الاحتلال الأجنبي يعود بطلب من النظام العربي: العرب يحاصرون العرب، وإسرائيل تسود - طلال سلمان - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 7:29 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاحتلال الأجنبي يعود بطلب من النظام العربي: العرب يحاصرون العرب، وإسرائيل تسود

نشر فى : الأربعاء 20 يناير 2010 - 10:57 ص | آخر تحديث : الأربعاء 20 يناير 2010 - 10:57 ص

 ملفتة هى التصريحات العلنية لبعض كبار المسئولين الأمريكيين والتى يؤكدون فيها أن واشنطن لا تنوى إرسال قوات عسكرية إلى اليمن، بل ستكتفى بتقديم الدعم، بأشكاله المختلفة، للنظام القائم فى صنعاء، بل إنها باشرتها فعلا، نقدا وعينا، طائرات من دون طيار، وأسلحة وذخائر، وطواقم مخابرات وخبراء فى حروب العصابات الخ..

أما السبب المعلن فهو أن الإدارة الأمريكية لا تريد أن تتورط فى عملية عسكرية كبرى، إذ تكفيها المصاعب والخسائر البشرية والنكسات السياسية والأعباء الاقتصادية التى تتكبدها نتيجة احتلال العراق والحرب باهظة الكلفة فى أفغانستان، إضافة إلى الأعباء الثقيلة لأساطيلها المنتشرة فى المحيطات والبحار، ولقواعدها العسكرية فى أربع رياح الأرض.

ليس سرا أن فى العديد من الدول العربية قواعد عسكرية ظاهرة أو مموهة للجيوش الأمريكية، بعضها بذريعة التدريب، وبعضها الآخر بتأمين طرق الإمداد، وبعضها الثالث تلبية لطلب أهل النظام العربى فى البلد المعنى...

فبعد غزو صدام حسين الكويت عام 1990، صار الوجود العسكرى الأمريكى، على شكل قواعد جوية، أو محطات رصد ومراقبة، أو تسهيلات للربط والتحكم، واقعا قائما على معظم الأرض والبحار العربية الممتدة بين المحيط والخليج!

لكأننا فى بدايات القرن العشرين: لم نفعل فى ظل «الدول المستقلة» التى ناضلت شعوبها للتحرر من الاستعمار ما يحمى هذا الاستقلال ودوله.. الاستعمار الغربى «ورث» السلطنة العثمانية، فمزق الأرض العربية أشلاء، بحيث عجزت «الدول»المستولدة قيصريا عن تحقيق طموحات أهلها، خصوصا بعدما وضع الاستقلال فى وجه مشاريع التوحد أو التكامل أو الترابط بالمصالح عبر مؤسسة رمزية مثل جامعة الدول العربية..

الفارق: أن أهل النظام العربى يستدعون الآن الحماية الأجنبية، ويبررونها ويعتبرونها ضمانة التحرر من أعباء الأخوة والمصير المشترك بعدما أنهكتنا، برغم أننا لم نجربها علميا، وعجزنا عن كلفة الاستقلال الحقيقى، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، والحق فى الحرية والسيادة والعزة التى طالما نظمنا فيها الأناشيد ذات الإيقاع الصاخب.

وبالتالى فليست مبالغة أن يقال أن «الوطن العربى»، بأقطاره جميعا، كبيرها والأصغر، يقبع تحت الاحتلال أو الحصار بالاحتلال، شعوبه ممنوعة من التواصل، و«دوله» قد استسلمت لأنواع من القطيعة، سواء منها المفروضة بقوة الأمر الواقع، كما حال العراق تحت الاحتلال الأمريكى، أو بتناقض المصالح بين أهل النظام العربى بين قطر وآخر، والذين لم يعودوا يتلاقون إلا فى واشنطن أو عبرها.

لقد تعرضت القضية الجامعة، فلسطين، إلى تذويب منهجى يكاد يذهب بقداستها، عبر الخلافات العربية–العربية، بالمزايدة أو بالمناقصة من حولها، كما بالتشققات التى ضربت منظمة التحرير عبر الخلافات المتفاقمة حول السلطة والموقف من الاحتلال الإسرائيلى، وهى تتغذى بصراع المصالح والخوف بين أهل النظام العربى، وكادت تصل إلى حدود الحرب لولا حواجز الفصل الإسرائيلية بين الأخ وأخيه فى كل من الضفة الغربية وغزة.

وهكذا فان فلسطين، المحتلة جميعا، تحت حصار عربى، بالخلافات التى لم توفر مقدسا ولم تستبق للقضية حصانتها، فى حين أن المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلى كانت تستنقذ القضية وكرامة شعبها والحد الأدنى من التضامن العربى، مع الوعى بأن»الحل» بعيد ومكلف جدا ولن يتوفر إلا عبر صراع إرادات مرير ساحته التوازنات الدولية وموقع العرب منها وقدرتهم على التأثير فيها.

