مواقف النفّرى - عماد الغزالي - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 5:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مواقف النفّرى

نشر فى : الإثنين 23 يوليه 2012 - 9:45 ص | آخر تحديث : الإثنين 23 يوليه 2012 - 9:45 ص

رمضان كريم، فما رأيكم لو توقفنا خلاله عن حديث السياسة، واسترحنا مؤقتا من تأسيسية الدستور والبرلمان والأحزاب والإخوان والمنصة والتحرير، وتحدثنا عما له علاقة بهذا الشهر الكريم، عن بعض من أحب من المتصوفة والزهّاد، لعلكم تشاركوننى محبتهم، وأبدأ بصاحب «المواقف والمخاطبات»، أبوعبدالله محمد بن عبدالله النفّرى، معتمدا على ما جاء فى كتاب «شرح مواقف النفرى» للدكتور جمال المرزوقى أستاذ الفلسفة الإسلامية فى جامعة عين شمس.

 

ولد النفّرى فى الكوفة، وارتحل إلى مصر وعاش فيها حتى توفى فى منتصف القرن الرابع الهجرى تقريبا، وتلخص «المواقف والمخاطبات» مذهبه الصوفى الداعى إلى الفناء فى التوحيد، وجميعها مما يتخيله النفّرى من حديث المولى عزوجل، والفارق بينهما أن المواقف تبدأ بـ«أوقفنى»، أما المخاطبات فتبدأ بكلام الله إلى عبده «النفّرى»، الذى يكون فى حالة فناء فى الله، وهى مختلفة عن حالة الحلول التى قال بها الحلاج، حلول اللاهوت فى الناسوت، أى حلول ذات الله فى الإنسان.

 

ولا يصل العبد إلى مرتبة الوقفة إلا بالخروج من أسر العالم المادى، بمجاهدة النفس، وهو حين يفعل فإنه ينتقل من مرحلة العابد إلى مرحلة «السالك»، وهى التى تسبق الوقفة مباشرة، وخلالها ينتقل السالك من دائرة العلم الذى يبحث فى الأمور المادية والجزئيات، إلى آفاق المعرفة التى تبحث فى الكليات، والله هو مطلب السالك، بالخروج من دوائر المعرفة والعلم إلى الغيب المطلق، ثم إلى الوقفة، ومع الوقفة تبدأ مرحلة الرؤية والمجالسة والصحبة فى حضرة الرحمن وأحبابه.

 

ومحظور على الواقف أن ينقل ما رأى وسمع فى اللحظات التى يتجلى له فيها الله، تقول إحدى المخاطبات: «يا عبدى لا إذن لك أن تصف كيف ترانى، ولا كيف تدخل إلى خزانتى، ولا كيف تأخذ خواتمى، ولا كيف تقتبس من الحرف حرفا بعزة جبروتى».

 

وتقدم السالك فى التجربة الصوفية ينقله كما قلنا إلى مرتبة الواقف، وعندها يسقط عنه التكليف، لأن التكليف مرتبط بالعمل، والواقف لا عمل له لأنه ليس من أهل الأرض ولا أهل السماء... «يا عبد إذا رأيتنى فلا أمر يطالبك ولا نهى يجاذبك».

 

لكن هذه حالة مؤقتة واستثنائية من الوجد والفناء، سرعان ما يعود بعدها العبد إلى سابق سيرته، ويكون ملزما بالتكاليف كسائر عباد الله.

 

وفى كل الأحوال، ينبغى أن يكون العمل لله وحده، فالعبد أجير من يعمل عنده وما يعمل لأجله.

 

تقول إحدى المخاطبات: إنما تأخذ أجرك ممن أصبحت له أجيرا، إن عملت من أجلى فذاك لى، وإن عملت من أجل غيرى فذاك لغيرى، إن كنت أجير العلم أعطاك الثواب العلم، وإن كنت أجير المعرفة أعطتك السكينة، كن أجيرى أرفعك فوق العلم، فترى أين يبلغ العلم وأين ترسخ المعرفة.

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات