مستقبل مصادر الطاقة - محمد زهران - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 8:25 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مستقبل مصادر الطاقة

نشر فى : السبت 15 أكتوبر 2022 - 8:55 م | آخر تحديث : السبت 15 أكتوبر 2022 - 8:55 م
منذ القرن العشرين وحتى الآن أصبحت الطاقة هى مصدر الثروة ومصدر الحروب ومصدر المشكلات فى العالم كله، فى القلب من ذلك مصادر الطاقة الأحفورية (بترول وغاز وفحم) التى تعودنا عليها ونستخدمها بغض النظر عن تأثيرها على البيئة، ما يحدث الآن فى أوروبا نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية وقرب الشتاء القارس فى القارة الأوروبية هو أكبر دليل على أهمية البترول والغاز. فى مقال اليوم سنتحدث عن مصادر الطاقة وما يمكن أن يحدث لها فى المستقبل وتأثير ذلك على العالم.
لنبدأ ببعض المعلومات البسيطة: الوقود الأحفورى يحتاج إلى ملايين من السنين ليتكون فى باطن الأرض، بدأ العالم يستخرجه ويستخدمه منذ أقل من قرنين من الزمان، هذا معناه أنه مصدر غير متجدد للطاقة لأننا لن نستطيع الانتظار ملايين من السنين حتى نحصل على المزيد، النقطة المهمة أن استهلاك الطاقة يزيد بشدة فى عالمنا وسيزيد فى المستقبل نتيجة لعاملين أساسيين: التقدم التكنولوجى والتغير المناخى. التقدم التكنولوجى معناه استخدام أجهزة معقدة تحتاج مصادر للطاقة لتعمل وتظل تلك الأجهزة تعمل على مدى اليوم، انظر مثلا لأجهزة الكمبيوتر فائقة السرعة التى تدير كل شىء تقريبا داخل الانترنت وخارجه وانظر لأجهزة الاتصالات إلخ، أما التغير المناخى فكلنا نشهده الشتاء يزداد برودة ونحتاج تدفئة أقوى والصيف يزداد سخونة ونحتاج تبريدا أقوى، كل ذلك يحتاج طاقة وحاليا مصدرها الأساسى الوقود الأحفورى، لكن هل يستمر هذا إلى الأبد؟
هناك أبحاث تتنبأ أن مخزون الفحم سينتهى بعد 114 سنة والغاز الطبيعى بعد أقل من 53 سنة والبترول بعد أقل من 51 سنة، طبعا علينا أن نتأمل تلك الأرقام بشىء من الحذر، لأن تلك الأرقام قد نشرت سنة 2015 واعتمدت على المقدر من المخزون فى باطن الأرض والكم المستخرج فى السنة، هذه الأرقام تتغير من عام لآخر تبعا للظروف السياسية والاقتصادية لكن الشىء الوحيد الذى يزيد هو زيادة الاستهلاك وطلب المزيد من مصادر الطاقة. على كل حال يبدو أن خريطة الطاقة ستتغير تغيرا شاملا بعد قرن من الآن، هل الأمل فى الطاقة النووية؟
أفضل أنواع الطاقة لهذا العالم الذى نحيا فيه هى الطاقة المتجددة (أى لا تنفذ) والنظيفة (أى لا تلوث البيئة) فما موقع الطاقة النووية من ذلك؟ هى طاقة تأتى من الانشطار النووى لذرة اليورانيوم، الحرارة المتولدة من تلك العملية تقوم بتوليد بخار يستخدم لتوليد الكهرباء عن طريق توربينات، إذا فهى لا تلوث الجو مثل الوقود الأحفورى، طبعا يجب هنا اتخاذ جميع وسائل التأمين حتى لا تحدث كارثة مثل مفاعلى تشيرنوبيل وفوكوشيما مثلا، المفاعلات النووية تحتل مساحة من الأرض أقل من الخلايا الشمسية مثلا لتوليد نفس مقدار الطاقة وهذا شىء جيد، لكن الطاقة النووية قد لا تكون هى الأفضل فى المستقبل المتوسط والبعيد لعدة أسباب: أولا هى تعتبر إلى حد كبير غير متجددة وإن كان من الممكن إعادة تدوير بعض المواد، ثانية يجب التخلص من النفايات النووية، حجم النفايات ليس كبيرا لكنه مشع وبالتالى خطر على الصحة، ثالثا الطاقة النووية تكلفتها أعلى بخمس مرات من الطاقة المستخرجة من الرياح مثلاُ، رابعا استخراج اليورانيوم من المناجم خطر جدا على صحة العمال. إذا لم يكن الوقود الأحفورى ولا الطاقة نووية فماذا إذا؟
الطاقة المتجددة والنظيفة هى الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المتولدة من المياه فى السدود وما شابه، وهى أمل الناس فى المستقبل المتوسط والبعيد، لماذا ليس الآن؟ هناك إرهاصات الآن لهذه الأنواع من الطاقة لكن هناك معوقات يجب تجاوزها حتى يتم الاستفادة منها على مدى واسع.
أولا التحويل من مصدر للطاقة إلى مصدر آخر يحتاج وقتا وتكاليف لبناء الوسائل الجديدة للحصول على الطاقة وتوزيعها إلخ، هذا يشبه مثلا تغيير جميع السيارات فى الشوارع من سيارات تعتمد على الوقود لسيارات تعتمد على الكهرباء، أى تغييرات جذرية يجب أن تحدث فى المبانى والشركات والمصانع ناهيك عن التأثير الاقتصادى. ثانيا هناك شركات كبرى عابرة للقارات، بل ودول ستحارب بشدة هذا التحول لأنها يعنى خسارة اقتصادية فادحة لها أو فناءها، هذا يشبه الحد من الأسلحة للأفراد فى أمريكا وكيف تحاربه الشركات المصنعة للأسلحة ويشبه أيضا التدخين والحرب التى تدخلها شركات التبغ. ثالثا يجب أن يحدث تقدم كبير فى وسائل نقل وتخزين (وهذا أصعب) الطاقة. رابعا ماذا عن الدول التى لا ترى الشمس فى أغلب الأيام وليس عندها رياح؟ إذا حتى فى الطاقة المتجددة والنظيفة يجب أن يتم تعاون وثيق بين دول العالم. الآن لا توجد دولة واحدة فى العالم مستقلة من حيث الطاقة.
الطاقة ومصادرها هى محور الحروب السياسية والاقتصادية والعسكرية، بل والعلمية... وستظل كذلك... على ما أعتقد.
محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات