انكشاف - عماد الغزالي - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 1:01 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انكشاف

نشر فى : الإثنين 20 يونيو 2011 - 8:19 ص | آخر تحديث : الإثنين 20 يونيو 2011 - 8:19 ص

 مازال المشهد ماثلا فى الذاكرة رغم مرور ثلاث سنوات...

كنت أشاهد فيلم «حين ميسرة» بأحد مولات مدينة نصر، والفيلم كما تعلمون يحكى عن سكان العشوائيات وأطفال الشوارع، وقد نبهنا المخرج خالد يوسف فى تترات البداية، إلى أنه لم يستطع نقل الحقيقة كاملة، لأن بشاعتها تتجاوز ما حمله شريط العرض.

انتهى الفيلم وأضيئت الأنوار...

سكون مطبق، رءوس جمهور القاعة منكّسة فى مشهد أشبه بالجنازة، لا أحد يكلم أحدا، هذا الجمهور الذى اعتاد الجدل عما أعجبه أو لم يعجبه فور إضاءة الأنوار، لزم الصمت تماما، لا أحد ينظر فى وجه رفيقه، الجميع يتعجل الهروب من هذا الضوء الساطع الذى بدا كاشفا ومفاجئا، بدا المتفرجون كما لو كانوا عرايا، يهرعون لستر عوراتهم.

فى الخارج، وكما هى العادة، تجمع الرفقاء، وشيئا فشيئا تفككت عقدة الألسنة، ما سمح لى بمتابعة التعليقات، وإن استلزم الأمر قدرا من التلصص، فقد كان شيئا ما كأنه الخجل، يحبس الأصوات، ويجعلها خفيضة إلى حد الهمس.

كانت هذه تقريبا حصيلة التعليقات: «معقول اللى بيحصل ده»، «لو اللى شفناه ده حقيقى تبقى كارثة»، «هو فيه ناس عايشة كده»، «دول قنبلة موقوتة ممكن تنفجر فى وشّنا فى أى وقت»، أمّال فين الحكومة الإلكترونية ومعدلات التنمية وهرش النافوخ اللى واكلين بيه دماغنا طول النهار»، «المشكلة إن دول مش مليون واللا تلاتة والا خمسة دول يطلعوا عشرين مليون».
كانت لحظة انكشاف عاتية، فأن تسمع عن القبح، أهون كثيرا من أن تراه.

عرف جمهور الفيلم، وأغلبهم من أبناء الطبقة الوسطى وربما الشريحة العليا منها، أن صنفا آخر من المصريين يعيش بينهم، أن عالما من البؤس على مقربة منهم، أغلبه من «الناس الغلابة» العائشين على دراعهم، يوم بيوم، محشورين فى جحور بائسة كالجرذان، محرومين من أبسط حقوق البشر.

ولأن هذا العالم يحكمه قانونه الخاص، فقد تحوّل إلى بؤر صديدية، تنزّ جريمة وعنفا وتطرفا.

هذا ما اكتشفه المتفرجون فجأة حين انتهى الفيلم وأضيئت أنوار الصالة.

شىء من هذا يحدث فى مصر الآن....

لحظة انكشاف مريعة تجلّى فيها الصالح والطالح، مدّعون ومتطرفون وبلطجية وأفّاقون ولاعبون بالثلاث ورقات، نصابون وكذّابون وانتهازيون من كل شكل ولون.

هذا قد يقلقنا بعض الوقت، لكنه سيجعلنا نعيد اكتشاف ذواتنا وتنظيف جروحنا أولا بأول.

بالأمس، شاهدت فيلما وثائقيا عن أحداث لوس أنجلوس التى عاشتها المدينة فى العقد الأخير من القرن الماضى، وأدهشنى هذا القدر من العنف والتدمير والقسوة، أدركت كم نحن شعب عظيم، راقٍ ومتحضّر، فما جرى عندهم فى ساعات من غياب الشرطة، يتجاوز بما لا يقاس ما شهدناه بعد أسابيع من الانفلات الأمنى.

المصريون يستحقون حياة أفضل، فقط أزيلوا الغبار عن جوهرهم الأصيل.

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات