لماذا يدعو التفاوت فى الدخول إلى القلق؟ - صحافة عالمية - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 12:07 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا يدعو التفاوت فى الدخول إلى القلق؟

نشر فى : الإثنين 23 ديسمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 23 ديسمبر 2013 - 8:00 ص

كتب بول كروجمان مقالًا بعنوان «لماذا يدعو التفاوت فى الدخول إلى القلق؟» نشر على موقع جريدة نيويورك تايمز، ناقش خلاله آثار تفاوت الدخول على الاقتصاد، وما إذا كان ذلك يستحق الأولوية فى أجندة العمل السياسى، أم أنه شىء لا يدعو للقلق، مدللًا على ذلك بخبرات الماضى والإحصاءات الضرورية فى هذا السياق.

بدأ كروجمان مقاله بنفى الاعتقاد السائد بأن ارتفاع مستوى التفاوت فى الدخول يمثل مصدر قلق جديدا. فقد عرض فيلم أوليفر ستون «وول ستريت»، الذى يصور صعود النخبة الثرية المصممة على أن الجشع أمر جيد، فى عام 1987. ولكن السياسيين الذين أرهبتهم صرخات «الحرب الطبقية»، أحجموا عن اعتبار الخروج من الفجوة المتزايدة بين الأغنياء وغيرهم، قضية رئيسية.

غير أن ذلك يمكن تغييره. ويمكن أن نتحدث حول أهمية فوز بيل دى بلاسيو فى انتخابات بلدية نيويورك أو تأييد إليزابيث وارن للتوسع فى الضمان الاجتماعى. لكننا لم نعرف حتى الآن ما إذا كان إعلان الرئيس أوباما أن عدم المساواة هو «التحدى الأساسى فى عصرنا» سوف يترجم إلى تغييرات فى السياسة، أم لا. ومع ذلك، فقد نجم عن النقاش رد فعل عنيف من النقاد بحجة أن عدم المساواة لا يمثل مشكلة كبيرة.

يستدرك كروجمان ويقول إنهم مخطئون!

حيث تعتبر حالة الركود الاقتصادى، أفضل حجة للتهوين من شأن عدم المساواة. ويتساءل الكاتب «أليس استعادة النمو الاقتصادى أكثر أهمية من الانشغال بكيفية توزيع مكاسب النمو؟»

•••

ويجيب عن ذلك بالنفى فيقول «غير صحيح». فأولا، حتى إذا كنت تبحث فقط عن التأثير المباشر لارتفاع عدم المساواة فى الطبقة المتوسطة الأمريكية، فهو فى الواقع مشكلة كبيرة جدا. والأكثر من ذلك، أن عدم المساواة ربما يكون قد لعب دورا مهما فى خلق الفوضى الاقتصادية التى نعانى منها، كما لعب دورًا حاسمًا فى فشل جهودنا لمعالجتها.

ويدلل على ذلك بالأرقام؛ ففى المتوسط، لا يزال الأمريكيون أكثر فقرًا كثيرا اليوم مما كانوا عليه قبل الأزمة الاقتصادية. وهذا الإفقار يعكس بالنسبة للأسر الأفقر التى تمثل 90 فى المائة من السكان، تقلص الكعكة الاقتصادية وانخفاض حصتها من الكعكة. فما الذى يهم أكثر من ذلك؟ الجواب المثير للدهشة، أن عدم المساواة، يشهد ارتفاعا بمعدلات سريعة، لدرجة أنه على مدى السنوات الست الماضية، كان يمثل عبئا كبيرا على دخل المواطن الأمريكى العادى مع ضعف الأداء الاقتصادى، رغم أن تلك السنوات شهدت أسوأ ركود اقتصادى منذ ثلاثينيات القرن الماضى.

وإذا نظرنا من منظور أبعد، سنجد أن ارتفاع عدم المساواة، يعتبر إلى حد بعيد العامل الأكثر أهمية وراء تراجع دخل الطبقة الوسطى.

والأكثر من ذلك، عندما تحاول فهم كل من الكساد العظيم والانتعاش الذى تلا ذلك ولم يكن بهذه العظمة، تبدو التأثيرات الاقتصادية، والأهم السياسية، للتفاوت، كبيرة.

ومن المفهوم الآن على نطاق واسع أن ارتفاع ديون المواطنين العاديين ساعد فى تمهيد الطريق لأزمتنا الاقتصادية؛ حيث تزامنت هذه الطفرة فى الديون مع ارتفاع مستوى التفاوت فى الدخول، وربما ارتبط العاملان ببعضهما البعض. وبعد اندلاع الأزمة، صار التحول المستمر للدخل بعيدا عن الطبقة الوسطى، نحو نخبة صغيرة، عبئا على الطلب على السلع الاستهلاكية، حتى إن عدم المساواة ارتبط بكل من الأزمة الاقتصادية وضعف الانتعاش الذى أعقبها.

بيد أننى أرى أن الدور الحاسم الحقيقى للتفاوت على الأزمة الاقتصادية كان سياسيا.

•••

يرجع الكاتب للسنوات التى سبقت الأزمة، حيث يرى أنه كان هناك إجماع ملحوظ من الحزبين فى واشنطن لصالح تخفيف القيود المالية ــ وهو إجماع لا يبرره النظرية ولا التاريخ. فعندما اندلعت الأزمة، كان هناك اندفاع لانقاذ البنوك. ولكن بمجرد القيام بذلك، ظهر إجماع جديد، يتضمن الإحجام عن خلق فرص العمل والتركيز على الخطر المزعوم الذى يمثله العجز فى الميزانية.

فما هو العامل المشترك بين الإجماع قبل وعقب الأزمة؟ كلاهما كان تأثيره الاقتصادى مدمرًا: فقد ساعد تخفيف القيود على اندلاع الأزمة، وبدوره أدى التقشف المالى السابق لأوانه إلى إعاقة الانتعاش. واتفق كل من الإجماعين مع مصالح وتحيزات النخبة الاقتصادية، التى ارتفع نفوذها السياسى جنبا إلى جنب مع زيادة ثروتها.

ويتضح هذا بوجه خاص إذا حاولنا أن نفهم لماذا كان لدى واشنطن، فى خضم أزمة مستمرة فى الوظائف، هاجس الحاجة المفترضة لتخفيض الضمان الاجتماعى والرعاية الصحية. ولم يكن لهذا الهاجس داع من الناحية الاقتصادية: فعندما يعانى الاقتصاد من الركود، مع انخفاض قياسى فى أسعار الفائدة، ينبغى أن يزيد الإنفاق الحكومى، لا أن ينخفض، وعندما تكون معدلات البطالة هائلة، لا يكون الوقت مناسبا للتركيز على المشكلات المالية المحتملة خلال عشرات السنين القادمة. كما لا يعكس الهجوم على هذه البرامج مطالب الجماهير.

غير أن استطلاعات رأى كبار الأثرياء، أظهرت أنهم، بعكس الجماهير العادية، يعتبرون عجز الموازنة قضية ملحة، ويفضلون فرض تخفيضات كبيرة فى برامج شبكات التأمينات. والأمر المؤكد، أن أولويات تلك النخبة هيمنت على خطابها وسياستها.

•••

ويختتم كروجمان مقاله باعتقاده أن رد الفعل العنيف ضد الحديث عن عدم المساواة، يرجع إلى رغبة بعض النقاد عدم تسييس خطابها الاقتصادى، وجعله تكنوقراطيا وغير حزبى. ولكن هذه مجرد أضغاث أحلام. ففى نهاية المطاف، يشكل الحديث عن الطبقية وعدم المساواة، النقاش حتى فى القضايا التى تبدو وكأنها تكنوقراطية بحتة.

لذلك كان الرئيس محقًا. ففى الواقع، يشكل عدم المساواة التحدى الرئيسى فى عصرنا. فهل سنفعل أى شىء لمواجهة هذا التحدى؟

التعليقات