البحث عن حيوان قومى جديد للبلاد - محمد المخزنجي - بوابة الشروق
الأحد 5 مايو 2024 7:51 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

البحث عن حيوان قومى جديد للبلاد

نشر فى : الجمعة 15 أكتوبر 2010 - 2:51 م | آخر تحديث : الجمعة 15 أكتوبر 2010 - 2:51 م

 تحمست لحكاية الحيوان القومى هذه، حيوان يدل علينا وندل عليه، ومن المعروف من خصاله نتعرف على المجهول من دوافعنا، فنكون على بينِّة من بعض غوامض تصرفاتنا، ومقاس فشخة خطواتنا، ونشكر لحيواننا القومى فضل تنويره لنا، ونكون قادرين على رسم الخطط الطَمُوح للمستقبل القريب والبعيد ببصيرة، من القاهرة عشرين خمسين، إلى مصر ثلاثين صفرين.

فى اللغة:
● (كرَّس) الشىء: ضم بعضه إلى بعض. ويقال كرس حياته للعلم: وقفها عليه.
● و(الكراسة): إضمامة من الورق تُهيأ للكتابة فيها.
● و(المُكرَّسة) من القلائد: مانظم لؤلؤه وخرزه فى أكثر من خيط واحد، ثم ضُمت أفرُعه وفُصِّلت بخرز كبار.

وفى الغُرز والمقاهى وعوامة السمان والخريف:
كرس الجوزة، تحديدا، أى وضع المعسل فى الحجر، ثم كلله بالتعميرة، وتوج كل هذا بجمر الفحم أو القوالح. وهى عملية تطابق المعنى اللغوى، وإن باستعارة بعيدة المنال.

وفى نيتى وضميرى:
أن أعتمد على الله وأسيب نفسى، لأكتب بضحك، وربما بضحك يشبه البكا، أو بكا يشنهفه الضحك، فأكرس فن القص على تقنية المقال على سعى البحث ثم أغطى هذا كله بنار العاطفة التى هى طاقة كل أدب، وأدعوكم لشد الأنفاس البريئة من كل دخان وسوء، وليكُح من يكُح، ويصهلل من يصهلل. أما أنا فتكفينى مما كرّسته حلاوة الأشكال التى ترسمها سحب الدخان، الذى لا أعرف كيف سيكون لونه، وهو يتصاعد، بينما أتابعه يرسم نفسه بنفسه فى الهواء، فتندهش عينى، وينشرح صدرى.

فاندهشوا تنتعشوا
وانشرحوا تنشكحوا
فمن الانشراح والانشكاح، قد يقضى الله أمرا كان مفعولا، ويجعلنا سببا فى الفعل. فعل التعمير والتغيير..

ربما يوحى هذا بتعمير الحجارة، وتغيير الكراسى. لا بأس، فالحجارة والكراسى، كلاهما حمَّال أوجه. وأنا ما فى قلبى على لسانى، ومدوَّنٌ فى المكتوب.

فدعونى.. أشرع فى التكريس.

لى صاحب من أخف خلق الله ظلا، وأسرعهم إطلاقا للنكتة، لكنه فى لحظة يتحول إلى مخلوق جاد جدا، ويبحث فى مواضيع ثقافية وفنية أبعد ما تكون عن الضحك والمزاح، فجأة ونحن نضحك، قلب الصفحة، وفتح صفحة جديدة ذات طبيعة أنثروبولوجية بيولوجية سيكلوجية أيكولوجية فى غاية الجدية، فهو مؤرَّق بأن جميع بلدان الأرض، تقريبا، لها «حيوان قومى» ،National animal، تعرفه شعوب هذه البلدان، وتعرفه عنها شعوب بلدان أخرى. هذه حقيقة لم أجادله فيها، فمعروف أن هناك أمة حيوانها القومى هو النسر، وأخرى الصقر، وثالثة الدب، ورابعة الكانجرو، وخامسة الظبى، وسادسة البطريق. ولأن موضوعى للدكتوراة التى انهار فوقها الاتحاد السوفييتى السابق كان فى الفراسة، ولأن أحد أقدم طرق التفرس هى تقريب شكل الإنسان إلى أكثر حيوان يشبهه، ومن ثم استنباط الخصائص النفسية الخافية لدى الإنسان من الطباع الظاهرة لدى الحيوان، فمن تشبه اليمامة هى وديعة وبيتية وحنون، لكنها يقظة وغيور، وإذا انفجرت غيرتها تغدو بشراسة قطة أكاديمية رصينة استفزتها كلبة لعوب. ومن تشبه الأفعى فى ليونتها ونعومتها وتلوِّيها، ينبغى توقع سحرها، ولدغها أيضا، وشبيه الحصان فيه من حرارة الصدر ما يشعل النسوان وأنفة الطبع ما ينأى به عن مواضع الشبهات، كمثل الانضمام إلى لجان السياسات فى الأحزاب الحاكمة، أو قبول الاستوزار فى أنظمة الاستبداد، أو المشاركة فى مسرحية انتخابات مزوَّرة سلفا أو مادون ذلك. أما شبيه الديك، فهو غاوى منظَرة، لكن منظرهُ التياه لا يدل على مَخبَره التائه، فهو كثير النط قليل الإرواء، صيّاح على كل مزبلة يحسبها قمة، سواء كانت كومة سباخ فى قرية أو كدسة كراكيب فوق عشة على سطح مدينة.

