الاستثمار الغائب - محمد مكى - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 12:39 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاستثمار الغائب

نشر فى : السبت 20 أبريل 2019 - 11:00 م | آخر تحديث : السبت 20 أبريل 2019 - 11:00 م

ما إن تسأل عن سبب غياب وتراجع الاستثمار، إلا وتأتيك الاجابة: لن يأتى إلا بوجود قضاء مستقل وصحافة حرة، ومعهما قوانين واضحة، وأسعار أراضٍ مناسبة، وتراخيص وتصاريح بدون رشاوى، مع توفير مواد الطاقة وأسعار صرف مرنة وهوية اقتصادية معروفة، ليس «سمك ـ لبن ـ تمر هندى»، وقبلها إرادة سياسية تعى أن غياب تلك العناصر بمثابة مساحيق التجميل التى لا تغير الواقع، وتضيف فقط للمظهر دون الجوهر.

فيخطئ من يعتقد أن المستثمرين الأجانب لا يهتمون بالحرية على جميع المستويات، وليست المتاحة فقط فى إعادة توزيع المكاسب، فالقيود التى تقف حائلا أمام خروج المال من البلد والتوسع فيه يشكل عامل إحباط وطاردا أساسيا للشركات الأجنبية وللمستثمرين، ومعها كذلك عدم القدرة للجوء إلى القضاء ووسائل الإعلام والمنابر المختلفة، فقد يفضل المستثمر الابتعاد وعدم دخول الاسواق التى لا يتوافر فيها مناخ للحرية وتداول للسلطة رغم الربحية التى قد تتحقق لكنها غير مضمونة، ويفضل عليها من فيها قضاء وحريات وصحافة يحتمى بها حال النزاع، فكم من مستثمر خسر أمواله بسب تغيير النظم السياسية وأمزجة العائلات الحاكمة.

كل ما سبق ذكره ليس بالأمر السهل تحقيقه، فكلها تحديات تتطلب قرارات صعبة على أى حكومة تريد أن تعمل بشفافية، ولكنها تؤخذ على مراحل تستغرق عدة سنوات لضمان خلق مناخ من الثقة فى صدق رغبة الحكومة فى النجاح. فهناك من يستثمر فى دول شديدة الاضطراب ومفروض عليها عقوبات دولية ويحتمى بأجهزة سيادية، لكنه استثمار لا يستفيد منه سوى حفنة قليلة، ناهيك على نسبة مخاطر مرتفعة جدا وهو الشاذ فى الاستثمار ومفهومه الواسع، لكن الاستثمار الحقيقى هو المحمى بقواعد وقوانين فى مجتمع سليم الجسد سياسيا.

نحتاج نحن فى مصر المقومات السابقة الجاذبة للاستثمار الذى يخلق فرص عمل حقيقية، ويضيف إلى الاقتصاد وهو ما تعمل عليه كل الدول التى تريد حياة أفضل لأبنائها، وقد قمنا بإجراءات اصلاحية مالية صعبة، أفقدت النظام باعترافه جزءا كبيرا من شعبيته، لكنها لم تنعكس حتى الآن على الاستثمار المباشر، فهناك تراجع قارب المليار دولار فى النصف الأول من العام الحالى، وما زالنا فى مرتبة متأخرة فى تقرير ممارسة أنشطة الأعمال، الصادر عن البنك الدولى ونحتل المركز 120، ومن ضمن ما يؤثر على الترتيب تذليل الإجراءات الخاصة بالاستثمار، و حتى الآن لم نبرح التصريح الشهير «رغبة متزايدة للاستثمار بمصر».

الواقعية تقول إن التعافى فى الاستثمار المباشر يستغرق وقتا يتراوح بين 5 و10سنوات متواصلة من الإصلاح، مع دخول شركات جديدة وليس مجرد توسعات للشركات القائمة، على أن يتم التركيز على القطاعات ذات القيمة المضافة، والموجهة نحو القطاعات التى توفر فرص عمل كبيرة، وتمتلك مصر فيها مزايا مضافة، كما يجب أن نقوم بعمل تقسيم قطاعى للمحافظات، حيث تمتلك كل محافظة اقتصادا خاصا بها مع منتج ثقافى وسياحى وطبى وصناعى وزراعى وخدمى يكاد لا يكون إلا فى دول قليلة منها مصر، مع نشاط ملحوظ مؤخرا فى مجال النفط والتعدين، والتاريخ يقول إن العالم كان ينظر إلى مصر على أنها نمر قادم، لولا ما حدث من حروب وخيانات سياسية شلت وأفشلت المكانة التى كانت منتظرة، فالسياحة فقط قادرة على إحداث فارق فى الاقتصاد المصرى، والتى يأمل من يدير العملة الصعبة فى البلاد أن تضيف إلى النقد الاجنبى 20 مليار دولار، خلال الفترة المقبلة فى حالة استمرار التعافى.

نحن فى مرحلة تعديلات دستورية يجب إدراك أن المستثمرين يثقون فى الحكومة الحاسمة فى قراراتها والتى تتمتع بالشرعية الحقيقة، وكل ما يرتبط بهذه الحكومة من ثبات سياسى وإجماع اجتماعى وتوزيع جيد للدخل، وهى سمات مشتركة تساهم فى دعم الاستقرار الجاذب للاستثمار، لكنه يستلزم معه منح الناس الأمل عندما تفرض قرارات قاسية حتى تحفزهم وتشجعهم على التنفيذ.. كما يجب ألا تسرق منهم المستقبل؛ لأنه ليس ملكا لأحد.

التعليقات