عن حظوظ الشباب - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الإثنين 13 مايو 2024 10:39 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن حظوظ الشباب

نشر فى : الإثنين 22 يوليه 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 22 يوليه 2013 - 8:00 ص

منذ أثبت الشباب حضورهم فى ثورة 25 يناير، أثيرت علامات الاستفهام حول دورهم فى حاضر مصر ومستقبلها. ففى حين دأب السياسيون على الإشادة بجهدهم، فإن المنابر والكيانات التى صارت تنطق باسم جماعاتهم ما برحت تدعو إلى استمرار تفعيل دورهم، ليس فقط من خلال التظاهر بين الحين والآخر، ولكن أيضا بدعوتهم إلى المشاركة فى الفعل السياسى وإدارة الدولة. سواء من خلال دعوتهم إلى المشاركة فى كتابة الدستور أو من خلال تقديم مقترحاتهم بشأن مختلف قضايا الوطن، أو عبر إسناد حصة من الوظائف القيادية لهم، ومن الأفكار التى طرحت فى تشكيل الحكومة الأخيرة، ان يعين نائب وزير من الشباب فى كل وزارة، حتى يكتسبوا خبرة تؤهلهم لشغل مناصب الوزراء فى المستقبل.

هذه الخلفية إذا صحت فإنها تعنى أن ثمة التباسات تحتاج إلى ضبط وايضاح. من ذلك مثلا ان الشباب لم يكونوا وحدهم فى ثورة 25 يناير، ولكنهم كانوا الطليعة التى رفعت الراية حقا، إلا انهم ما كان لهم ان يحققوا ما حققوه بدون التفاف الشعب حولهم، وإذا كان صحيحا ان الشباب تقدموا الصفوف فإن الأصح ان الشعب كله عاد بقوة إلى قلب السياسة بعد انطلاق شرارة الثورة.. من ذلك أيضا ان ثورة 25 يناير ليس لها ان تجب ما سبقها، ذلك انها ثمرة جهود أجيال من المناضلين الذين غرسوا البذرة ورعوا الشجرة وسقوها بعرقهم وبدموعهم وبدمائهم طوال سنوات وعقود خلت. من تلك الالتباسات أيضا ان توزيع المناصب والغنائم انه ليس الاسلوب الوحيد للتعبير عن تقدير الشباب، بل قد يكون بابا لإفسادهم وتشويه استعدادهم للنمو. ذلك أن العمل العام ليس مغامرة يقوم عليها المرء ليرى بعد ذلك ما إذا كانت خبطته تصيب أم تخيب. وإنما هو مسئولية تتطلب تحصيلا وإعدادا وتراكما فى الخبرة، هذا على افتراض توافر القدرات الشخصية بطبيعة الحال. وإذ أسجل تقديرا وإعجابا بقدرات وإبداعات بعض الرموز الشبابية الذين ظهروا بعد الثورة، فإننى لا أستطيع ان أخفى دهشة من الجرأة التى تواتى آخرين منهم وهم يتحدثون فى أمور محلية ودولية مصيرية سمعوا بها منذ أشهر قليلة. وكانت معارفهم مقصورة على ما التقطته آذانهم من البرامج التليفزيونية أو ما وقعت عليه أعينهم من عناوين الصحف.

تحضرنى فى هذا الصدد خبرة ثورة ربيع فرنسا الشهيرة التى انطلقت فى فرنسا عام 1968، فى ظلها خرجت أكبر إضرابات فى تاريخ فرنسا، واعتبرها بعض الباحثين منعطفا مهما فى تاريخ الغرب والعالم. وهى الثورة التى خرجت داعية إلى تغيير الركود المخيم على التعليم الجامعى، وانتهت دعوة إلى تغيير المجتمع كله والثورة على كل ما هو متكلس وبالٍ فيه.

بعدما مرت العاصفة وأفاق المجتمع من الصدمة التى أحدثها الشباب الثائر، فإن أحدا لم يتحدث عن المكافآت والجوائز، وانما انخرط الناشطون الذين قادوها فى الفعاليات السياسية حيث اكتشفوا قدراتهم وراكموا خبراتهم، فمنهم من ذاب فى المجرى العام، ومنهم من برز بعد سنوات عدة واحتل مكانة فى الواجهات السياسية. اذكر منهم على سبيل المثال اثنين من زعمائهم كانا قد احتلت صورهما وتصريحاتهما الصفحات الأولى فى الصحف الفرنسية والعالمية هما كوهين بانديت ويوشكافيشر. والأول انخرط فى حزب الخضر هناك عام 1984، (أى بعد 16 عاما) وانتخب عضوا بالبرلمان الأوروبى بعد ذلك بعشر سنوات، وهو الآن الرئيس المناوب لمجموعة الخضر فى البرلمان الأوروبى، أما الثانى يوشكافيشر وهو من أصول ألمانية فقد أسس حزب الخضر فى فرانكفورت عام 1981 ثم صار وزيرا لخارجية ألمانيا فى الفترة بين عامى 1998 و2006. وقبل ان يصعد نجمه السياسى عمل سائق سيارة أجرة وموظفا فى إحدى المكتبات.

إن تقدير الشباب يكون بإزالة العقبات التى تحول دون استثمار طاقاتهم وإبداعاتهم ورعاية الموهوبين منهم وتوفير الأوعية المناسبة التى تستقطبهم وتنمى مداركهم لتكسبهم خبرات فى المعرفة وفى الحياة، علما بأن آليات الديمقراطية الحقيقية بما توفره من حيوية سياسية كفيلة بجذب أولئك الشبان وتأهيلهم وفتح أبواب المستقبل السياسى لمن يشاء منهم. ولا يستطيع أن اختم دون أن أحذر من التسرع فى الزج المبكر للشباب فى الواجهات السياسية قبل التثبت من قدراتهم، لأن الاختيار فى تلك المواقع ينبغى أن يعتمد على الكفاءة والقدرة بالدرجة الأولى، بغض النظر عن عمر صاحبها شابا، كان أم كهلا.

•• ملحوظة: فوجئت مؤخرا بأن البعض انتحل صفتى على فيس بوك وتويتر، ولأنه ليست لدى أية حسابات أو صفحات على مواقع التواصل الاجتماعى، فإننى أرجو أن يدرك الجميع أن مقالاتى التى تنشر باسمى وحدها التى تعبر عنى.

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.