كل سنة وانت طيبة - نجاد البرعي - بوابة الشروق
الخميس 16 مايو 2024 7:44 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كل سنة وانت طيبة

نشر فى : الإثنين 23 مارس 2015 - 10:10 ص | آخر تحديث : الإثنين 23 مارس 2015 - 10:10 ص

يعود الصغير من المدرسة بقلم جديد. ذهبت تسأل، اكتشفت أن الطفل «يسرق» الأقلام من حقائب زملائه. انتظرته فى المنزل حتى عاد، ضربته لأول وآخر مرة «علقة موت» وهى تردد بانفعال «إياك أن تمتد يدك إلى ما يملكه غيرك.. إياك أن تنظر إلى ما فى يد أحد حتى أخوتك». عاد الشاب إلى المنزل منكس الرأس، بعد أن ظهرت نتيجة امتحان نهاية العام. كان قد انتقل من السنة الأولى فى كلية الحقوق إلى السنة الثانية بتقدير «جيد»، ومن المفترض ان ينتقل اليوم إلى السنة الثالثة بالتقدير نفسه. بصوت حزين أبلغها «رسبت فى ثلاث مواد»، انهمرت دموعها وقالت له بصوت مملوء بخيبة الأمل «كده برضه»، فبكى.

عادت إليه ووقفت أمامه وقالت «قوم اغسل وشك وتعالى نفكر هتعمل إيه السنة الجاية، دى فرصة تتعلم لغة»!!. من يومها قطع عهدا بأنه «لن يُخزيها أبدا». نجح الشاب وحصل على ليسانس الحقوق بتقدير جيد، قالت له «مكانك فى النيابة مع خالك» قال «عايز أكون محامى»، فردت «طول عمرك وش شقا». رفضت ان يستكمل تدريبه فى مكتب أى محام سواها، «مش عايزاه يتبهدل». كانت واحدة من أول خمس فتيات تخرجن فى كلية الحقوق جامعة القاهرة ١٩٤١. افتتحت مكتبا للمحاماة عام ١٩٤٣. كسبت من المحاماة فوق ما كانت تحلم به أو يحلم به ابوها الذى كان يشغل وظيف إدارية فى محكمة القاهرة الابتدائية. ما ظنكم بمحامية صغيرة السن قوية الحجة تحفظ القرآن الكريم كاملا؟!.

فى مايو ١٩٦٢ صدر الميثاق الوطنى مؤكدا على المساواة بين الرجال والنساء. تقدمت تطالب بحقها فى ان تكون «قاضية». ساندها الاعلام فى تلك المعركة وافرد لها زميل دراستها «احمد بهاء الدين» غلاف مجلة «المصور». تصورت وقتها ان عبدالناصر قادر على ان يفعلها. أرسل إليها مع فتحى الشرقاوى وزير العدل بأنه «مهتم للغاية بما تطرحه، لكن الظرف غير مناسب «كانت تلك المعركة الأولى التى تخسرها. فى بداية التسعينيات بدأت معركتها مع «الزهايمر»، أجهز المرض اللعين عليها. كُنت قد أصبحت رجلا، ورغم ذلك كنت أجلس بجوارها كالطفل، كنت أتكلم معها وأنا أعلم انها لا تفهمنى بل ولا تسمعنى، كنت فقط أحب ترديد كلمة «ماما». عام ٢٠٠٠ ماتت أمى الأستاذة المحامية بالنقض «كريمة على حسين»، لم تكن فى حال يسمح لها ان تجيب عن سؤال يشغلنى «أراضية هى عنى؟ هل أخزيتها؟ ». عندما نلتقى قريبا هناك عند مليك مقتدر سأعرف منها الجواب، حتى ذلك الوقت، كل سنة وانت طيبة يا «ماما».

negad2@msn.com

التعليقات