والآن.. إلى أين يذهب الإخوان المسلمون؟ - ضياء رشوان - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 11:51 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

والآن.. إلى أين يذهب الإخوان المسلمون؟

نشر فى : الثلاثاء 19 يناير 2010 - 10:06 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 19 يناير 2010 - 10:06 ص

 
بعد أسابيع وأشهر طويلة من التحليلات والتوقعات حول شخصية المرشد العام الجديد لجماعة الإخوان المسلمين، بايعت قيادات الجماعة الدكتور محمد بديع عضو مكتبى الإرشاد المصرى والعالمى ومسئول التربية الفكرية وأستاذ الطب البيطرى مرشدا عاما ثامنا للجماعة ليتسلم القيادة للمرة الأولى فى تاريخها من مرشد آخر أصبح سابقا، هو الأستاذ محمد مهدى عاكف.

ولم يغلق إعلان اسم المرشد الجديد باب الحوار، بل زاده اتساعا، حول مستقبل الإخوان فى ظل قيادته وفى ظل الأزمة الداخلية الكبيرة التى يمرون بها بسبب إجراءات انتخاب مكتب الإرشاد والمرشد من أسابيع قليلة.

ويتركز الحوار الدائر حول مستقبل الإخوان فى ظل المرشد الجديد والأزمة الكبيرة فى سؤالين رئيسيين: الأول هو: هل ستزداد مشاركة الجماعة فى الحياة السياسية للبلاد أم ستتراجع خلال العامين الحالى والقادم واللذين سيشهدان الانتخابات البرلمانية والرئاسية؟..

والثانى هو: إلى أين ستؤدى الخلافات الداخلية بالجماعة بين الأجنحة المختلفة فيها حول قضايا عديدة كان آخرها طريقة انتخاب مكتب الإرشاد والمرشد الجديدين؟.. وبذلك ينتهى السؤالان الرئيسيان إلى سؤال واحد أكبر بات مخيما على معظم الحوار العام الدائر فى مصر اليوم: ما مستقبل جماعة الإخوان المسلمين؟

والحقيقة أنه قبل محاولة الإجابة عن هذا السؤال المركزى لابد من الإشارة إلى أمرين مهمين، الأول هو أن الخوض فى شئون جماعة الإخوان بهذه النوعية من الأسئلة ليس مجرد اهتمام متخصص بها أو بأمثالها من الجماعات والتنظيمات الإسلامية، فالحجم والتأثير اللذان تتمتع بهما الجماعة فى ماضى مصر القريب وحاضرها ومستقبلها يجعلان من الاهتمام بها اهتماما بالشأن المصرى كله، فمستقبل الإخوان هو جزء لا يتجزأ من مستقبل البلاد كلها، ومن يرد أن يصلح الأحوال المصرية لابد أن يكون حريصا أيضا على إصلاح الأوضاع الإخوانية، فهى لا يجب أن تترك للإخوان وحدهم.

وما ينطبق على الإخوان باعتبارهم القوة السياسية المعارضة الأكبر فى البلاد ينطبق أيضا على بقية قوى المعارضة على ضعفها، فتطوراتها وأوضاعها الداخلية هى جزء لا ينفصم عن تطورات وأوضاع المجتمع المصرى كله، وإصلاحها جميعاَ هو من أخص الشئون العامة لجميع المصريين.

أما الأمر الثانى فهو مرتبط بالأول، حيث إن ما جرى بداخل جماعة الإخوان مؤخرا من تخلى المرشد العام عن منصبه بعد ولاية واحدة لمدة ست سنوات يعد سابقة لا نظير لها فى تاريخ الجماعة الممتد لأكثر من ثمانين عاما، ولا لدى أى حركة إسلامية مصرية أيا كان نوعها ولا فى المؤسسات الدينية الرسمية سواء كانت الأزهر أو الكنائس المصرية المختلفة ولا بالطبع فى قمة النظام السياسى المصرى الذى لم يعرف رئيسا سابقا أبدا.

ومن ثم فإن الجماعة تعطى بذلك مثلا مهما لمختلف مؤسسات وقوى وأحزاب الحياة السياسية المصرية فى تداول السلطة وعدم البقاء فى المناصب العليا لأجل غير مسمى، يمكن أن تكون له آثاره الإيجابية بمرور الوقت على مجمل تلك الحياة السياسية.

وبالعودة إلى السؤالين الرئيسيين اللذين يشكلان السؤال الأكبر حول مستقبل الجماعة، فإن إجابة الأول منهما باتت شائعة ومتداولة فى كتابات وعلى ألسنة كثير من المحللين والمهتمين بشئون الإخوان، وهى توقع تراجعهم عن المشاركة فى الحياة السياسية خلال الفترة المقبلة وانكفاؤهم أكثر على إعادة ترتيب جماعتهم من الداخل من ناحية والعمل فى المجتمع فى مجالات الدعوة والتربية من ناحية ثانية.

كما بات شائعا أيضا تفسير هذا التراجع بخصائص الجناح الأكثر سيطرة الآن على قيادة الجماعة، وهو الأكثر محافظة واهتماما بالشئون التنظيمية، حيث سيدفعه ذلك إلى البعد عن الحياة العامة والممارسات السياسية التى لا تتناسب مع طريقة تفكيره ورؤيته لمستقبل الجماعة ومعه مستقبل البلاد كلها.

والحقيقة أن التوقع والتفسير المقدم له كلاهما أقرب إلى الصحة، إلا أن الأمر يستلزم إضافة سبب آخر يعد هو الأول والأكثر تأثيرا على الاتجاه المحتمل للجماعة نحو الابتعاد عن الممارسات السياسية والمشاركة الكثيفة فى الحياة العامة.

فهذا الابتعاد يعود فى الأصل إلى القرار الحكومى المتخذ منذ عام 2007 بإقصاء الإخوان عن المشاركة فى الحياة السياسية الشرعية فى البلاد عبر التعديلات الدستورية والتشريعية التى أقرت منذ ذلك الوقت ثم الإجراءات التى طبقت بناء عليها فى انتخابات التجديد النصفى لمجلس الشورى عام 2007 والمجالس المحلية عام 2008، وهو ما سيطبق بصورة أكثر كثافة فى انتخابات مجلسى البرلمان المقررة فى عام 2010، وبخاصة مجلس الشعب وبالطبع فى انتخابات رئاسة الجمهورية عام 2011.

ويعنى هذا التوجه الحكومى الجديد المتواصل أن سيطرة أى جناح على القيادة العليا لجماعة الإخوان، سواء التنظيمى المحافظ أو الإصلاحى المنفتح، لن تكون هى العنصر الحاسم فيما يخص انفتاح الجماعة أو انغلاقها على العمل السياسى العام خلال العامين القادمين، فالأمر أصبح ليس متعلقا بقرار هذه القيادة بمفردها بل أصبح متعلقا بهذا القرار الحكومى الصارم بإقصائها عنه.

من هنا فإن سيطرة الجناح التنظيمى المحافظ على قيادة الجماعة لن تكون خلال تلك الفترة القادمة سوى عامل إضافى يسرع من كمون الجماعة وتراجعها عن المشاركة فى العمل السياسى العام تحت ضغط العامل الأصلى والرئيسى وهو القرار الحكومى المشار إليه.

ومع ذلك فإن هذا الاحتمال بالتراجع عن المشاركة العامة مع أنه الأقوى فهو لا يظل الوحيد، فمن الوارد تحت ضغوط السياق السياسى العام فى البلاد وضغوط الجناح الإصلاحى المنفتح بداخل الجماعة وضغوط المجموعات التى تشكلت لها مصالح وأوضاع سياسية عبر تجربة المشاركة الواسعة للجماعة التى تمت خلال السنوات الست الماضية، أن تضطر القيادة التنظيمية المحافظة إلى التراجع عن توجهها بعدم المشاركة الواسعة فى العمل السياسى العام وتدخل إليه بدرجات أقل مما جرى سابقا ولكنها لن تستطيع الابتعاد عنه تماما.

والحقيقة أنه بالإضافة للعوامل والقوى السابقة التى قد تدفع قيادة الجماعة ومرشدها الجديد إلى العودة ــ ولو بحذر ــ للمشاركة السياسية العامة، فإن المجموعة التى ستحيط بالمرشد وتكون الأقرب إليه والتى ستمثل مجموعته الاستشارية سواء من مكتب الإرشاد أو من المستويات التنظيمية الأخرى سيكون لتوجهاتها دور مهم فى تحديد قراراته وتوجهاته نحو المشاركة فى الحياة السياسية العامة، وهو أمر يصعب توقعه منذ اليوم نظرا لعدم تشكل تلك المجموعة حتى الآن.

فى كل الأحوال فالأرجح أن قيادة الجماعة ومرشدها الجديدين ستكون مهمتهم الرئيسية الأولى خلال المرحلة الحالية من مسئوليتهم عنها هى السعى إلى حل الأزمة الداخلية الكبيرة التى اندلعت ولاتزال مستمرة بما يجنبهم مخاطر الصراع العلنى المفتوح أمام المجتمع وفتح الأبواب لتدخلات من خارج الجماعة تزيد من حدة صراعها الداخلى وتدهور صورتها الخارجية.

ويحيلنا هذا فورا إلى السؤال الثانى المتعلق بالحدود التى يمكن أن يصل إليها النزاع الداخلى الدائر حاليا خاصة بعد الابتعاد العلنى لقيادات الجناح الإصلاحى المنفتح عن مقدمة الجماعة خلال فترة تنصيب القيادة الجديدة وبخاصة المرشد وما صاحب ذلك من تصريحات غاضبة ناقدة أطلقها البعض منهم.

والحقيقة أن الأقرب للدقة هو أن الجماعة ستكون محصنة ضد أى انشقاقات كبيرة أو متوسطة من بين صفوفها، وإن ظل احتمال خروج بعض القيادات الإصلاحية الأكثر غضبا والأعلى صوتا والمجموعات الصغيرة التابعة لهم من الجماعة أمرا غير مستبعد فى المدى القصير.

أما أغلبية القيادات الإصلاحية فالأرجح أنها ستواصل عملها بداخل الجماعة ساعية إلى ممارسة الضغوط الكثيفة على قيادتها التنظيمية المحافظة مستعينة بذلك بأنصارها فى مكتب الإرشاد ومجلس الشورى العام، على الرغم من أنهم يمثلون أقلية وبقواعد الجماعة الشابة التى لا يزال لهم فيها تأثيرات كبيرة، الأمر الذى سيراهنون عليه فى تغيير توجهات الجماعة خلال العامين القادمين وخصوصا فيما يخص المشاركة الأوسع فى الحياة السياسية العامة والمواقف التى ستتخذها تجاه بعض القضايا الرئيسية مثل الديمقراطية والمساواة بين المصريين على اختلاف أديانهم أو جنسهم.

والأرجح أيضا فى هذا السياق أن تلجأ قيادات الجناح الإصلاحى المنفتح فى ضغوطها على القيادة المحافظة إلى الاستعانة بقوى النخبة المصرية السياسية والثقافية التى تراهن على هذا الجناح فى دمج الإخوان فى الحياة السياسية فى البلاد، وذلك عن طريق العلاقات الجيدة التى تربطهم بعديد منها، وأن تستفيد فى ذلك بالعديد من القضايا والموضوعات السياسية المهمة المتوقع تفجرها خلال عامى الانتخابات القادمين.


ضياء رشوان  كاتب مصري وباحث في شئون الجماعات الإسلامية
التعليقات