كذلك فان جامعة الدول العربية قد تحولت، نتيجة الحصار المتبادل بين أعضائها والخلافات التى امتدت إلى التفاصيل السياسية اليومية، إلى حائط مبكى، والى مؤسسة مشلولة، ممنوعة من الفعل، لأن الفعل يفرض حدا أدنى من التوافق..وهذا متعذر فى المدى المنظور..ومصير القمة العربية التى يفترض أن تعقد أواخر شهر مارس المقبل فى طرابلس معلق، ولابد من جهود استثنائية لتوافق أهل النظام العربى على العودة إلى التلاقى فى خيمة العقيد معمر القذافى وجماهيريته الفريدة فى بابها.

بكلمة يمكن القول: إن الدول العربية جميعا تحت الحصار...وان الدول العربية جميعا تكاد تكون محتلة... فالإرادة هى التى تحرر الأرض، ومتى ارتهنت الإرادة بقيت الأرض فى اسر الاحتلال الأجنبى، إسرائيليا كان أو أمريكيا، أو مختلطا ومشتركا إلى حد التوحد.

إن مصر محاصرة بالفقر والخوف من المحيط والخوف من الفتنة، فضلا عن القيود التى فرضتها معاهدات الصلح مع إسرائيل، فحرمتها من دورها العربى القائد، وأنقصت حجم تأثيرها، وكادت تذهب بنفوذها المعنوى الذى لم تكن تدانيها فيه أية دولة عربية أخرى.

والسودان محاصر بتهديد الخوف من تمزق الدولة...ومن شر البلية أن يصور انفصال الجنوب عن الشمال، وربما فى وقت لاحق، الغرب عن الشرق، والكل عن الدولة المركزية، وكأنه اقصر الطرق إلى الديمقراطية.

ولبنان محاصر بقرارات دولية عدة(أولها1559 وآخرها1701) وقوات دولية جاءت لتأمين حدود الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين، بغض النظر عن التبريرات والذرائع التى أعطيت، عربيا ومحليا، لتمركز هذه القوات فى الأراضى اللبنانية، وهى المستهدفة بالعدوان والاحتلال والاجتياح الإسرائيلى منذ1968 وحتى اليوم...

أليس ملفتا ومريبا أن تأتى قوات الطوارئ الدولية لتتمركز، تحت علم الأمم المتحدة، فى الأراضى التى تتعرض للاجتياح الإسرائيلى، وليس على الجهة التى جاء جيش الغزو مرات ومرات(1972، 1978، 1982، 1993، 1996 ثم بعد التحرير فى العام2000 عاد ليفرض على لبنان الحرب فى يوليو2006)...

وفى تلك الحرب الإسرائيلية وقف النظام العربى «على الحياد»، أى انه عمليا ساند الحرب الإسرائيلية، بذريعة أن المقاومة قد اختطفت جنودا إسرائيليين داخل الأرض اللبنانية، وهى بالتالى «المعتدية» أو المتسببة فى تلك الحرب التى دمرت البنى التحتية فى معظم أرجاء لبنان، وسفكت دماء أكثر من ألف وخمسمائة امرأة وطفل ورجل، فضلا عن تهجير مليون مواطن من مدنهم وقراهم فى الجنوب والتى عادوا إليها-متلهفين- مع وقف الحرب صباح الثالث من أغسطس 2006، ليصمدوا فيها مجددا ودائما.

إن حدود لبنان مع فلسطين المحتلة هى خط نار، والطيران الحربى الإسرائيلى يغطى سماء لبنان يوميا، ويجول فى فيائها من أقصى الجنوب إلى الحدود مع سوريا،
أما الحدود مع سوريا فقد فرض القرار الدولى أن تخضع لرقابة دولية تكاد تحصى على المواطنين أنفاسهم، متجاهلة أنهم أقارب وذوو رحم على جانبى الحدود، وان تواصلهم شرط حياة لهم جميعا.

وحين نصل إلى العراق تحت الاحتلال الأمريكى نكتشف عددا من الوقائع ذات الدلالة: فحدوده مع الدول العربية(خصوصا سوريا والسعودية ملغمة ومصفحة بجدران إسمنتية أو ترابية موضوعة تحت رقابة قوات الاحتلال على مدار الساعة).

أما حدود العراق مع الأردن فمفتوحة لكل من لا يزعجه الاحتلال الأمريكى...وهكذا فان رجال المخابرات الإسرائيلية يسرحون ويمرحون فى ارض الرافدين بتسهيلات استثنائية، فى حين أن وجودهم فى منطقة الشمال الكردى يكاد يكون الأوسع والأعظم نفوذا، إن على المستوى الاقتصادى أو على المستوى المخابراتى.

إن أهل النظام العربى يحاصرون دولهم بالعداء مع الدول العربية الأخرى...والأغنى من بين هذه الدول تغلق حدودها على ذاتها، لا يصلها أى عربى من الفقراء إلا خلسة أو بواسطة أصحاب النفوذ. إن ليبيا مغلقة فى وجه المصريين والسودانيين والتوانسة، أما الأغنياء الوافدون من دول النفط لإقامة مشروعات استثمارية مشتركة فمرحب بهم، وقد انتهى عصر «طز طز فى أمريكا»..وانتهى التشنيع على الملوك وأمراء النفط والتشهير بتخليهم عن العروبة و»جماهير الفقراء»، وانخرط العقيد فى نادى أهل النظام العربى مع الحفاظ على ملابسه الفولكلورية الطريفة وأسلوبه الفريد فى الخطاب الثورى الذى لم يعد يخفى الصفقات المعقودة من أجل «التوريث».

لقد فرض الأغنياء من أهل النظام العربى الحصار على الفقراء العرب، دولا وشعوبا، وهربوا بثرواتهم الطائلة بعيدا عن فلسطين، وكذلك عن مصر، وعن سوريا كما عن اليمن، وحصنوا أوضاعهم بالحماية الأجنبية، مباشرة بالقواعد العسكرية، جوية وبحرية، كما بالاستعلاء على من كانوا إخوانهم أصحاب الفضل عليهم، إذ هم الذين أوفدوا إليهم البعثات التعليمية، كما جاء منهم من داوى المرضى، ومن بنى المدن، يوم لم يكن يجيء إلى تلك المدن المبعثرة فى الصحراء أى أجنبى.

إن هؤلاء الأغنياء يعيشون الآن فى محميات تقوم على حراستها الأساطيل ومصالح الدول الكبرى، وبينها إسرائيل...فبعض هؤلاء لا يتورعون عن المجاهرة «بأحقية» إسرائيل فى أن تمتلك السلاح النووى، ويرون فى مفاعل ديمونا مصدرا للحماية من...الخطر الإيرانى، متجاهلين أنهم سيكونون الضحية الأولى لأى حرب محتلمة فى المنطقة سواء أقدم عليها بعض المهووسين فى الإدارة الأمريكية، أم نفذها هؤلاء عبر إسرائيل تحاشيا لاعتراضات سيبديها، بالتأكيد، الكونجرس وعموم المواطنين الأمريكيين.

وها هى الأحداث الدموية فى اليمن تنذر هؤلاء الأغنياء من أهل النظام العربى بأن تخليهم عن موجبات التضامن لن يوفر لهم الأمان.. فالفقر كافر، وهو سيؤدى إلى الانفجار الشعبى وقد يسقط النظام ويفتح الباب لجهنم الحرب الأهلية فى تلك الدولة الجارة، التى أسهم شعبها من موقع «الأجير» فى بناء العديد من دول «إخوانه الأغنياء».

إن الحصار سيرتد على المحاصرين، وعلى الأشقاء الذين يعطون ثرواتهم واستقلال بلادهم للاحتلال الأجنبى ويرفضون مد يد العون لأشقائهم الذين سينتفضون قطعا وسوف يتسببون فى إسقاط الأنظمة المشاركة فى حصارهم وفى نقل النار إلى خارج حدودهم، كما حصل مع السعودية فى اليمن.

وبالتأكيد فان تفجير العراق بالفتنة، ولأسباب لا علاقة لها بالإسلام ومذاهبه، كان يستهدف التخلص من أقوى دولة عربية كانت قائمة ويمكن أن يعيد شعبها إقامتها، لان أغنياء النظام العربى يرون فيها الخطر على مصالحهم، وبينها الاحتلال الأمريكى للعراق الذى يرون فيه الضمانة، ولو كان الثمن حرية شعوبهم وهوية بلادهم.

إن الحصار مرشح أن يرتد على المتواطئين على فرضه على «إخوتهم الفقراء».

وتلبية موجبات الأخوة والمصير المشترك اقل كلفة بما لا يقاس من فرض الحصار على من لا يملكون ما يخسرونه فى الحرب الأهلية، بل إن أى تغيير قد يخفف من واقع الإذلال الذى يعيشون فى «ظلاله» الوارفة، وهى «ظلال» لا تفيد منها «القاعدة» فحسب، بل كل طامح إلى التغيير.

طلال سلمان كاتب صحفي عربي بارز، مؤسس ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، كما أنه عضو في مجلس نقابة الصحافة اللبنانية - المدونة: www.talalsalman.com
التعليقات