هل تشهد السنوات المقبلة نظامًا عالميًا جديدًا؟ - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:31 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل تشهد السنوات المقبلة نظامًا عالميًا جديدًا؟

نشر فى : الأحد 17 يناير 2016 - 10:40 م | آخر تحديث : الأحد 17 يناير 2016 - 10:40 م
بالاستناد إلى ما نعرف أنه سيحدث بصورة أكيدة، نخاطر فى التقدير بأنه ستحدث تغييرات فى النظام العالمى فى السنتين المقبلتين. نحن متأكدون مثلا أنه بعد عام سيأتى رئيس جديد إلى البيت الأبيض. ولن يكون التغيير فى جنس الرئيس أو لون بشرته أو انتمائه الحزبى فقط، بل سيكون أيضا، من بين أمور أخرى، فى النظرة إلى مكانة الولايات المتحدة كزعيمة للعالم.

فى كل ما يتعلق بمنطقتنا، مارس أوباما القيادة من الخلف، وهاجم من فوق وراقب من الجانب. يمكننا أن نفهم سبب خشية الرئيس المنتهية ولايته من رؤية توابيت جنود أمريكيين تعود من القتال فى الأزقة الترابية فى مدن منسية وفى صحارى المنطقة. لكن قتالا جويا [من خلال قمرات طائرات مكيّفة] ضد ظاهرة تسمى داعش، يعكس عدم جدية أمريكية فى مواجهة زعماء يتحدون القليل الذى بقى من النظام الذى لا يزال قائما فى المنظومة الدولية من جهة، وفى مواجهة ظاهرة داعش التى تشكل خطرا على الولايات المتحدة نفسها وعلى حلفائها فى أوروبا من جهة أخرى.
إن عودة الزعامة الأمريكية لا تعنى فقط القتال العسكرى. فملايين البشر الذين خرجوا إلى الشوارع للتظاهر ضد الأنظمة الاستبدادية، وملايين البشر الذين فروا من الفقر، والبطالة، ومن عدم وجود شروط صحية أساسية، أثبتوا فشل أطر النظام الدولى فى تقديم حل شامل لضائقتهم. بعد الحرب العالمية الثانية قامت الولايات المتحدة بمهمة قيادة إعادة إعمار أوروبا وشرق آسيا التى لم تقع فى يد النظام الشيوعى. فى الولايات المتحدة أُنشئت مؤسسات دولية مثل الأمم المتحدة والوكالات المختلفة. وبقيادة صندوق النقد الدولى، والبنك الدولى، ساهمت هذه المؤسسات فى قيام نظام عالمى، لكنها اليوم تجد صعوبة فى تقديم الحلول.
***
الرئيس أوباما، الذى بحث فى ولايته الأولى عن رؤية، بحث فى ولايته الثانية عما يسبب أضرارا للولايات المتحدة واكتفى باحتوائها. وسيضطر الرئيس المقبل بحكم الظروف، إلى العودة إلى الصيغة التى وجّهت رؤساء الولايات المتحدة منذ نشوب الحرب العالمية الثانية، وهى ضرب أعداء الديموقراطية وإعادة بناء الشعوب بعد النصر. وهناك حاجة فى عملية إعادة البناء إلى تعزيز المؤسسات القائمة وجعلها أكثر ملاءمة، مثل تغيير تركيبة مجلس الأمن بحيث يمثل أجزاء كبيرة من سكان العالم، وزيادة التدخل والمساهمة المالية للدول الأعضاء فى الأمم المتحدة التى جمعت فى العقود الأخيرة فوائض مالية ضخمة.
عندما ستتولى الولايات المتحدة مجددا الزعامة، ستجد شركاء جددا ــ قدماء فى طليعتهم أوروبا. إن الحلم بتحالف سياسى ــ اقتصادى أوروبى قد تآكل فى السنوات الأخيرة نتيجة رغبة دول لم يوافق على انضمامها إلى النادى، وضعف الانضباط الداخلى، وضعف تطبيق مجموعة القوانين والتشريعات التى فرضتها الدول الأعضاء على نفسها.
لقد خفف الاتحاد الأوروبى من وتيرة توسّعه. وإلى أن يجرى الاستفتاء العام فى بريطانيا سنة 2017 سيجد الاتحاد من خلال المفاوضات مع هذه الدولة، الصيغة التى تتيح لها البقاء فى الاتحاد. وهذه صيغة ضرورية لأن بقاء بريطانيا فى الاتحاد سيشكل ضربة لحركات أخرى فى أوروبا تريد القضاء على رؤية الاتحاد الأوروبى.
إن التحالف التاريخى بين الولايات المتحدة وأوروبا سيتعزز أيضا إذا توصل الطرفان فى السنوات المقبلة إلى اتفاق شامل للتجارة الحرة. فهذا الاتفاق بين طرفى المحيط الأطلسى، واتفاق مقابل بين طرفى المحيط الهادئ، سيمنحان الدول المشاركة تفوقا اقتصاديا ضخما وسيقويان مكانة الولايات المتحدة.
إن الخطر الذى ينطوى عليه نظام عالمى اقتصادى جديد أساسه اتفاقات تجارية حرة مشتركة تستند إلى الغاء الضرائب فقط بين الشركاء فى الاتفاقات، هو فى تضرر اقتصاد كثير من الدول، جزء كبير منها ضعيف أصلا. وسيتعين على الدول التى تتقيد باتفاقات التجارة الحرة أن تجد بدائل للتسويات الدولية التى أتاحت فى الماضى لكل عضو فى المنظمة من دون استثناء، الاستفادة من خفض الضرائب. ومن دون مثل هذه الحلول ومن دون خطط مساعدة وإعادة بناء، فإن الدول ذات الاقتصاد الضعيف ستكون سببا لنشوء مشكلات تمس الأمن ولهجرة إلى بقية أنحاء العالم.
كلمات أخيرة، ماذا سيحدث للنزاع الفلسطينى ــ الإسرائيلى من دون نظام عالمى؟ عندما تنشغل الولايات المتحدة بمعركة انتخابات رئاسية تكتسب أيضا صورة صراع بشأن دورها على الساحة الدولية، وعندما تواجه أوروبا تحديات جدية لوجودها كاتحاد، وعندما يكون الجيل الجديد الذى لم يتعلم بعد تاريخ الشرق الأوسط ولا يعرف ما إذا كانت الجامعة العربية مصطلحا فى كرة القدم أو فى التاريخ السياسى للمنطقة، فإن إسرائيل وجيرانها الفلسطينيين يستطيعان التهرب من حل النزاع.
***
لا الانتفاضة الأولى ولا الثانية زعزعتا نظاما عالميا، ولا دفعتا حتى النظام الإسرائيلى لصنع السلام. فالخوف من تسوية أميركية ــ روسية مفروضة هو الذى أجبر من بين أمور أخرى، رئيس الحكومة بيغن على التوصل إلى تسوية مستقلة مع روسيا، وضغط أمريكى سياسى معتدل هو الذى دفع رئيس الحكومة شامير إلى المشاركة فى قمة مدريد [1991] التى عبدت الطريق أمام [اتفاقات] أوسلو. إن نظاما عالميا جديدا تتقدم فى إطاره نزاعات أخرى فى العالم نحو الحل، سيسرّع المفاوضات على تسوية النزاع عندنا.
عوديد عيران

باحث فى معهد دراسات الأمن القومى
نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية
التعليقات