لا تقل «مضرب» بل قل «معتصم» - أنيسة عصام حسونة - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 12:55 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لا تقل «مضرب» بل قل «معتصم»

نشر فى : الثلاثاء 17 مارس 2009 - 9:29 م | آخر تحديث : الثلاثاء 17 مارس 2009 - 9:29 م

 لا ينكر مكابر أننا قد طورنا خلال الشهور الماضية منهجا مبتكرا فى مجال ثقافة الاحتجاجات متمثلا فى سلسلة لا تنقطع من الإضرابات والاعتصامات التى شملت جميع مناحى الحياة، ابتداء من السكان الرافضين لنقلهم من مساكنهم، مرورا بالفلاحين احتجاجا على رفع مساحة أراضيهم، ورجال الإسعاف احتجاجا على رفع ساعات العمل، واعتصام كل من الطلبة وأولياء الأمور فى المدارس اعتراضا على ممارسات الأجهزة التعليمية التى اعتصم أيضا موظفوها الإداريون احتجاجا على سوء معاملتهم، ناهيك عن اعتصام المحامين والممرضين، وإضراب الصيادلة وعمال المصانع والوقفات الاحتجاجية للمخرجين والمذيعين والفنيين بالتليفزيون اعتراضا على خطة التطوير انتهاء باعتصام أهالى السائقين المحتجزين لمخالفة قانون المرور الجديد، واعتصام الصحفيين فى صحف الحكومة والمعارضة على حد سواء..

وبطبيعة الحال فإن الاحتجاج والإضراب والاعتصام حقوق مشروعة للاعتراض على الظلم، ولكن ما يلفت النظر أنه بالرغم من تاريخنا غير المشرق فى مناهج التنسيق بين الخطط والأنشطة بصورة عامة فإننا قد نجحنا نجاحا يشار إليه بالبنان فى توزيع أيام الاعتصامات بين الفئات المختلفة حتى أصبح لا يطلع علينا نهار جديد دون أن نكتشف أن هناك فئة ما قد قررت القيام باعتصام مطالبة بحق من حقوقها وازدحمت أيام السنة بالاعتصامات والإضرابات حتى بدا الأمر وكأننا سنحتاج «لجهاز قومى للتنسيق الاعتصامى» حتى تتاح للجميع الحصول على فرص متكافئة فى هذا المضمار ، ولا يخفى عليكم أن ذلك سيتيح فرص عمل جديدة قد يسند بعضها إلى المعتصمين أنفسهم بالنظر إلى خبرتهم المتراكمة فى هذا المجال.

وقبل أن ننتقل إلى ضفة «الحكومة» فى الجانب الآخر من نهر الحركات الاحتجاجية المتدفق، دعونا أولا نبدأ بالتعريف اللغوى للمفاهيم، فوفقا للمعجم الوسيط الصادر عن مجمع اللغة العربية، سنجد أن (أضرب) فى المكان هو أنه: أقام ولم يبرح وسكن لا يتحرك، وفى حالة العمال ونحوهم بمعنى: كفوا عن العمل حتى تجاب مطالبهم، أما بالنسبة للاعتصام فسنجد أن (اعتصم) به: تعنى امتنع به ولجأ، مثال ذلك اعتصام الطلبة بمعهدهم بمعنى: أنهم لا يعملون ولا يخرجون حتى يجابوا إلى ما طلبوا، باختصار فإن اللفظين لهما معنى واحد هو الامتناع عن العمل، ولكن لأسباب تتعلق بالصورة الذهنية السلبية لدى الكافة حول مشروعية «الإضراب» والمحاذير الأمنية المحيطة به فقد استقر الاختيار على استخدام لفظ «الاعتصام» بدلا منه توخيا للحذر وطلبا للسلامة.

إذن فقد قرر المواطنون «الاعتصام» ونفذوا قرارهم بالفعل، فماذا هو موقف الحكومة بالنظر إلى أن الامتناع عن العمل أو تقديم الخدمة يصب فى مسئوليتها بوصفها الجهة التى يجب أن تحافظ على مصلحة الأفراد واستقرار أمورهم وتضمن استمرار عجلة الإنتاج، إلى جانب مسئوليتها عن حفظ السلام الاجتماعى وضمان السيولة المرورية والاحتجاجية وغيرها من الأهداف السامية المعقدة، التى أفكر أنا شخصيا فى الاعتصام مطالبة بشرح بسيط لمغزاها. والحقيقة أن الحكومة بدورها قد قررت أن يكون رد فعلها تجاه تلك «الممارسات الاحتجاجية»، وفقا لقواعد لعبة «المصارعة الحرة» والمنتصر هو من يطرح الآخر أرضا ويحقق اللمس بالأكتاف، بغض النظر عن عدالة المطالب ومشروعيتها واتفاقها مع حكم القانون. بمعنى آخر فإن المهزوم هو من يستسلم للضغط أولا وبالتالى يخرج مدحورا من حلبة الصراع الذى تدور رحاه على منصة الفضائيات الرحبة.

ومع هذا كله، ورغم اختلافى مع بعض السادة المعتصمين، فاننى أنتهز هذه الفرصة لأعرب عن تأييدى لفئة واحدة من المعتصمين، وهم أصحاب المقطورات «اللطيفة». حيث أرى أنه من الظلم استبعادهم من ساحة الأحداث وذلك انطلاقا من موقف قومى وطنى وهو أن هذه المقطورات هى التى تضمن لنا المركز الأول دوليا فى عدد ضحايا الطرق سنويا، وعليه فإننى أقترح على إدارة المرور، ونحن بصدد الانتهاء من توسعة الطريق الدائرى، أن يتم تخصيص حارة واحدة منه لسيارات الركوب بينما تخلى باقى الحارات لمقطوراتنا المصرية العزيزة لترتع فيه بالسرعة والرعونة التى تسمح لها بالحفاظ على رقمها العالمى.

بطبيعة الحال فإن دولا أخرى، تفتقر إلى خبرتنا العريقة فى الاحتجاجات، تتمتع بنظام متفق عليه للمفاوضات بين الأطراف المعنية وفقا للقوانين السارية، تلعب من خلاله النقابات والاتحادات دورا مؤثرا لتحقيق المطالب العادلة للمحتجين. بحيث تحافظ على استقرار الأمور وتستجيب للمؤشرات المبكرة للأزمات. وفى مثل هذه الدول أيضا تلعب الأجهزة التشريعية المنتخبة الدور الرئيسى فى استقراء الواقع وعلاقات القوى المجتمعية المؤثرة، بحيث تتم صياغة القوانين والتشريعات بصورة تعكس مطالب الناخبين على اختلاف انتماءاتهم، بشكل يضمن حل الخلافات والنزاعات بطرق توافقية. وفى مثل هذه الحالات لا يتم إصدار القرارات الحكومية إلا بعد مشاورات مكثفة مع الأطراف الفاعلة وعقد جلسات الاستماع مع الجهات المعنية، وذلك بغرض تجنب ردود الفعل السلبية المتوقعة.

وعند الانتهاء من ذلك كله، وفى إطار من الالتزام بقواعد الشفافية، تعمد الجهات المسئولة إلى صياغة السيناريوهات المحتملة بشأن المسائل الخلافية ليتم طرحها على الجمهور وبالتالى تصبح مستعدة لمواجهة مختلف الاحتمالات.

بالطبع هذه إجراءات معقدة لا نملك الوقت لها، لأننا مشغولون بما هو أهم مثل كيف نحشد الجهود لتهدئة النفوس بين مختلف المرشحين لرئاسة نادى الزمالك أو للإجابة عن «سؤال القرن» وهو هل «مانويل جوزيه» مدرب الأهلى هو سبب الانتصارات أم المتسبب فى الهزائم!! ولا شك فإننا حين نتمكن بعون الله من حل هذه المشكلات الجوهرية سنلتفت إلى ما سبق ذكره من نظم وسيناريوهات لحل الخلافات.

وعليه، فتمشيا مع قواعد العدالة والإنصاف فإننى أقترح أن تعلن الحكومة هى الأخرى عن نيتها فى الاعتصام. فمن غير المعقول أن يتمتع المواطنون باختلاف وظائفهم بالحق فى الاعتصام وعدم الذهاب للعمل، وتظل الحكومة المسكينة هى الطرف الوحيد المطلوب منه الذهاب للعمل يوميا.

فلنضع جدولا عادلا يسمح للحكومة والمواطنين بالاعتصام والتزويغ من العمل، سواء بسواء، حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا.
الحل هو أن تعتصم الحكومة بدورها...

أنيسة عصام حسونة  كاتبة وباحثة سياسية
التعليقات