ضيف يكرهنى ينام فى فراشى - جميل مطر - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 6:56 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ضيف يكرهنى ينام فى فراشى

نشر فى : الأربعاء 16 نوفمبر 2016 - 12:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 16 نوفمبر 2016 - 12:00 ص
درجنا فى التقاليد على أن نستضيف فى بيوتنا أقرباء وأصدقاء من الريف أو من أقطار أخرى لمدد أحيانا تطول. نشأنا على آداب حسن وفادتهم وأتقنا فن تدريب العواطف بإخفاء بعضها والمبالغة فى بعض آخر بحيث لا تكشف عن تبرم أو نقص موارد أو ضيق خلق. كثير من الضيوف يحرصون على أن تكون إقامتهم قصيرة وخفيفة. كثيرون أيضا يفشلون فى ممارسة هذا الحرص فتطول إقامتهم أو تثقل أو تطول وتثقل معا.
***
عواطفنا كمضيفين لحظة مغادرة الضيف تختلف بالتأكيد من عائلة عن عائلة أخرى بل من مضيف فى سن الشباب عن مضيف متقدم فى العمر ومن رجل عن إمرأة. يجمعهم أحيانا أو فى حالات معينة الشعور بألم الفراق والخوف من ملل الفراغ الذى سيخلفه هذا الرحيل، ويجمعهم أحيانا أو فى حالات أخرى الشعور بالارتياح. الضيف الذى يرحل يترك لأهل البيت «فضاءهم» يستعيدون سيطرتهم الكاملة عليه، لا أحد يشاركهم فيه. الغريب أن الأطفال فى عمر السنتين أو الثلاثة هم أكثر من يسعد بمغادرة الضيف لأنه فرض نفسه شريكا يستحوذ على جانب من وقت الأم والأب وأحيانا من مساحة اللعب. عادة ما تكون سيدة البيت الأكثر شعورا بالارتياح وإن أخفت بعضه عن زوجها، فهى التى تحملت عبئا مضاعفا من المجهود العضلى وربما النفسى أيضا خاصة أن بعض الضيوف يتدخلون فى خصوصيات أهل البيت والعلاقات بينهم وطرائق تربيتهم لأولادهم وبناتهم.
***
سمعت فى الصغر أن سيدات البيت كن يقمن حفلا دينيا فى أعقاب رحيل الضيف طويل الإقامة ثقيل الروح لطرد الأرواح الشريرة التى تسربت إلى البيت خلال هذه الإقامة. سمعت عن، وربما رأيت، شيخ الجامع القريب من بيتنا، وهو يجوب الغرف حاملا صحن الفحم المتوقد تحت حبات البخور، يتلو الأدعية ويبتهل. تصر ربات البيت على أن الضيف وزواره لا شك نظروا بقليل أو كثير من الحسد إلى نعمة يرفل فيها أهل البيت. سمعت عن خادمات نشأن فى البيت وينتظرن تنفيذ العهد غير المعلن بتزويجهن وتجهيزهن يحملن صوانى الفتة مغطاة بالأرز وقطع اللحم المسلوق يضعنها أمام محاسيب الأولياء الصالحين وفى لحظة خروج المصلين، يطلبن صراحة الدعاء لهن بابن الحلال ولأهل البيت بالستر.
***
ينقل الرحالة عن تقاليد شعب يسكن فى إقليم بابواــ غينيا الجديدة اعتقاد الناس أن الضيف غالبا ما يترك وراءه عند المغادرة شيئا من روحه. يترك هذا الشىء أو الجزء من روحه ليخفف عن نفسه حملا من أحمال السفر. يترك أيضا سحابة حزن. ما أن يغادر الضيف إلا ويشرع أهل البيت فى ملء وعاء كبير بالماء يضعونه فى صحن الدار ليسحب الحزن وبعض الروح الذين تركهما الضيف وراءه. وفى الصباح التالى تتكاتف العائلة فى نقل الوعاء إلى مكان بعيد عن البيت والتخلص من الماء المتشرب بعض روح الضيف وكثير الحزن.
***
جلست، كما جلس الملايين فى أنحاء الكوكب، أمام التليفزيون أشاهد ضيفا جديدا يستطلع مكان استضافته التى سوف تدوم فى أحسن الأحوال أربع سنوات، وفى أحوال أخرى ثمان. جلست أشاهد دونالد ترامب المنتخب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية وزوجته الثالثة أو الرابعة يزوران البيت الأبيض وفى استقبالهما أهل البيت يتقدمهم الرئيس باراك أوباما وزوجته الأولى وربما الوحيدة وعشرات الموظفين والحرس والخدم. لحظة وصفها المعلق التليفزيونى باللحظة التاريخية، أما أنا فأصفها باللحظة العاطفية بامتياز. لحظة تكثفت فيها العواطف وتشابكت حتى تصادمت. لا أنتقى عواطف الأطراف المباشرة. أنا نفسى كنت طرفا، وملايين المشاهدين كانوا أطرافا. كما أننى لا أنتقى عواطف بعينها. كان هناك الانبهار لا شك فيه، ولكن كانت هناك عواطف أخرى صعب حصرها، وإن أمكن تخيل بعضها. أذكر فيما يلى قليلا من هذا البعض وقد لمحته واضحا.
كان هناك الخوف، خوف أوباما على مصير البيت الذى سوف يستضيف ترامب لمدة طويلة، وخوف من نية الضيف محو كل شىء له علاقة بأوباما. كان هناك الألم، ألم فراق هذا البيت، وآلام انتزاع الضيف أحلام صاحب البيت. رأيت الغضب فى عيون باراك وميشيل ولكن بالأكثر فى عينيها السوداويتين اللامعتين ولكنه الغضب الممزوج بالقرف. ها هو أمامى وأمام زوجى وأمام الأمريكيين جميعا يدخل إلى بيتى وإلى غرفة نومى رجل قالها صراحة وعلى الملأ، قال: إنه يقرف من جنس النساء، لأنهن ينزفن دما فى توقيتات دورية، ولأنهن يرضعن ويسمحن لأنفسهن بالسمنة، ويمارسن الجنس ويترددن على دورات المياه بكثرة، ولأنهن يخالفنه الرأى فى معظم الأمور.
***
أكاد أكون قد سمعتها تهمس فى أذن زوجها، لا أصدق يا باراك أن هذا الرجل الذى يكرهنى كامرأة إلى هذا الحد سوف يسكن بيتى وينام فى فراشى.
جميل مطر كاتب ومحلل سياسي