قبل السقوط - عماد الغزالي - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 7:19 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قبل السقوط

نشر فى : الإثنين 19 أكتوبر 2009 - 9:52 ص | آخر تحديث : الإثنين 19 أكتوبر 2009 - 9:52 ص

 لو أثبتت التحقيقات أن نائب دشنا تعدى هو وأفراد من قبيلته على قسم الشرطة واقتحموه لإطلاق سراح ابن شقيقته المحتجز فيه رهن التحقيق، فإننا نكون مقبلين على مرحلة أبعد من انهيار الدولة وضياع هيبتها.

ليست هذه هى المرة الأولى التى تقتحم فيها جماعة مركزا للشرطة وتتعدى على رجال الأمن احتجاجا على تعذيب أحد ذويهم أو رفضا لاحتجاز من يظنون براءته، لكن الفعلة هذه المرة بطلها نائب فى المجلس الموقر، أى ممثل منتخب للسلطة التشريعية يفترض فيه أن يكون أكثر احتراما للقانون وامتثالا لهيبته من أى أحد آخر، لكن النائب المفتون فيما يبدو بعضويته فى الحزب الحاكم، وبحصانته البرلمانية، وبعزوته القبلية، لم يضع اعتبارا لهذا كله،

واستعظم أن يحتجز ابن شقيقته متهما فى قضية، فقرر أن يقوم بعملية اقتحام مسلح لتخليصه، مستعينا بما تيسر من السيوف والسنج والأسلحة البيضاء، وربما كان المقتحمون فى انتظار دعم «لوجيستى» من الطبنجات والأسلحة الآلية، فى حالة تصدت لهم قوة القسم.

لو لم يوقع عقاب رادع على المقتحمين وعلى النائب الموقر، فإن هذه الواقعة ستتكرر، وقد سبق وحذرنا مرارا من التعليق على أحكام القضاء الذى صار «لبانة» يلوكها كل متفوه فى الفضائيات ومتحدث عبر الأثير،

حتى أن المحاكمات القضائية صارت تنقل فى بعض الحالات على الهواء بالصوت والصورة، ومن باب الموضوعية والشفافية، وحرصا على نقل الأحداث بتفاصيلها، فإن مقدم البرنامج يسأل جميع الأطراف عن رأيهم فى وقائع المحاكمة، ويتبارى محامو الخصوم فى استعراض بلاغتهم وتوضيح وجهة نظرهم، وإثبات أن موكليهم أبرياء، وأن الحكم بغير ذلك فيه افتئات على الحقائق وإهدار للعدالة و«مجاملة» لا يرتضيها قضاؤنا الشامخ!

ومازلت أذكر مقدمة إحدى البرامج اليومية الشهيرة على إحدى الفضائيات وهى تسأل بثقة مفرطة أحد ضيوفها وكان من رجال القانون عن رأيه فى حكم قضائى صدر للتو، فلما أجابها القاضى الجليل بأنه لا يجوز التعليق على أحكام القضاء قالت له بنبرات الثقة ذاتها: إذا كانوا يقولون لنا أننا نعيش فى أجواء غير مسبوقة من الحرية والديمقراطية، فإن كل القضايا مطروحة للنقاش ومن حقنا أن نعقب على كل شىء وأن نبدى رأينا فى كل حدث! ياسلام!

هذه هى الدولة البديلة، تنمو وتترعرع فى غياب دولة العدالة والقانون، تقوم على أنقاضها، وتحكمها الفوضى والعشوائية.

يحزننى جدا أن يتعذب مواطن برىء فى قسم شرطة، ويحزننى أكثر أن يضرب مواطن عسكرى مرور سجل له مخالفة لأنه تجاوز الإشارة أو ركن سيارته فى المكان الخطأ.

يؤلمنى أن يسجن شخص فى جريمة لم يرتكبها، لكن ألمى يصبح أشد حين يهان رجل قضاء بسبب حكم أصدره.

يغضبنى أن يتحول أستاذ جامعة إلى سمسار دروس خصوصية ومقاول جثث تلامذة، لكن غضبى يبلغ مداه حين تمتهن كرامة الأستاذ داخل حرم الجامعة.
فى الحالات الأولى نحن نتحدث عن تجاوزات حدثت وستستمر فى الحدوث ما حيينا، ومن واجبنا أن نتصدى لها بكل حزم لنوقفها أو على الأقل نحد من انتشارها، أما فى الحالة الثانية، فنحن نتحدث عن قيم وأصول ينهار المجتمع إذا انهارت.

أصول الدولة ليست أغطية من الذهب فى البنك المركزى، أصولها قيم تقوم عليها ويتصدع البناء إذا تداعت أو أصابها عوار.

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات