كيف نقرأ حادث نيوزيلندا؟ - سامح فوزي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 12:10 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كيف نقرأ حادث نيوزيلندا؟

نشر فى : الثلاثاء 19 مارس 2019 - 11:50 م | آخر تحديث : الثلاثاء 19 مارس 2019 - 11:50 م

الحادث الإرهابي الذي حدث في نيوزيلندا بشع، حصد أرواحا بريئة ذهبت للصلاة، لم تفعل سوى صلاتها. ورغم بشاعته، واتساع نطاقه، ودراميته الممقوتة من جانب مرتكبه، إلا أن هناك أحداثا أخرى وقعت على نطاق أقل في دول عديدة تعبيرا عن الضيق بالمسلمين في الغرب، أو ما يطلق عليه الاسلاموفوبيا. علي الجانب الآخر الاعتداء علي مصلين بالقتل شاهدناه، وعرفناه، وتألمنا لأجله في أحداث مماثلة في كنيسة البطرسية بالقاهرة، والكنسية المرقسية بالإسكندرية، وكنيسة مار جرجس بطنطا، ومسجد الروضة بسيناء، ودير الأنبا صموئيل وغيرها. وهناك حوادث مماثلة حدثت في بقاع عديدة منها فرنسا وبلجيكا وبريطانيا، وبعض دول أسيا وأفريقيا والعالم العربي، تعود في الأساس إلى التطرف الديني الإٍسلامي.
أفهم أن يري قطاع عريض من المسلمين في حادث نيوزيلندا مناسبة مهمة لتذكير العالم بأن الإرهاب ليس مقرونا بالإسلام، وليس حكرا على المسلمين أو أنهم وحدهم الذين يمارسون العنف، بل هي ظاهرة عالمية، وهناك من يمارس الإرهاب تحت لافتة الدفاع عن الجنس الأبيض في مشهد فج من العنصرية. شعور طبيعي ومقدر في هذا الموقف. ولكن المسألة تحتاج إلى تفكيك وتحليل حتى نتفاعل مع الأمر بعيدا عن التعميمات التي ندفع ثمنها.
أولا: لا أحد منصف يستطيع أن يتهم الإسلام بأنه مصدر إرهاب، أو أن المسلمين وحدهم الذين يمارسون الإرهاب، لأن نسبة من يمارسون الإرهاب، أو يعتنقون فكرا متطرفا لا تقارن بالنسبة لتعداد المسلمين شرقا وغربا، فضلا عن أن غالبية من يدفع ثمن الإرهاب في المجتمعات العربية والإسلامية هم من المسلمين.
ثانيا: إذا كان من الأنصاف، تاريخا وواقعا، عدم الصاق تهمة الإرهاب بالإسلام، فإنه ليس من المنطقي أيضا محاولة البحث عن إرهابيين مسيحيين في مواجهة لا واعية للخطاب غير المنصف الذي يواجه الإسلام، لأن المسيحية لم تدع إلي العنف، فضلا عن أن اليمين المتطرف في الغرب لا يدعي انتماء للمسيحية، ومقولاته تعبر عن عنصرية وكراهية للآخر لأسباب تعود إلى الاحساس بالتفوق العرقي، والسمو القومي، وليس لأسباب دينية. والدليل أن أصحاب البشرة السمراء من المسيحيين يواجهون أحيانا عنصرية فجة في الغرب. وقد سمعت مرات من بعض الأقباط في دول المهجر أنهم يواجهون أحيانا تمييزا لكونهم مهاجرين، والسبب يعود إلي أن ذهنية التفوق العنصري الصاعدة لدي اليمين المتطرف تحسب بالجملة كل من هو آت من المنطقة العربية بوصفه مسلما، أو يحمل جينات المسلمين.
ثالثا: آن الوقت أن نتخلى عن الدفاع المريض عن الذات، أو أن نحبس أنفسنا في خندق الرد علي اتهامات الآخرين، أو مبادلة الاتهامات بأخرى مماثلة. يقال أن المسلمين ارهابيين، فنرد أن المسيحيين إرهابيين، أو أن الإرهاب يلتصق بالإسلام، فنقول يلتصق كذلك بالمسيحية. هذا كلام مسطح، سواء ممن يقوله علي هذا الجانب أو ذاك. الإشكالية الآن أننا بحاجة إلي أن نبحث عن موضع لنا في العالم، ونمارس دورنا في نقد التيارات والممارسات الفكرية الكونية، ليس من موقع الدفاع عن الذات، ولكن من احساس بالانتماء للعالم.
دعونا نتفق علn عدد من القضايا: هناك فكر ديني إسلامي يحتاج إلي إصلاح، وهناك فكر يميني عنصري صاعد، سواء كانت دعائمه ثقافية أو تاريخية أو حتي دينية يحتاج إلي مواجهة، وهناك هجرات عالمية، وتغير في التركيبة السكانية العالمية مما سمح بتجاور ثقافات ومعتقدات وأديان ومذاهب مختلفة، يتطلب الأمر حوارا، وإدراكا بأهمية الاندماج الثقافي، والعلاقة بين الثقافة العامة والحرية والخصوصية، وهي قضايا تحسم بالحوار لا بالسلاح.

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات