لفيدرالية الطوائف والعناصر بحيث يصير العراق ثلاث دويلات: شيعية فى الوسط والجنوب، وسنية فى الشرق، وكردية فى الشمال، مع احتمال إنشاء كيانات بل محميات للتركمان والمسيحيين فى مواطنهم التاريخية التى لم يغادروها أبدا.

ومن الطرائف المبكية التى تشهدها الحياة السياسية تحت الاحتلال الأمريكى فى العراق، أن يتهم العاملون لتقسيم العراق، ولو بالفيدرالية، الإدارة الأمريكية بأنها تناصر المتحدرين من حزب البعث الذى كان ستارا لحكم صدام حسين، للعودة إلى الحياة السياسية والمشاركة فى السلطة، لتبرير اندفاعهم على طريق تفتيت الدولة الواحدة بفيدراليات الطوائف والعناصر.

***

إن أهل النظام العربى متواطئون عن وعى، أو أنهم يندفعون وقد أعماهم وهج السلطة عن خطورة ما يدبر لبلادهم، برغم حضور «المثل الفلسطينى»، كقضية لشعب من شعوبهم كان دعمها شرطا لاستقرار دولهم وحمايتها وتأمينها ضد مخاطر التوسع الإسرائيلى المعزز بالهيمنة الأمريكية، فتخلوا عنها، بل وباعوها، بذريعة تأمين أنظمتهم، فلم يفعلوا إلا تهديد سلامة أوطانهم ووحدة أهلها.

***

إن كل قطر عربى يعيش حالة من القلق البالغ على دولته المهددة فى وجودها بعد إضعاف شعبها بتمزيق وحدته.
وكل شعب عربى يائس من نظامه وخائف على دولته ينتظر مخلصا ما، خصوصا وقد تم تمزيق المؤسسات السياسية الجامعة أو تفريغها من أى مضمون لتكون مصدر تشريع لما يقرره الملك، الذى هو الدولة وهو الشعب وهو الماضى والحاضر والمستقبل.

وبغض النظر عن الظروف التى رافقت عودة الدكتور محمد البرادعى إلى مصر، والملابسات التى أحاطت بهذه العودة، وحجم الآمال أو التمنيات التى علقت على شخصه ودوره المستقبلى.

وبعيدا عن المقارنة بين مصر وأى من الدول العربية الأخرى.

فان كل بلد أو شعب عربى ينتظر «البرادعى» الخاص به، معلقا على مجيئه احتمالات خروجه أو إخراجه من المأزق الوطنى الذى يعيش فى إساره.

إن الشعوب تحب أوطانها، لكنها ليست مستعدة لأن تصدق أن الوطن بنظامه الذى سرعان ما يصير رجلا واحدا يحيط نفسه بمجموعة من المعاونين.


إن مجمل الأوطان العربية فى خطر، بوحدة شعوبها كما بكياناتها السياسية جميعا. وتجربة «اللبننة» واضحة بنتائجها المأساوية فى بلد المنشأ.  

طلال سلمان كاتب صحفي عربي بارز، مؤسس ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، كما أنه عضو في مجلس نقابة الصحافة اللبنانية - المدونة: www.talalsalman.com
التعليقات