إعادة تأهيل القرن الإفريقى - صحافة عربية - بوابة الشروق
الأربعاء 17 أبريل 2024 1:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إعادة تأهيل القرن الإفريقى

نشر فى : الجمعة 21 سبتمبر 2018 - 8:55 م | آخر تحديث : الجمعة 21 سبتمبر 2018 - 8:55 م

لطالما كانت منطقة القرن الإفريقى الأشد توترا، والأقل استقرارا، والأسوأ صراعا، والأكثر جذبا للتدخلات الخارجية بين جميع المناطق الأخرى فى القارة، تكالبت عليها الصراعات الداخلية من جهة، وتنافست الدول الأخرى من جهة أخرى، من خلال سعى الدول الكبرى لحماية مصالحها الاقتصادية فى المنطقة، حيث يمر بالبحر الأحمر نحو 3.3 مليون برميل نفط يوميا، ناهيك عن القواعد العسكرية التى تنشئها الدول الأخرى؛ لذلك ظلت الحروب والصراعات التى نشأت بين دول القرن الإفريقى ذات تأثير كبير، ليس على الدول نفسها فحسب، بل أيضا على أمن واستقرار المنطقة والعالم، ومع ذلك استمرت أزماتها عقودا طويلة على حالها دون قدرة أى دولة على حلحلة هذه الأزمات، حتى جاءت الأخبار السعيدة أخيرا عندما تمكنت السعودية من الوصول إلى اتفاقى سلام؛ الأول بين إثيوبيا وإريتريا أنهى صراعا داميا تواصل عقدين من الزمن، والآخر بين جيبوتى وإريتريا أنهى قطيعة استمرت عشر سنوات.
يمثل القرن الإفريقى منطقة استراتيجية، ليس لآسيا وإفريقيا فقط، بل للعالم بأسره؛ فهو يطل على مضيق باب المندب أحد أهم المضايق المائية فى العالم، ويمر فى جنوبه خط الاستواء، ويوجد به أهم موانئ المنطقة مثل ميناء كيسمايو وميناء جيبوتى، وتقدر مساحته بمليونى كيلومتر مربع، ويسكنه نحو 90 مليون نسمة. تاريخيا.. أغرى الانسحاب العربى من المنطقة دولا أخرى بأن تضع موطئ قدم لها، طمعا فى إعادة صياغة الخريطة السياسة والاقتصادية لمنطقة القرن الإفريقى، قبل أن تعمل الدبلوماسية السعودية بقيادة ولى العهد الأمير محمد بن سلمان، بشكل هادئ ومتواصل خلال السنوات الأربع الماضية لإعادة تأهيل القرن الإفريقى وإيجاد صيغة توافقية تحمل معها رؤية استراتيجية ذات منفعة جماعية تقتنع بها جميع الأطراف، وهنا لا يمكن إغفال أن «استقرار الدول» ودعمه وتثبيته سياسة سعودية بامتياز، مقابل سياسة «استقرار الفوضى» الذى تسعى إليها دول أخرى فى القرن الإفريقى، مثل قطر وإيران على وجه التحديد، وكانت نتائجه كارثية فى كل بقعة حلت فيها الدولتان.
سيناريوهات ثلاثة واجهتها منطقة القرن الإفريقى فى العشرين سنة الماضية؛ الأول مساعٍ قطرية إيرانية لتعزيز نفوذهما وتوسيعه فى المنطقة حتى ولو ساهم فى تأزيم الأوضاع وإطالة أمد الحروب، والثانى سياسة تأجيج الخلافات بين هذه الدول المتنافسة بسبب تضارب المصالح والأجندات لمصالح دول بعينها، أما السيناريو الثالث فهو أن تصل هذه الدول إلى قناعة بأن التعاون والتنسيق هو الخيار الأمثل لكل الأطراف حفاظا على مصالحها وعلى أمن المنطقة واستقرارها، وهو السيناريو الذى اختارته السعودية وعملت عليه ووجد ترحيبا كبيرا من الدول الثلاث، وكذلك باقى دول القرن الإفريقي؛ اقتناعا منها بأن الرياض مصلحتها تكمن فى تعزيز أمن المنطقة واستقرارها وتنميتها، وهو هدف مشروع لا يختلف عليه أحد، فعندما يعمّ السلام دول القرن الإفريقى يجعلها أرضا خصبة لاستثمارات تملأ فراغا تركته خلفها أجندة إيرانية (فى الحالة الإريترية) وقطرية (فى الحالة الإثيوبية).
من مارس 2015 إلى مارس 2016، وخلال عام واحد التقى الملك سلمان بن عبدالعزيز، أكثر من أربعة عشر زعيما إفريقيا، حملت زياراتهم توقيع اتفاقيات عدة لمشروعات مع دولهم، من الغابون إلى النيجر، ومن ثم موريتانيا ونيجيريا، ودول القرن الإفريقى إثيوبيا، وجيبوتى، وإريتريا، والصومال، ووصولا إلى السودان وجمهورية جزر القمر، وتلى ذلك استحداث الرياض منصب وزير دولة للشئون الإفريقية، وهى المرة الأولى التى يستحدث فيها هذا المنصب، فى إشارة التقطتها الدول الإفريقية إيجابا باهتمام دولة إقليمية كبرى مستقرة مثل السعودية للقارة السمراء؛ وهو ما انعكس على اتفاق تاريخى مثل الاتفاق بين إثيوبيا وإريتريا، وهو الذى عملت عليه الدبلوماسية السعودية بصمت حتى تم توقيع اتفاق جدة للسلام، وكذلك المصالحة بين جيبوتى وإريتريا.
إعادة تأهيل القرن الإفريقى لم ينجح لولا وضوح السياسة السعودية ومواقفها الثابتة والمعلنة التى ترتكز على دعم السلام والاستقرار الإقليمى والدولى مع عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى؛ فدول القرن الإفريقى جربت حظها مع سياسة «استقرار الفوضى» وكانت النتائج كارثية، وجاء الدور على أن الاستثمار فى استقرارها وتنميتها، وهو الرهان الذى لن يخسر معه أحد.

الشرق الأوسط ــ لندن
سلمان الدوسرى

التعليقات