مع نجاح المؤتمر الاقتصادى... ماذا بعد؟ - زياد بهاء الدين - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 2:35 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مع نجاح المؤتمر الاقتصادى... ماذا بعد؟

نشر فى : الثلاثاء 17 مارس 2015 - 10:40 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 17 مارس 2015 - 10:40 ص

نجح المؤتمر وفاق نجاحه كل التوقعات. ولا أقول ذلك تأثرا بالجو الاحتفالى الذى ساد شرم الشيخ خلال الأيام الماضية، فلم أكن حاضرا لكى أتأثر به، وإنما من خلال متابعة جلسات ووقائع المؤتمر عبر التغطية الإعلامية وكذلك عن طريق رصد ردود الأفعال له محليا ودوليا على مدى الأيام الثلاثة التى استغرقها. تحديدا فإن المؤتمر قد نجح من حيث حجم الحضور وأهميته، ومن حيث المساندة السياسية الواسعة لمصر من بلدان العالم والمؤسسات المالية الدولية بما فيها تلك التى كانت حتى وقت قريب ترفض الاعتراف بالدولة الجديدة، ومن حيث مشاركة الشركات العالمية الباحثة عن فرص استثمار واعدة، وأخيرا وليس آخرا من حيث التنظيم والشكل العام الذى خرج به المؤتمر وجعله لا يقل شأنا عن أكثر المؤتمرات العالمية تنظيما وكفاءة.

هذا النجاح يلقى مسئولية كبيرة على عاتق الحكومة، وعلى مصر كلها، فى أن تحول البرامج والاتفاقات والوعود إلى حقائق على الأرض، وأن يتم استغلال الحالة الإيجابية التى أوجدها المؤتمر لكى تكون نقطة تحول فى المسار الاقتصادى للبلد. والمهمة ليست سهلة وتتطلب تضافر كل الجهود من الحكومة ومن خارجها، كما أنها تحتاج أيضا للمزيد من الشفافية والوضوح فيما يتعلق بالبرنامج الاقتصادى للدولة فى المرحلة المقبلة، ولحوار واسع بين أطراف المجتمع المصرى حول الاختيارات والأولويات المتاحة.

هذه الشفافية مطلوبة أولا لكى يمكن التعامل بحكمة مع التوقعات الهائلة للشعب المصرى الذى جلس أمام شاشات التلفزيون مستمعا ومشاهدا لصفقات بعشرات المليارات من الدولارات، اختلط فيها الوعد بالالتزام، والمنحة بالوديعة، والتمويل بالمشاركة. ولا أقلل هنا من شأن ولا حقيقة ما تم الإعلان عنه. فأطراف الاتفاقات التى أبرمت مع الحكومة المصرية شركات عالمية كبرى عليها واجب قانونى ألا تعلن أو تفصح إلا عما يكون حقيقيا. وإنما ألفت النظر إلى ضرورة أن يتم توضيح الفارق بين صفقات تم إبرامها بالفعل وبين اتفاقات نوايا تتطلب المزيد من الدراسة والبحث قبل أن تتحول إلى عقود ملزمة، وأن يتم توضيح الآجال الزمنية لتنفيذها ومصادر تمويلها وما تقدمه الحكومة مقابلها سواء أرض أم تمويل أم مشاركة. الإعلان عن هذه التفاصيل ضرورى لكى تكون التوقعات فى محلها ولا يصاب الناس بخيبة أمل إذا لم يجدوا صدى سريعا للمؤتمر.

هناك أيضا حاجة لمزيد من التوضيح حول السياسة الاقتصادية العامة للدولة. فقد تضمنت كلمات السادة رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزيرى المالية والتخطيط بعض الخطوط العريضة لهذه السياسة، خاصة من خلال خطة الدولة حتى عام ٢٠٣٠ التى عرضها د. أشرف العربى، وملامح السياسة الضريبية التى قدمها السيد/ هانى قدرى، وهو تقدم كبير عن حالة الغموض السابقة، كما أن شهادة مديرة صندوق النقد الدولى ونائبة رئيس البنك الدولى ومسئولة الملف الخارجى بالاتحاد الأوروبى وغيرهم قد أكدت على ثقة هذه المؤسسات الكبرى فى مستقبل الاقتصاد المصرى. ولكن هذا لا يكفى. فخطة ٢٠٣٠ تعتمد على مستهدفات ولكن لا تتضمن شرحا للسياسات والإجراءات التى يلزم القيام بها لكى تتحقق هذه الأهداف الطموح. الخطة مثلا تستهدف النزول بمعدل البطالة إلى ٥٪ عام ٢٠٣٠، وبنسبة الأمية إلى الصفر، وإلى أن تكون عشر جامعات مصرية بين الخمسمائة الأفضل فى العالم، ومصر بين أكثر عشرين دولة إنتاجا لبراءات الاختراع. هذه المستهدفات وغيرها ممكنة، ولكن الخطوة التالية هى توضيح الآليات والبرامج والسياسات التى تؤدى إلى تحقيقها والفروض التى بنيت عليها، كما أنها تستلزم تمويلا وتعديلات قانونية وكوادر حكومية بكفاءة معينة. هذه الأسئلة بحاجة إلى مزيد من التوضيح والشفافية لكى يكون المجتمع مشاركا فى صنع هذه الخطة الطموح وفى متابعة تنفيذها.

أما الجانب الثالث الذى يحتاج إلى المزيد من الإيضاح فهو السياسة الاجتماعية للدولة التى تضمن توزيعا عادلا لعوائد الاستثمار والتنمية وتحقق الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر عرضة لمصاعب الحياة وتقلبات الزمان. والمؤتمر برغم أجوائه الاحتفالية لم يبدد المخاوف المشروعة بأن يكون نمط التنمية الذى يتجه إليه البلد منحازا لكبار المستثمرين ولأصحاب فرصة الالتحاق بالركب الجديد وليس لمواجهة الفقر بشكل جذرى. وقد ساعد على ذلك أن المساحة التى حظى بها هذا الموضوع فى المؤتمر للأسف لم تكن كافية، والتوقيت المخصص لها متأخرا، والتغطية الإعلامية محدودة، حتى البرامج الأخيرة التى أطلقتها وزارة التضامن الاجتماعى لم تأخذ الاهتمام الكافى برغم أهميتها. مصر بحاجة إلى حوار حقيقى وشامل حول قضية العدالة الاجتماعية، ليس فقط من منظور توجيه الدعم لمستحقيه وبرامج الحماية الجديدة، وإنما لفهم طبيعة الفقر وأسبابه وما يجعله يتركز فى مناطق أكثر من غيرها وما يحول دون استفادة الفقراء من البرامج الاجتماعية وكيفية العمل على خروجهم من هذه الحلقة المفرغة. وإذا كان المؤتمر لم يتعرض لكل ذلك باعتبار أن جمهوره كان من المستثمرين الأجانب الذين قد لا يشغلهم الموضوع أكثر مما يمثله من خطر على الأمن والاستقرار، فإن الحوار يظل مطلوبا داخل المجتمع المصرى وبين أطرافه المختلفة ومن يمثلون طبقاته وفئاته الاجتماعية لأن مستقبل البلد معلق على السياسات الاجتماعية التى نختارها.

وأخيرا فإنه مع انتهاء الموتمر وانقضاء حالة الاستنفار التى سبقته، فقد يكون من الملائم مراجعة التشريعات العديدة التى صدرت فى الأيام الأخيرة بهدوء وبعيدا عن التوتر والاستعجال الذى صاحبها، خصوصا فيما يتعلق بقانون الاستثمار وكذلك بالتعديلات الأخيرة لقانون الضرائب على الدخل التى غيرت الاتجاه العام للسياسة الضريبية مرة واحدة وطرحت أسئلة جديدة بحاجة إلى مزيد من الدراسة والفهم، وهذا موضوعه مقال آخر.

المؤتمر نجح، ولكن لكى يكون نجاحه نقطة تحول للمسار الاقتصادى وبداية جديدة للتنمية يلزم أن يعقبه حوار أكثر اتساعا وشفافية وتفصيلا حول المرحلة المقبلة، لأن نجاح هذا التحول يحتاج إلى مشاركة كل فئات الشعب، وهذه المشاركة تتطلب أن يكون الشعب شريكا فى التفكير والاختيار وليس فقط فى العمل والتنفيذ.

زياد بهاء الدين محام وخبير قانوني، وسابقاً نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التعاون الدولي، ورئيس هيئتي الاستثمار والرقابة المالية وعضو مجلس إدارة البنك المركزي المصري.