فؤاد زكريا.. خسارة فادحة - عماد الغزالي - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 9:06 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فؤاد زكريا.. خسارة فادحة

نشر فى : الإثنين 22 مارس 2010 - 9:26 ص | آخر تحديث : الإثنين 22 مارس 2010 - 9:26 ص

 برحيل الدكتور فؤاد زكريا فقدت مصر واحدا من عقولها الكبيرة، فيلسوف ومفكر ومقاتل من طراز نادر، آمن بالعقل وقدراته، ودعا إلى التفكير العلمى فى مواجهة الخرافة والأساطير المؤسسة للبلادة والضلالة والخنوع.

رفع دعاة الإسلام السياسى شعار «الإسلام هو الحل» فرد عليهم بوضوح صارم «العلمانية هى الحل»، تحدث بعضهم عن الصحوة الإسلامية التى ستقتلع عروش أباطرة الغرب، وآثر هو أن يضعها «فى ميزان العقل»، امتدح كثيرون الحركة الإسلامية المعاصرة فرد عليهم كاشفا حقائقها وأوهامها.

وفى زمن علت فيه نبرة الهجوم على كل ما قبل يوليو 1952 وكأن تاريخ مصر كله بدأ منذ هذه اللحظة، قال هو إن مصر بلغت فى حكومة الوفد الأخيرة «ذروة التطور الديمقراطى الذى سارت فيه على مدى ثلاثة أرباع القرن (...) فقد بلغت الصحافة أعلى درجات الحرية، واستجابت الحكومة للضغط الشعبى فتم إلغاء معاهدة 1936، وبدأ الكفاح الشعبى ضد الإنجليز فى منطقة القناة، ووضعت أسس راسخة للعدالة الاجتماعية وديمقراطية الحكم، فطبقت المجانية فى المرحلتين الابتدائية والثانوية واتسع نطاق التعليم المجانى الجامعى إلى حد بعيد».

كانت كتاباته تطبيقا عمليا على استقلالية الفكر، والقدرة الفذة على التفكير الحر وكشف التناقضات المعروضة فى سوق الكتابة، مهما برع أصحابها فى تزيينها وتغليفها بالمترادفات الفارغة والكلمات الصداحة.

كان يؤمن بالديمقراطية إلى أبعد مدى، إيمان حقيقى لا تشوبه شائبة، ولذا فقد أدرك منذ البداية خدعة من تربوا فى أزمنة الاستبداد، الذين انتفضوا فجأة يدافعون عن حرية الإنسان وكرامة المواطن، وبراعتهم فى تزييف الحقائق والتلون مع كل عصر، مستندين إلى نعمة النسيان التى يتحلى بها المصريون ربما أكثر من كل شعوب الأرض.

وفى مناخ يسيطر عليه أصحاب الصوت العالى ومحترفو ثقافة التجريس والشماتة، مناخ غاضب يشجع على التعصب والرفض والصراخ، وتتحكم فيه الفضائيات ونجوم التوك شو، مناخ يجرى فيه الكتبة خلف ما يريده الناس لا ما يحتاجونه، فى مناخ كهذا، لم يكن هناك مكان لفؤاد زكريا وأفكاره، غير أننى أزعم أننا لن نتقدم خطوة واحدة دون مفكرين من هذا النوع، سواء اتفقنا معهم أو اختلفنا، فأمثال فؤاد زكريا لا يدعون أبدا ــ بعكس كثيرين من الفرسان الممتشقين سيوفا من خشب ــ أنهم يملكون حقائق مطلقة، بل يدعوننا إلى التفكير وإعمال العقل، حتى لو اختلفنا مع ما يقولون، فهم يبحثون عن أنداد أحرار، لا عن المريدين ومشعلى مواقد البخور. وأتصور أن أفضل ما نقدمه إلى الأجيال الجديدة هى دعوتهم لقراءة كتابه المهم «التفكير العلمى» ولعلها مناسبة أن أطلب من وزير التربية والتعليم تدريسه ضمن مناهجنا التعليمية، فكثيرون من بيننا، حتى من الحاصلين على الدكتوراه، لا يعرفون كيف يفكرون بطريقة علمية.

من أمل دنقل: «كل الأحبة يرتحلون، فترحل شيئا فشيئا عن العين ألفة هذا الوطن».

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات