انتفاضة الكناسين - عماد الغزالي - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 7:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انتفاضة الكناسين

نشر فى : الإثنين 23 أغسطس 2010 - 10:16 ص | آخر تحديث : الإثنين 23 أغسطس 2010 - 10:16 ص
لعلك لاحظت مثلى هذه الزيادة المريعة فى أعداد الكناسين، والتى لو صحت لصارت شوارع القاهرة مرايات من البللور، ولصرنا أنظف شعوب الأرض، وهى ظاهرة ترتبط بتناقضين لافتين: أولهما أن الشوارع صارت أكثر قذارة، وأن أكوام القمامة ارتفعت حتى كادت تحجب الرؤية عن سكان الأدوار العليا، وثانيهما أن هذه الجحافل من الكناسين ينتشرون على طرق السيارات السريعة وفوق الكبارى، وهى مواقع لا تحتاج أصلا إلى جهودهم، ولعلك لاحظت ثانيا، أن سحنهم لا تشابه ما اعتدناه من أبناء هذه الطائفة، وأنهم لا يكنسون شيئا ولا يبرحون مواقعهم، فقط يتابعون العابرين بنظرات تشع توسلا ورجاء، فإذا أوقفتك إشارة المرور بالقرب من أحدهم، كست وجهه ملامح بؤس عاتية، وبرقت عيناه بقطرات من الدمع توشك أن تنزلق لولا بقية من حياء، قبل أن يقول لك فجأة بصوت خفيض حنون: كل سنة وانت طيب يا باشا، ربنا يعيد عليك الأيام بخير.

أصابتنى هذه الزيادة فى أعداد عمال النظافة بالحيرة، وحيرنى أكثر سلوكهم الذى لا يجد من رؤسائهم من يردعه، فهم فى النهاية موظفون، فى الحكومة أو فى القطاع الخاص، حتى «فطمنى» مصدر موثوق به جدا على الدور كله، بعد أن مصمص شفتيه اندهاشا من سذاجتى، فهؤلاء ــ كما قال لى ــ مواطنون عاديون، يشترون زى عمال النظافة ــ والمقطف والمقشة من الوكالة، ويختارون مواقعهم بعناية حيث يمكنهم التقاط الزبائن، وكثيرون منهم يعملون فى وظائف حكومية، لكنهم اكتشفوا بالتجربة أن ما يحصلونه من عملهم كمتسولين فى هيئة كناسين فى يوم واحد، يساوى راتب شهر فى الوظيفة وقد يزيد.

وقد لاحظت مؤخرا أنهم يتحركون فى جماعات أو اثنين اثنين، وقد يبرزون لك فجأة وكأنهم يطلعون من تحت الأرض، مرددين جملتهم الخالدة: كل سنة وانت طيب يا باشا.

أعرف أن انتحال صفة ضابط أو ارتداء شخص مدنى للزى العسكرى يوقع صاحبه تحت طائلة القانون، ولا أعرف إن كان ذلك ينطبق على من ينتحل صفة كناس أم لا، لكنى أعرف أن الكناس يمارس عملا شريفا ومهما، أما المتسول فى زى كناس، فهو متنطع ينتحل صفة ليست له، ويسىء إلى مواطنين شرفاء يعملون بكد لتأمين عيشهم، ويحصل على صدقة بالخداع، وقد يكون هناك من هو أولى بها، لولا أن كبرياءه يمنعه من التسول.
أما أكثر ما يزعجنى، فهو أن صار إراقة ماء الوجه عملا لا يخجل صاحبه من امتهانه، وقد كان فيما مضى سبة دونها الموت.
عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات