صاحبة السعادة - عماد الغزالي - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 8:36 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صاحبة السعادة

نشر فى : الإثنين 22 سبتمبر 2014 - 7:35 ص | آخر تحديث : الإثنين 22 سبتمبر 2014 - 7:35 ص

منذ ثلاث سنوات تقريبا، تغمدنى الله برحمته، وعافانى من مشاهدة برامج التوك شو، بعد أن تسببت فى إصابتى بآلام حادة فى القولون، وكانت نصيحة الطبيب قبل العلاج والدواء، هى تجنب هذه البرامج، ومن يومها لم تعاودنى آلام المعدة، صار عقلى أكثر صفاء ونفسيتى أكثر هدوءا،صحيح أنها تطاردنى فى صحف اليوم التالى بعد أن صارت مادة ثابتة فى كل الجرائد تقريبا، لكن وقع الحرف المطبوع أهون شرا من هذه الوجوه العابسة، بعروقها النافرة وعيونها المحمرة وصياحها الزاعق، فضلا عن كم من الغرور والكذب والاستهبال لا يحتمل.

ولأسباب تجارية بحتة، صار مقدمو هذه البرامج ــ وبينهم إعلاميون محترمون لاريب ــ نجوما فاقت شهرتهم نجوم السينما، صاروا نجوم شباك بالمعنى الحرفى للكلمة، وكلما زاد صياحهم وابتذالهم وسوقيتهم زادت أجورهم، وكلما اشتعل الشجار بين ضيوفهم وتبادلوا السباب وفرش الملايات على الملأ، صارت برامجهم أكثر جذبا للإعلانات.

ولسبب لا أفهمه، صارت هذه النوعية من البرامج هى فقرة السهرة، صارت هى الوجبة التى ينام عليها المشاهدون، قبل أن تستقبلهم فى الصباح وجبة من العينة ذاتها فى عناوين الصحف، يعنى أرق فى الليل ونكد فى النهار، مع أن تليفزيونات العالم بحسب ما قال لى متابعوها، تحرص على أن تنهى برامج التوك شو مبكرا، لتكون السهرة مع مادة خفيفة، فيلم أو مسرحية أوبرنامج ترفيهى مثلا.

هذه المقدمة الطويلة ضرورية كى تعرف سبب فرحى بهذه الوجبة المثقفة المبهجة، التى تقدمها الإعلامية الكبيرة إسعاد يونس على شاشة سى بى سى مرتين كل أسبوع، تحت عنوان «صاحبة السعادة».

فريق إعداد نابه يعرف هوية برنامجه، يعيد الاعتبار بذكاء لإحدى الوظائف المهمة لمفهوم الثقافة: «التسلية»، وهى وظيفة اختطفها فقهاء الجهامة من الأدعياء المتقعرين فأوقعونا بين نارين: أيديولوجيا شعاراتية عديمة البصر والبصيرة، ودينولوجيا غارقة فى متون صفراء من زمن الجدب والسعى خلف الكلأ، والاثنان بالمناسبة، «حافظين مش فاهمين».

فى احدى الحلقات استضافت «صاحبة السعادة» اوكا وشحتة واورتيجا وزملاءهم من نجوم «اغنية المهرجانات» كما يطلقون على انفسهم، قدمتهم باعتبارهم «ظاهرة»، تعبير عن زمن وظروف ومزاج قطاع واسع من المصريين يعيشون بيننا ولا نعرف عنهم شيئا، زادتنا معرفة بهم، من أين جاءوا، كيف يفكرون، ما هى طموحاتهم، من يقف وراءهم، من جمهورهم.

ليس مهما أن تتذوق ما يقدمونه، وقد تستغربه وتستهجنه مثلى، لكن مهم جدا أن تفهم بواعثه.

فى حلقات أخرى قدمت نجوم فرق السبعينيات، الفور إم والمصريين وغيرهما، ونجوم الثمانينيات والتسعينيات فى التمثيل والموسيقى والطرب، والذين غيروا مفاهيم الفن فى زمنهم، لكنهم يقبعون الآن فى زوايا النسيان.

استعادت مع قاطنى شارع شامبليون ذكرياتهم عن البنايات والناس، عن يوسف شاهين ومؤسسته التى تخرج فيها مبدعون فى التمثيل والإخراج وكل ما يمت بصلة لصناعة السينما، دون أن تغفل مشاهير الشارع من بسطاء الناس، الذين يمنح وجودهم للمكان نكهته الخاصة، وهو ما تكرر فى حلقة بديعة عن شارع شبرا.

وفى حلقة أخيرة، قدمت مشاهير الطعام المصرى: بحة والمالكى والبغل والرفاعى، سيرا على النهج ذاته، وسعيا لاستعادة الذات المصرية التى توشك أن تتمزق.

فى «صاحبة السعادة» تشعر بالونس، يغمرك شعور أنك ضيف محتفى به.

تفعل إسعاد يونس ذلك كله ببساطة، بأداء سلس خالٍ من السأسأة والتأتأة وتقطيع الجمل، دون حفلطة وبحلقة فى السقف وانتشاء كاذب بالذات.

عدت أخيرا لأشاهد برنامجا دون أن يلتهب القولون.

شكرا صاحبة السعادة.

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات