روسيا: أرض الحريات - قضايا تعليمية - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 10:47 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

روسيا: أرض الحريات

نشر فى : الثلاثاء 19 ديسمبر 2017 - 12:20 م | آخر تحديث : الثلاثاء 19 ديسمبر 2017 - 12:20 م

نشر الموقع الأمريكى The Chronicle of Higher Education والمتخصص فى القضايا التعليمية مقالا للكاتب لورى أيزج ــ أستاذ علم الاجتماع والنوع فى جامعة ميسورى بالولايات المتحدة الأمريكية ــ ويتناول قضية حرية التعبير والرأى فى كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية من خلال عرض لتجربته الشخصية كأستاذ جامعى عمل فى جامعات الولايات المتحدة وروسيا، ورأى أن حرية التعبير متاحة على نطاق أوسع فى القاعات الدراسية الروسية عنها فى الولايات المتحدة.

بدأ الكاتب حديثه بأنه انتشر خطاب فى فترة الحرب الباردة بخصوص روسيا، حيث إن الولايات المتحدة الأمريكية كونت لديها صورة عن روسيا، ألا وهى أن روسيا هى عبارة عن مجموعة القادة السياسيين وقادة الكنسية (أى لا صوت يعلو فوقهم)، ولكن على المستوى الرسمى كانت هناك نقاشات مقبولة. ويرى الكاتب باعتباره شخصا عاش وعمل ودرس فى كل من البلدين منذ عام 1948 فيستطيع القول إنها مجرد جزء من صورة أكثر تعقيدا بكثير.

فيذكر الكاتب أنه التقى أخيرا بأحد أساتذة الجامعة بروسيا والتى عملت أيضا فى الجامعات الأمريكية، وكانت لديها نفس شعور الكاتب فيما يتعلق بأن التدريس فى الجامعات الروسية أسهل بكثير من الجامعات الأمريكية فى هذه الآونة الأخيرة. ففى الجامعات الروسية هناك رقابة أقل على ما تحتويه المحاضرات من موضوعات، كما أن الطلاب والإدارة يستطيعون الحديث بحرية. مما لاشك فيه أن هذا الكلام مثل اندهاش لزملائه الأمريكيين وكذلك لزملائه الروسيين حيث إنهم لم يتصوروا أن هناك نوعا من الرقابة داخل القاعات الدراسية، لأنه ينظر إلى التعليم العالى باعتباره يتم فيه تبادل للأفكار وتناولها للموضوعات بشكل أكبر حرية.

ويؤكد الكاتب أنه ــ لكى يكون الأمر أكثر وضوحا ــ لا يمكن إنكار أن هناك رقابة داخل روسيا، ويمكننا الحديث عنها من خلال إصدار الحكومة الروسية للعديد من القوانين التى تقيد حرية التعبير والرأى، فمنها على سبيل المثال قانون يحظر الدعاية للمثلية الجنسية، وقانون ضد الإساءة إلى الأديان.

ويروى الكاتب قصة حدثت معه شخصيا تؤكد ما سبق فيقول: «لقد دعيت إلى مؤتمر أكاديمى فى موسكو للحديث عن بحثى الأخير والذى يتناول وجهات النظر الرسمية للحكومة الروسية حول المثلية الجنسية فى إطار الأجندة الوطنية». فمثل تلك الموضوعات هى بمثابة انتهاك للقانون الذى يحظر الحديث عن المثلية الجنسية، لذلك طلب من الكاتب الحديث عن موضوع بحثى آخر.

ومن الجدير بالذكر أنه فى أغسطس عام 2015 قام مجلس مدينة موسكو بإلغاء مهرجان الأفلام المعروف بأنه يقدم محتوى يتناول موضوعات عن المثلية الجنسية وموضوعات أخرى أكثر راديكالية وجدلية. وادعى المجلس أن سبب الإلغاء هو الظروف الاقتصادية الصعبة، إلا أنه حل محله مهرجان أكثر إيجابية حيث يتناول موضوعات تهم الشباب.

وعلاوة على ذلك، تفرض الحكومة الروسية الرقابة على الأعمال غير الرسمية والتى من شأنها أن تبث الكراهية وتعمل على تضييق الأفق وتقوم بأعمال تدميرية. ففى موسكو قام شخص روسى أرثوزكسى بتدمير معرض فنى بشكل همجى، والذى اعتبرته الحكومة بأنه إساءة إلى المشاعر الدينية. وفى حادثة أخرى حدثت فى أغسطس 2015 حيث قام رجلان بهدم أحد التماثيل المنحوتة فى كنيسة تحت الإنشاء والتى ترجع إلى القرون الوسطى وكان سبب قيامهم بهذا الفعل الإجرامى بأنها كانت مسيئة للأرثوذكسيين.

كما يؤكد الكاتب أن الجامعة الروسية التى كان يعمل بها تتميز بتبادل حر للأفكار بين المثقفين، واحترام الأقوال المأثورة من العصر السوفيتى. كما أن الكاتب يعرف الطلاب الروسيين فى مرحلتى البكاريورس والدراسات العليا الذين كانت حريتهم وحتى حياتهم تهدد بسبب نشرهم لموضوعات ذات طابع سخرى سياسى، وموضوعات أخرى تتعلق بالنظرية النسوية والأدب المثلى.

على الرغم من الرقابة القمعية للدولة، فالمتعلمين فعلوا مثل ما يفعلونه الآن حيث خلقوا نوعا من حرية التعبير والرأى فى الجامعات والإدارات وقاعات المحاضرات وعلى الصعيد السياسى والتجمعات فى المتنزهات والمقاهى، فلا يوجد أى شخص على الإطلاق من حقه أن يمنع شخص آخر من التعبير عن رأيه. فعندما أسىء إلى حرية التعبير والأخلاقيات نتج عنها نقاشات قوية؛ فروسيا جورباتشوف لم تكن روسيا فى عهد ستالين. ولم تتخذ أى إجراء ضد أى شخص لمجرد أنه يعبر عن رأيه.


•••

أما فى الولايات المتحدة الأمريكية، فهناك أيضا رقابة داخل الجامعات مما أدى إلى البحث عن أماكن أكثر أمانا. فحظرت حرية التعبير للطلاب وأساتذة الجامعات والإداريين كلا على حد سواء. فهذا لا يعنى أن مثل هذه الأنواع من الرقابة لا معنى لها، حيث ينشر عدم المساواة والعنف داخل الجامعات الأمريكية. وفى مقالها الذى صدر أخيرا، ناقشت سارة أحمد هذا الدافع من أجل السيطرة أو التحكم فى حرية التعبير فى محاولة لتشمل الأشخاص الذين تم استبعادهم فى النقاشات فقالت: «فرضت قيودا داخل القاعات الدراسية لتقييد حرية التعبير، ولقد وصفت تلك القيود على إنها جزئية وملائمة لقياس قدرة بعض الأشخاص على البقاء داخل الغرفة حيث إنه يتم مناقشة تلك القضايا الصعبة».

وعلق الكاتب على ما قالته سارة أحمد أنه يعترض على كل ذلك، ووفقا لتجربته الشخصية، فإن النقاشات الأكثر حرية تكون داخل قاعات المحاضرات فى الجامعات الروسية بشكل أكبر عن الجامعات الأمريكية، وذلك بسبب أن المناخ الفكرى الغربى الحالى يشجعنا على تجنب حرية التعبير بدلا من الانخراط فيها.

وهذا ينطوى أيضا على الآثار العنصرية والجنسية داخل الجامعات، فأساتذة الجامعة المتفرغون الذين هم أقل عرضة لتقييمات الطلاب، ويكونوا من ذوى البشرة البيضاء وذكور وذلك يختلف عن درجة أستاذ مساعد والتى تتطلب شروط أخرى، ومن المرجح أن أساتذة الجامعات من المجموعات المهمشة يحصلوا على انتقادات سلبية من الطلاب.

•••


يتابع الكاتب حديثه، بأنه داخل القاعات الدراسية الأمريكية طلب منه أن يضع قيود على معظم ما يتم مناقشته داخل المادة الدراسية التى يقوم بتدريسها، والتى تشمل موضوعات عن النوع والعرق والنشاط الجنسى وبالتالى فهى مليئة بالصور والنصوص وكان الكاتب يأمل أن يكون هناك نقاش حر مع الطلاب.

الفرق الجوهرى بين قاعات المحاضرات بالجامعات الأمريكية والروسية هى أنه فى روسيا يتمثل أعداء حرية الرأى والتعبير وأعداء الفكر الحر فى «الدولة والكنيسة». فكل المثقفين متفقين على هذا، أما فى الولايات المتحدة فالعدو داخلى، ومن ثم من الصعب تحديد موقعه. فيتسأل الكاتب «هل هو العدو لأنه لم يعترض على وضع القيود وعدم رفضه لجميع الاعتداءات الصغيرة أثناء محاضراته؟ أم هل الأعداء هم الطلاب والمجموعات المهمشة الذين يطالبون بمساحات أكثر حرية؟ أم ربما الإداريون الذين جعلوا من العمل الأكاديمى أكثر هشاشة وبالتالى أكثر عصبية؟.

فى الحقيقة، ما دامت العنصرية والمثلية رسخت فى ثقافاتنا، فالطلاب يستعرضون الخطاب العنصرى والمتحيز، وهذا أمر لا مفر منه، ولكن الاحتجاج يجب أن يكون حتميا، والاحتجاج لا يقيد حرية التعبير بل إنه وسيلة للتعبير، والدعوة للحوار خارج الإطار القمعى وبالتالى فهى جزء من الحوار.

وإذا ما كنت اختلف عن ما قيل بشكل خاص، أصبح التعليم العالى بعيد كل البعد عن الحرية مثل المجال العام فى روسيا والذى يوصف بأنه طريق مسدود فكريا وثقافيا. ولقد أصبحت الجامعات الروسية فقاعة لحرية التعبير داخل الدولة القمعية، بينما الجامعات الأمريكية أصبحت ذات فقاعات قمعية داخل الديمقراطية الفوضوية.

ختاما، إن حرية التعبير ليست أكثر الحريات فى روسيا، ولكن هناك فهم كلى وأكثر عمقا أن المعرفة تتطلب التنافس. فتستطيع العمل على تطهير جميع الخطابات الهجومية ولكن لا يمكنك إخفاء أى اختلافات فى الرأى. لقد فهم المثقفون الروس أن حرية التعبير هى واحدة من المعارك القليلة التى تستحق مواجهة واقتتال. وإذا تفهمت الجامعات الأمريكية ذلك فإنها ستقوم بالتمسك ونشر الخطابات ذات حرية واستبعاد الخطابات العنصرية والعرقية، وهذا ضرورى لاكتشاف حرية الأفراد وكل شخص يعبر عن رأيه بحرية.

إعداد: زينب حسنى عز الدين
النص الأصلى: (هــنــا)

التعليقات