ولاية ثالثة للرئيس الصينى.. بداية صعبة - جميل مطر - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 10:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ولاية ثالثة للرئيس الصينى.. بداية صعبة

نشر فى : الأربعاء 19 أكتوبر 2022 - 7:40 م | آخر تحديث : الأربعاء 19 أكتوبر 2022 - 7:40 م
منعقد حاليا فى بكين المؤتمر العشرون للحزب الشيوعى الصينى وسط اهتمام كبير. لهذا الاهتمام ما يبرره. لم أحضر للأسف أيا من المؤتمرات السابقة رغم أن حضور مؤتمرات الأحزاب كان من هواياتى المفضلة ويعود الفضل فى تنميتها إلى الفترات التى قضيتها فى مؤتمرات أحزاب من أنواع شتى فى إيطاليا وشيلى والأرجنتين لفهم أولويات السياسة الداخلية فى الدولة صاحبة الشأن. أتيح لى هذه المرة أن أتابع التحضير لهذا المؤتمر المنعقد حاليا فى بكين من خلال تقارير صادرة عن مواقع تعرفت عليها مؤخرا ووثقت فى صدقيتها. منحتنى أيضا التعويض الممكن، وإن غير كافٍ، عن تفاصيل حرمنى منها غيابى عن المؤتمر.
المبررات التى قدمها أو قرأتها لصحفيين ودبلوماسيين أحترم آراءهم فى الصين وفى الحزب وفى طبائع النخبة السياسية الصينية كثيرة ومتنوعة، أهمها من وجهة نظر الغالبية العظمى المبرر المتعلق بالسيد شى رئيس الدولة ورئيس الحزب من موقعه كرئيس اللجنة المركزية للحزب علما بأنه فى الصين موقع الشخص فى رئاسة الدولة أقل أهمية من موقعه فى الحزب، بينما العكس فى أمريكا حيث يظل موقع رئيس الدولة هو الأهم على الإطلاق. معروف أنه فى هذا المؤتمر العشرين سوف يناقش أعضاء المؤتمر وعددهم حوالى 2300 نائب ترشيح الرئيس شى رئيسا للجنة المركزية، أى رئيس للدولة لمدة ثالثة.
• • •
يبدو الأمر سهلا للكثيرين خارج الصين. نواب مختارون بعناية من جانب أعضاء مخضرمين فى الحزب ومؤهلون بحكم تجاربهم لتولى مسئولية مناقشة قضايا حيوية وموثوق بولائهم بحكم مواقعهم فى مراكز المسئولية البيروقراطية على مستوى الجمهورية ومستوى الإقليم ومستوى القرية. هؤلاء يمثلون بالفعل القاعدة الشعبية التى يعتمد عليها قادة الحزب وعلى رأسهم الرئيس شى. مع ذلك تبدو الأمور للمتحقق والمدقق فى شئون الصين على نحو آخر، تبدو، أو هى فى حقيقة الأمر، ليست سهلة ولا مأمونة تماما لاعتبارات أهمها، من وجهة نظرى، ما يلى:
أولا: أتحسس شخصيا بوادر ظاهرة ليست جديدة على الذهنية السياسية الصينية ولكنها لم تكن يوما بذات الدرجة من الحدة، ألا وهى الأهمية المعطاة لما أسميه سباق المكانة. نقل لى بعض من زاروا الصين مؤخرا والتقوا عشرات الباحثين وصناع الرأى حقيقة أن مسألة مكانة الصين فى المجتمع الدولى صارت بين أولويات اهتمام المواطن الصينى وجماعات التفكير والتخطيط. هؤلاء، أو أغلبهم توخيا لدقة النقل وأمانته، يؤكدون أن هناك خشية على مكانة الصين فى العالم، وبالتالى مكانة الرئيس شى شخصيا، تحت ضغط مصاعب شتى استجدت أو تفاقمت فى السنوات الأخيرة، يأتى فى صدارتها ما يلى:
(1) مسألة التعقيدات التى خلفتها سياسة عرفت بحملة كوفيد الصفرية. هى السياسة التى فرضها إغلاق المدن لفترات طويلة، ولم تحقق النصر الحاسم على هذا الوباء. يتصور كثير من المواطنين الصينيين أنهم يدفعون ثمنا باهظا فى الحرب ضد فيروس هذا الوباء. يذهب بعيدا أحد المراقبين للسلوك الصينى فى قضايا السياسة الخارجية إذ يعتقد أنه ربما تسربت إلى العقل الرسمى أن الصين قد تكون على الطريق الذى انتهت به إمبراطورية النمسا والمجر بعد الحرب العالمية الأولى عندما ضربتها الموجة الثالثة من موجات وباء الأنفلونزا الذى أطاح بملايين البشر.
(2) من نتائج وباء كوفيد وبالتحديد بسبب سياسة الإغلاق أو ما عرف بكوفيد الصفرية تباطؤ معدلات النمو الاقتصادى فى الصين. فقد انخفض المعدل إلى ثلاثة ونصف فى المائة بعد أن كان خمسة ونصف قبل هجمة الكوفيد. ومع هذا الانخفاض ستتأثر بدون شك مكانة الصين الدولية التى اعتمدت على النسبة العالية لنموها الاقتصادى لاكتساب شعبية ومكانة خاصة لدى شعوب الدول النامية واحتراما لدى الدول المتقدمة عندما احتلت ترتيب القطب الاقتصادى الثانى فى عالم الكبار.
ثانيا: من الصعوبات أيضا التى واجهها الحكم فى الصين فى الآونة الأخيرة التحديات التى تعمدت الولايات المتحدة تصعيدها بهدف إنهاك الصين وتعطيل مسيرتها الصاعدة نحو مراتب القمة الدولية. من هذه التحديات زيادة التعقيدات حول موضوع تايوان، هذه المقاطعة الصينية التى بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية والثورة الصينية وتمرد الكومنتانج خضعت لنفوذ الولايات المتحدة. من الصعوبات أيضا غزو روسيا لأوكرانيا، الغزو الذى أعطى الولايات المتحدة فرصة للتسريع بتنفيذ خطة تصعيد التوتر فى العالم لتهيئة الفرصة لعرقلة صعود روسيا والصين. واقع الأمر هو فى أن أمريكا استطاعت تعظيم فرص فرض العقوبات كسلاح شديد الفعالية ضد الدول المختلفة سياسيا مع أمريكا خاصة ودول الغرب عامة.
ثالثا: تنبهت الصين مؤخرا إلى أنها أخطأت حين اعتمدت فى تنفيذ انطلاقتها الكبرى نحو تعظيم قوتها الاقتصادى ورفع معدل النمو على الاستثمارات إلى حد أنها أهملت جانب الاستهلاك. كنا شهودا فى الآونة الأخيرة على فشل هذا النموذج بسبب تكلفته الباهظة وبخاصة فى قطاع اللامساواة الاجتماعى. كنا شهودا أيضا على التهديد الخطير الذى تسبب فيه الاعتماد شبه المطلق على الاستثمارات عندما تضخم قطاع العقارات، المولد الأكبر لمعدلات نمو اقتصادى مفتعلة باعتبارها نوع من الإنتاج غير المثمر فى حسابات السياسة والوقت القصير.
رابعا: أكد الخبراء المراقبون للنمو الاقتصادى للصين ومكانتها الخارجية على أن تراجع شعبية الصين فى الخارج، وإن تبدو الآن بسيطة فى جوهرها، تعود إلى فرضية نظرية اعتمدتها الصين وهى الاعتقاد بأن الدعاية المكثفة كفيلة وحدها لصنع قوة رخوة للصين. نعرف أن للقوة الرخوة مخصصات إن لم تتوفر فلا قيام لقوة رخوة، هذه المخصصات غير متوفرة فى الصين. فضلا عن بيئة مناسبة وتوقيت مناسب. وبالتالى يمكن القول إنه فى دولة ما قامت فيها ونجحت قوة رخوة فى فترة بعينها لن تنجح بالضرورة فى إعادة بعث هذه القوة فى مرحلة أخرى. يكفى لمنع تحديثها أو مجرد تكرارها أن البيئة الدولية التى نشأت ونضجت فيها فى مرة سابقة تغيرت، أو أن أمزجة الرأى العام الدولى اختلفت أو لمجرد أن الوقت غير مناسب لها. لا أظن أن الصين تستطيع المحافظة على شعبيتها فى دول معينة كالدول النامية أو تصنع مكانة لها فى دول غربية بعينها إذا لم تغير من فلسفتها عن الحقوق والحريات ودرجة الانفتاح.
• • •
خامسا: يحسب لصالح استحقاق الرئيس شى لولاية ثالثة أن الحزب الشيوعى الصينى كاد يفتقر إلى (الخالدين). الخالدون فى عرف وفلسفة الأحزاب السلطوية عموما هم المخضرمون فى أجهزة قيادة الحزب وفروعه فى المقاطعات. هؤلاء يملكون عادة مفاتيح قرار التجديد للرئيس أو رفض ترشيحه بداية. من حسن حظ الرئيس شى تضاؤل عدد هؤلاء فى مواقع القيادة التى سوف تتولى تنفيذ عملية التجديد. على كل حال فإن مجرد ترشيحه الذى يتم عادة من خلال فروع الحزب فى الريف والأقاليم وبين الأقليات يدل على أن له شعبية واسعة داخل الحزب. إلا أنه يجب أن نضع فى الاعتبار أن قرارات التغيير والإصلاح فى الحزب تصدر فى النهاية من الخالدين معتمدين على القاعدة الشعبية، وبطبيعة الحال يوجد بين الخالدين خصوم للرئيس مختلفون معه فى السياسة والإدارة. هؤلاء اختفى أغلبهم بالوفاة أو بالإبعاد عن مواقعهم القيادية فى الحزب خلال الإعداد لانعقاد هذا المؤتمر.
سادسا: تغيرت مكانة القوى الداخلية المؤثرة فى مسيرة الحزب الشيوعى الصينى. ففى وقت من الأوقات كانت القوى صانعة القرار فى الحزب هى الجيش والبيروقراطية. اليوم هى الصناعيون ورجال الأعمال من ناحية والبيروقراطية من ناحية أخرى وفئة الأكاديميين أو المثقفين عموما من ناحية ثالثة. هنا فى عهد الزعيم ماو كان يتعين على قيادة الحزب أن تجرى بين الحين والآخر ثورة تتحارب فيها القوى الثلاث وتقوم خلالها القيادة بالتخلص من الأفراد الفاسدين والمتطرفين ومن خصومها. وقد قام الرئيس ماو بتأليف نظريته عن ضرورة الثورة الدائمة فى الحفاظ على مسيرة النظام وأغلب الظن أن الخالدين، ومنهم الرئيس شى وقليلين، عاصروا مرحلة الرئيس ماو وبخاصة مرحلة الثورة الثقافية، ويعرفون كيف يمارسونها بدون إشعالها. المهم الإدراك الجيد من جانب القائد أو الرئيس لمعايير التمييز بين الخصم والحليف.
سابعا: يشعر النواب أعضاء المؤتمر أنهم فى حضرة رئيس يستعد لإعلان استحقاقه مكانة الزعيم وليس فقط رئيس الحزب أو حتى رئيس الدولة. أعتقد فى الوقت نفسه أن الرئيس شى أعد من الأفكار والمبادرات ما ينوى طرحه على المؤتمر يبرر فيه ويشرح أحقيته بمكانة كمكانة الرئيس ماو فى تاريخ الصين الحديث. لديه تجربة الحزام والطريق ولديه تجربة الحيطة الذكية فى السياسة الخارجية ولديه فوق هذا وذاك وثيقة تحمل عنوان «فكر الزعيم شى» تيمنا بالكتاب الأحمر المتضمن فكر الزعيم ماو.
وما يزال المؤتمر فى بدايته.

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي