عجائب السياسة السبع - صحافة عربية - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:12 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عجائب السياسة السبع

نشر فى : الأربعاء 20 يونيو 2018 - 10:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 20 يونيو 2018 - 10:10 م

كلما تجولنا وتتبعنا أخبار هذا العالم الذين نعيش فيه، وجدنا قصصا أغرب من الخيال، ومن بين أغرب القصص قصة الحاكم الأفريقى «سيفاس بنساه» الذى يعمل ميكانيكى سيارات وآلات زراعية فى ألمانيا، ويحكم قبائل «هو هو» فى غانا عبر تطبيقات وسائل الاتصال الحديثة كسكايب، فبعد أن ذهب إلى ألمانيا للدراسة قرر الاستقرار هناك إلى أن شاء القدر أن يصبح ملكا على قبيلته ويحكم أكثر من 300 ألف نسمة لكونه الوريث الشرعى للحكم بعد وفاة جده.

الغريب ليس فى أنه يحكم شعبه ويتواصل مع وزرائه وحاشيته عبر سكايب بقدر ما هو أغرب أن شعبه تقبل هذا الأمر بصدر رحب مما يدل أن لديهم عقلية مخالفة لما هو سائد بين شعوب العالم، التى من الصعب عليها تقبل مثل هذه الأمور فى أوطانهم، ومقارنة بدول كثيرة حول العالم يعد هذا الأمر نادر الحدوث بكل جوانبه، ففى حين تتصارع النخب والأحزاب السياسية للوصول إلى كرسى الرئاسة والانخراط بالعمل السياسى انخراطا كاملا متكاملا يختار «سيفاس» أن يكون بعيدا على بلده وكرسى الحكم الذى يشغله ليعمل ميكانيكيا فى ألمانيا.

للسياسة عجائب تفوق السبع بكثير؛ هناك فى أرقى مجتمعات العالم يحتدم الصراع على قصر الرئاسة، وفى أقل المجتمعات من حيث التعليم تقبل قبائل تكاد تكون بدائية أن تُحكم عن بعد، فقد سمعنا عن أمور كثيرة أصبحت تدار عن بعد بفضل التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة لكن مازال من الغريب جدا أن يتولى شخص قيادة دولة بكل أركانها ووزاراتها وشعبها عبر هذه التطبيقات المستحدثة، وهذا إن دل فيدل على أن هناك فى هذا العالم من لديه ثقافة التصالح حتى مع من يرأسه ويحكمه، ومن يحكمهم لديه أيضا ثقافة التصالح مع ذاته ومع شعبه فاختار أن يكون بعيدا يرعى مصالحهم ويعمل وسيطا ليجلب لهم مقومات حياة أفضل مما لديهم، وهذه أبهى صور الديمقراطية والتطور واستشراف المستقبل إن أردنا أن ننظر إليها من زوايا إيجابية كثيرة.

نشهد اليوم فى هذا العالم كما كبيرا من التدخلات الخارجية للدول، فدولة تُجند أبواقها لتعبث بمقدرات الشعوب وتقوض أمنهم، وأخرى ترى بأن لها الحق فى الاستيطان والتعدى على مقدرات بلاد غيرها، وأخريات كثر تمرر أجنداتها على حساب الأرواح البريئة، فى هذا العالم كراسى تعلو على جثث الأبرياء من تحتها، وتروى عروشها من بحور الدماء التى استباحتها لتبقى على رأس الهرم، فى هذا العالم من يُسيس أطهر رسالات السماء ليحولها لعقيدة قتل ودمار، وثقافة اختلاف مع الجميع من حوله، ويُحرف تفاسير كلام الله عز وجل ويسيسها من أجل دعم آرائه وتوجهاته العدائية.

فى هذا العالم دول ترعى وتمول الإرهاب وتغدر بالجار ووصل فيها الفساد إلى عقر الدار، وكل هذا من أجل كرسى الحكم وحلم يلوح بالأفق نحو استيطان أكبر قدر مستطاع من الأراضى والخيرات، وفى النهاية يبدد هذا كله فى دعم منظمات وأحزاب كل همها أن تعيث بالأرض فسادا، فى هذا العالم هناك من يقتل شعبه ويهجرهم خارج أراضيهم ويمارس فى حقهم أشد أنواع الإرهاب والترهيب ليبقى على كرسيه، وهذه ليست عجائب بقدر ما هى مصائب السياسة المليون، والتى وإن حاولنا تسليط الضوء عليها لاحتجنا لمجلدات وأطنان من الحبر تروى لنا فظاعة المشهد السياسى من شرقه إلى غربه.

لنا فى حكاية «سيفاس» والتى أعطيت الحق لنفسى بأن أعتبرها واحدة من عجائب السياسة السبعين، والسبعين لا تعنى هنا تحديدا للرقم بذاته وإنما ترميزا للكثرة، فرغم أن الحكاية بسيطة؛ إلا أن لبساطتها مدلولات كثيرة خصوصا عندما نقارنها بنماذج نرى بأنها أصل وأهل الديمقراطية العالمية، أو ببلدان نرى بأن شعوبها أرقى وأكثر شعوب العالم تحضرا وانفتاحا، ولكن قبائل الـ«هو هو» أثبتت أنها من أكثر شعوب العالم ديمقراطية ولديهم من الثقافة السياسية ما يحتاجه ثلاثة أرباع سكان العالم أجمع، فهؤلاء البسطاء لا يريدون من حاكمهم إلا أن يرعى شئونهم ومصالحهم، ويوفر لهم الحياة الكريمة، ويتركهم وشأنهم فى حرياتهم التى منحهم الله إياها، بل أكثر من ذلك فهم ملتزمون ببنود دستورهم وقوانينهم والتى تنص على عدم جواز تولى الحكم لمن يكتب بيده اليسرى، فتقبل والد سيفاس هذا الأمر وشقيقه الأكبر وتركز الحكم لسيفاس ولم يغيرا نص الدستور ليوافق أهواءهما.

فى هذا العالم الأحادى وأقصد أحادية الرأى والمنهج، علينا إعادة النظر بمفاهيم كثيرة قد نرى أن أساسها ووجهتها أرقى المنظمات والمنظومات العالمية، ولكن فى الحقيقة أن أبسط بقاع الأرض نجد فيها أبهى الصور وأرقاها، وكلما تجولنا أكثر كلما استفدنا أكثر، وكلما حللنا القصص واستنتجنا منها ما يلزمنا كلما وفرنا مسافة الوصول إلى الخبرات المطلوبة، وهذا على المستوى الشخصى أو السياسى، وكما قيل (يضع سره فى أضعف خلقه)، ولنا فى هذه القبائل البسيطة أسرار كثيرة قد لا تنسجم مع حجم التطور العالمى إلا أن التطور يكمن فى عقولها البسيطة التى تتقبل العيش بمن يحكمها عن بعد، ويرعى شئونها عبر الفضاء بصدر رحب.

البيان ــ الإمارات

التعليقات