الصراع بين الخيارين العسكرى والسلمى فى سوريا - إيهاب وهبة - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 3:59 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الصراع بين الخيارين العسكرى والسلمى فى سوريا

نشر فى : السبت 23 يونيو 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 23 يونيو 2012 - 8:00 ص

الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية يختلفان حول الكثير، ويتفقان على القليل. غير أنه، واستثناء من القاعدة السابقة، نجد أنهما على اتفاق الآن بالنسبة للأزمة السورية، أو فى الواقع معارضة أى تدخل عسكرى خارجى بشأنها. لكل منهما أسبابه ومبرراته لمعارضة هذا التدخل، إنما يبقى أن اتفاقهما هذا قد نجح حتى الآن فى تجنيب سوريا، وربما المنطقة، ويلات حرب شاملة أو مواجهة بين القوتين العظميين، لا تبقى ولا تذر.

 

أما أسباب أمريكا فى معارضة التدخل العسكرى الخارجى فى الأزمة السورية فقد عرضها هنرى كيسنجر فى مقال نشره فى صحيفة واشنطن بوست فى أول يونيو الجارى وحمل عنوانا مثيرا: «التدخل فى سوريا يحمل مخاطر الإخلال بالنظام الدولى».

 

يتساءل كيسنجر فى البداية عما إذا كانت الولايات المتحدة ستجد نفسها مضطرة إلى دعم أى انتفاضة شعبية ضد أى نظام غير ديمقراطى تطبيقا لمبدأ حق التدخل الإنسانى حتى ولو كان استمرار وجود هذا النظام أمرا ضروريا للحفاظ على النظام الدولى؟ وبالتالى يتساءل عما إذا كانت المملكة العربية السعودية ستبقى حليفة الولايات المتحدة ما بقيت فى منأى عن المظاهرات، وتنهار هذه العلاقة مع أول بادرة لاندلاع انتفاضة فيها؟

 

ويضيف كيسنجر أن الجميع يعلم أن إسقاط النظام ــ أى نظام ــ ليس نهاية للمطاف فى حد ذاته إنما يحتاج الأمر إلى جهود ضخمة لإعادة بناء الدولة وتأسيس النظام الجديد، فى غياب ذلك سنجد الخارطة الدولية وقد امتلأت ببقع سوداء هى الدول التى انهار فيها القانون والنظام. والأمثلة على ذلك كثيرة: فى اليمن، والصومال، وشمال مالى، وليبيا، وشمال غرب باكستان، وما يمكن أن يحدث فى سوريا.

 

والسؤال الملح الذى يطرحه وزير الخارجية الأمريكية الأسبق هو شكل النظام الجديد الذى سيحل محل النظام الذى أطيح به. ويعترف كيسنجر بأن كان للولايات المتحدة تجربة مريرة فى أفغانستان، عندما قامت بتسليح طالبان لمحاربة السوفييت، ثم ما لبثت أن شكلت طالبان خطرا محدقا على الولايات المتحدة.

 

ويخلص كيسنجر إلى القول بأن النظام الدولى كما نعرفه لن تقوم له قائمة إذا ما تم تقويض الحدود، وجرى الخلط بين النزاعات الدولية والحروب الأهلية.

 

أما موقف روسيا المعارض للتدخل فقد أوضحه وزير الخارجية الروسى لافروف يوم 10 يونيو الجارى بالقول بأن معارضة روسيا للتدخل ليس لأنها ترغب فى حماية نظام الأسد، إنما بسبب المخاطر الكامنة فى التعدد الطائفى فى سوريا، وأيضا لأن روسيا تعلم أن بعض من يطالب بالتدخل العسكرى إنما يبغى تدمير سوريا فى واقع الأمر. طبعا لم يفصح لافروف عن الحقيقة كلها، حيث لم يشر إلى المصالح الروسية الضخمة فى سوريا السياسية والاقتصادية والعسكرية والإستراتيجية. كما أن روسيا لا تستطيع التنبؤ بطبيعة النظام الذى سيحل محل نظام الأسد. والواقع أنه بالرغم من كل الضمانات التى قدمتها المعارضة السورية لروسيا حول عدم المساس بأية امتيازات أو تسهيلات تتمتع بها حاليا، فإن ذلك لم يقنع الروس بأى شكل من الأشكال. والأهم من ذلك أن روسيا وعت تماما درس ليبيا حين سمحت بصدور قرار من مجلس الأمن يستهدف حماية المدنيين فإذا بالناتو يخرج عن النص، ويقوم بشن العمليات العسكرية على ليبيا، إلى أن تم إسقاط النظام.

 

●●●

 

إنما يبدو أن بعض الأطراف الإقليمية من دول الجوار لهم موقف مختلف عن ذلك الذى تتخذه أمريكا وروسيا بالنسبة للتدخل العسكرى الخارجى. وربما يكون لهذه الأطراف الإقليمية كل العذر فى الأسلوب الذى تتبعه فى التعامل مع الأزمة، وهى ترقب الوضع المأساوى فى سوريا، وغياب أى رادع للنظام السورى يمنعه من ارتكاب المجازر والمذابح فى العديد من المدن والمناطق السورية. تشير التقارير إلى تدفق الدعم المالى والعسكرى على قوى المعارضة، كما تتزايد أعداد المقاتلين القادمين من الدول العربية للانخراط فى الجيش السورى الحر. وهناك تقارير عن وجود معسكرات للتدريب على الحدود التركية السورية. والأخطر من ذلك كله التقارير الإعلامية الغربية التى تتحدث عن نشاط متزايد لتنظيم القاعدة على الأراضى السورية.

 

لابد والحال كذلك أن تتساءل عما إذا كان تسليح المعارضة واتساع العمليات العسكرية نتيجة لذلك، يقربنا أم يبعدنا فى واقع الأمر عن هدف التوصل إلى حل للأزمة. تدعو خطة المبعوث المشترك أنان ومن قبلها الخطة التى تبنتها جامعة الدول العربية إلى الوقف الفورى للاقتتال تمهيدا لبدء جهود التوصل إلى حل سلمى للأزمة، فهل يخدم أسلوب الدعم العسكرى للمعارضة ما نسعى إليه جميعا من حقن للدماء وجمع كل الأطراف على كلمة سواء؟

 

ربما شكّل قرار بعثة المراقبين بسوريا فى 16 يونيو الجارى بتعليق نشاطها الرد على هذا التساؤل. فقد شرحت البعثة تفصيلا الأسباب التى دعتها لهذا الإجراء، وهى ارتفاع وتيرة العنف المسلح، وعدم وجود رغبة لدى الأطراف المتصارعة فى التوصل لحل سلمى، بل رغبة هذه الأطراف فى تحقيق أكبر قدر من المكاسب عن طريق العمليات العسكرية. ووصلت البعثة إلى قناعة أن تلك الظروف تحمل مخاطر جمة على سلامة المراقبين وتحول دون قيامهم بمهامهم.

 

●●●

 

وبالرغم من أن قرار بعثة المراقبين يشكل نكسة كبيرة لمهمة المبعوث المشترك، إلا أن ذلك لا يجب اعتباره بمثابة إخفاق كامل للجهود الرامية لإيجاد حل للمشكلة. بدأت فى التبلور فى الأيام الأخيرة ثلاثة مسارات لتستهدف التوصل إلى حل سلمى للأزمة. ليس ثمة تعارض بين المسارات الثلاثة، بل الواقع أن تكمل بعضها البعض:

 

المسار الأول، عبر عنه قرار مجلس الجامعة العربية الأخير والصادر فى 2 يونيو الجارى، والذى دعا مجلس الأمن الدولى لتحمل مسئولياته واتخاذ الإجراءات اللازمة لتطبيق خطة المبعوث الدولى والعربى المشترك. وللمرة الأولى تدعو الجامعة العربية إلى تطبيق هذه الخطة عبر اللجوء إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. غير أن الجامعة حرصت على التأكيد بأن المقصود بذلك هو اتخاذ التدابير التى لا تتطلب استخدام القوة المسلحة.

 

أما المسار الثانى فهو ما اقترحه المبعوث المشترك كوفى أنان يوم 7 يونيو من تشكيل مجموعة اتصال دولية تتكون من الدول الكبرى والأطراف التى يمكنها ممارسة نفوذها على الحكومة السورية من ناحية، وقوى المعارضة من ناحية أخرى، من أجل التوصل إلى خارطة طريق تضمن حث كل الأطراف على التوصل إلى حل سلمى للأزمة. وعبر أنان عن أمله فى أن تصبح إيران جزءا من الحل على أساس ما لها من أهمية فى المنطقة- والحديث يدور الآن حول عقد اجتماع لمجموعة الاتصال هذه يوم 30 يونيو الجارى فى جنيف.

 

أما المسار الثالث فقد اقترحته موسكو يوم 10 يونيو الجارى ويقضى بالدعوة لمؤتمر دولى، يعقد إما فى موسكو أو فى جنيف، على مستوى وزارى بحيث يضم وزراء خارجية الدول الكبرى بالإضافة إلى إيران والسعودية وقطر والعراق وتركيا ولبنان والأردن وممثلين عن الجامعة العربية والاتحاد الأوروبى ومنظمة التعاون الإسلامى.

 

من الواضح وجود قاسم مشترك بين أفكار أنان والمبادرة الروسية، خاصة فيما يتعلق بأهمية مشاركة إيران. غير أن مشاركة إيران فى الجهود الخاصة بسوريا تلقى معارضة شديدة من قبل الولايات المتحدة التى ترى فى إيران جزءا من المشكلة وليست جزءا من الحل. كما لا ينتظر أن تلقى الفكرة استحسانا من دول الخليج العربية، آخذا فى الاعتبار الاستفزازات الإيرانية المستمرة لهذه الدول سواء بالنسبة للجزر الإماراتية، أو اتهامها بتأجيج الأوضاع فى مملكة البحرين، أو بسبب نفوذها المتزايد فى العراق. ومع ذلك لا أعتقد أنه من الصواب أن نسمح بانهيار فكرة المؤتمر الدولى بسبب الخلاف حول المشاركة الإيرانية. فواقع الأمر أن السماح بمشاركة إيران فى مؤتمر خاص بسوريا لن يكسبها أرضية جديدة، لا فى سوريا، ولا فى مياه الخليج، ولا فى العراق. بل على العكس من المتصور أن تتم محاصرة إيران داخل مثل هذا المؤتمر الدولى وحملها على ممارسة سياسات تتسم بالمسئولية تجاه الأزمة السورية. والواقع أننى لا أجد فارقا كبيرا بين الضغوط التى تمارسها الدول الكبرى وألمانيا (5+1) على إيران بالنسبة لملفها النووى، وبين ما يمكن أن تمارسه هذه الدول عليها بالنسبة للملف السورى. جدير بالذكر أن كوفى أنان قد قام بزيارة إيران فى أبريل الماضى فى إطار جهوده لإيجاد حل للأزمة السورية. لم يعترض أحد على ذلك حينئذ، بل أعلنت إيران فى حينه عن دعمها لخطة المبعوث المشترك.

 

●●●

 

يتبين من استعراض المسارات الثلاثة السابقة التى ترفض الخيار العسكرى بالنسبة للأزمة السورية، أن أبواب التوصل إلى حل سلمى ليست موصدة تماما، بالرغم من الإخفاقات والنكسات التى تتعرض لها هذه المحاولات. غير أن نجاح هذه المساعى رهين بصدق النوايا وتضافر الجهود، والامتناع عن سكب الزيت على النار تحت ذرائع مختلفة.

 

وفى هذه الأثناء على شعب سوريا أن يستحضر باستمرار، فى صموده ومثابرته، القول المأثور للإمام الشافعى رحمة الله عليه:

 

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها...

                      فرجت وكنت أظنها لا تفرج

إيهاب وهبة مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأمريكية
التعليقات