الحق الحق أقول لكم، تحمست لحكاية الحيوان القومى هذه، حيوان يدل علينا وندل عليه، ومن المعروف من خصاله نتعرف على المجهول من دوافعنا، فنكون على بينِّة من بعض غوامض تصرفاتنا، ومقاس فشخة خطواتنا، ونشكر لحيواننا القومى فضل تنويره لنا، ونكون قادرين على رسم الخطط الطَمُوح للمستقبل القريب والبعيد ببصيرة، من القاهرة عشرين خمسين، إلى مصر ثلاثين صفرين.

وحتى نكون على بينة فى سعينا لتحديد حيوان قومى يرمز لأمتنا، دخلنا على الإنترنت، وطلبنا « عبر الجوجل: «national animals. وبعد تجوال فى نتائج البحث، قدمت لنا ويكيبيديا بكرمها الحاتمى المعتاد عدة لوائح للحيوانات الوطنية، أو القومية، فى أكثر من مائة بلد، ولدهشتنا المباغِتة فوجئنا بأن هناك حيوانا وطنيا أو قوميا لمصر هو «عُقاب السهوب». Steppe Eagle.

وعلى فكرة النسور علميا هى الـ vultures، وليست الـeagles كما توردها الترجمات الشائعة، لأن الـEagles تعنى العُقبان، وهى مختلفة كثيرا عن النسور التى ليست أبدا كما نحسن الظن بها، فالنسور تبعا للتصنيف العلمى تمثل النوع الردىء من الطيور الجارحة، الأضعف والأتفه والأكثر انحطاطا فى أكلها، فهى كناسة رمرامة، لاتصيد بل تنتظر العثور على جثة حيوان ميت، وتنتظر أكثر حتى تتفسخ هذه الجثة، فتهوى عليها بمناقيرها الهشة وأعناقها الطويلة، تلغ من الجيفة حتى تثقُل وتنسطل فتعجز عن الطيران، وتتوارى فى أى خُن أو مغارة، حتى تهضم ما أكلته فتخف، وتعاود الطيران والتحليق الواطى، بحثا عن رمة جديدة.

وللأسف لم نجد، صاحبى وأنا، من الطيور الجارحة ما ينتسب إلى اسم مصر غير نسر يسمى فى المراجع العلمية العالمية، النسر المصرى، Egyptin vulture أو الرَّخمة، وهو نسر ضئيل وله نظرة متخابثة وساخرة بصياعة تشبه الصياعة التى يعتز بها أحد وزراء البلاد.

هذا النسر المصرى، تبعا للتقسيم العلمى للطيور الجارحة كما أسلفنا، يعتبر الأدنى بين أقرانه: النسر الضخم أبوبرنس، والنسر الأسود سواد الليل، والنسر الهجين، أو ابن الحرام، هكذا على بلاطة. وإذا حطوا على جيفة معا، يكون على النسر المصرى أن ينتظر حتى يكون آخر من يرمرم منهم! لكن النسر المصرى هذا يتميز بين أقرانه بصفة تدعو إلى التفكُّر والتدبُّر، فهو الأكثر ذكاء بينهم، بل يفوق ذكاؤه ذكاء العقبان الأرقى بين الطيور الجوارح، لأنه يكاد يكون الطائر الوحيد الذى يستخدم أداة خارج تكوينه يستعملها فى معيشته، لكنه يستخدم هذا الذكاء، تماما كالوزير الذى يشبهه، فى الخطف والأذى. فما إن يعثر نسرنا المصرى هذا على بيضة نعامة شاردة، حتى يحملها بعيدا عن أهلها ويحط بها فى دروة، يستخلى بها، ثم يلتقط قطعة حجر، ويحلق فوق البيضة ويُسقط عليها الحجر فى نقطة بعينها، مرة بعد مرة بعد مرة، حتى تنكسر قشرة بيضة النعامة السميكة الصلبة، وينفتح فيها شباك، فيهبط صاحبنا المصرى ويُدخِل رأسه فى الشباك، يلتهم جنين البيضة إن كان تكوَّن، وإن لم يكن، يرتشف زلالها ويشفط المُح.

شىء عجيب غريب، وكان أولى بأن نتخذ منه حيوانا قوميا لمصر الآن، فهو يعبر بجدارة عن بعض ما نحن فيه، إن لم يكن كله.

ولفرط ما نفَّرنا هذا النسر المصرى، كدنا نستسلم لعُقاب السهوب، رمزا حيوانا قوميا لمصر، وقلنا، صاحبى وأنا، لنبحث أكثر، لعلنا نجد مسوغات مقنعة لتعيين هذا العُقاب شعارا لأمتنا.

العُقاب، وعرفناه، أما السهوب، ففتحنا من أجلها القاموس، ووجدنا أن السهوب هى جمع السُهب، والسُهب هو الفلاة، والفلاة هى الأرض الواسعة المقفرة.

إذن، هذا الرمز يشير إلى أن بلادنا واسعة الإقفار، وهى شتيمة، لم نتوقف عندها لأن الإعمار صار كالإقفار، فهو لعبة الشُطار والفُجّار الذين يأخذون من أرض الدولة آلاف الأفدنة بما يشبه المجان، وبضمان هذه الأرض يقترضون من البنوك ما يُقفر البنوك أو يكاد، ثم يبنون من أموال البنوك التى هى أموالنا ويبيعون لنا بأضعاف أضعاف مابنوا وما نهبوا. لايخسرون أبدا، لأنهم لم يدفعوا شيئا، وإذا بدا أنهم خسروا، يطيرون بعيدا كعقبان السهوب بما خطفوا وما لهفوا. فماذا يمنع أن يكون عقاب السهوب معبرا عما نحن فيه؟

كدنا نرضى بعقاب السهوب، لكن يبدو أن هناك من لم يرض باستمراره معنا، فالعقاب الذى كان مدقوقا على الشلن والبريزة والعَلَم الخفَّاق، طيره السادات بحداقة أخلاق القرية، واستدعى بمكانه صقر قريش.

الحقيقة قلنا إنها لاتفرق معنا، فنحن لا عقابا رأينا، ولا صقرا نشوف، اللهم إلا صقور بعض بنى قريش، الذين يأتون للصيد بها فيما تبقى من محمياتنا وما يُعرض للبيع من حمانا. لكن صقرىّ الشلن والبريزة طارا، والعلم الخفاق لم يعد به مستقر للطيور، وبقى عُقاب السهوب يدمغنا فى الفضاء الرقمى وعلى قوائم الحيوانات الوطنية.

فلنواصل البحث...
اكتشفنا ونحن نقلِّب فى ضواحى الانترنت، أن عُقاب السهوب هذا ليس مخلصا لنا كحيوان وطنى، فهو الحيوان الوطنى أيضا لجمهورية كازاخستان التى كانت سوفييتية، ثم صارت مستقلة ونستورد منها بعض القمح ليعطينا خبزنا كفافنا وساندوتشات فلافلنا والفول، والباذنجان أحيانا.

ثم إن مسألة النسور والأسود هذه لاحظنا كثرة تداولها كحيوانات وطنية لدى كثرة من الأمم، فالأسد هو الحيوان القومى لبريطانيا ولا يزال من نسله لدينا أربعة أسود رابضة على مدخلى كوبرى قصر النيل، كما أنه حيوان سيريلانكا الوطنى ورمز «البيور سيلون تى» الذى يستمزجه الكثيرون منا كأحد أكثر شعوب الأرض شربا للشاى، وهو حيوان هولندا الوطنى التى نجيب منها الزبد والسمن والحليب ونغشه بمسحوق السيراميك، وبلغاريا حيوانها الوطنى أيضا أسد، وألبانيا ضمن حيواناتها الوطنية الثلاثة يوجد أسد، وكذلك بلجيكا، وسنغافورة، ولكسمبورج.

أما النسر، وثمة خلط عالمى بينه وبين العُقاب أيضا، فهو الحيوان الوطنى أو أحد الحيوانات الوطنية لألبانيا، وأرمينيا، والفلبين، وبولندا، وصربيا، ونيجيريا. نسور عديدة، منها النسر الذهبى، وأبيض الذيل، والأقرع، فلعل عقاب سهوبنا به شىء يخصنا، فقررنا أن نتعقبه...

لم يكن التعب هو الذى هدنا من طول تعقبه، لكنه قصر ذيلنا وسأم أجنحة التحليق فى الفضاء المفتوح للشبكة العنكبوتية، فعقاب السهوب هذا تبينّا أنه مستعار تماما كالشعر المستعار، واستعارته أقبح وأفدح من ترك قرعات الرءوس عريانة لشمس بؤونه التى صارت تُلهب معظم شهورنا، أو برد أمشير الذى صار نادرا ندرة الشفافية فى حكم لا يمل ولا يكل فى الحديث عن الشفافية.

عقاب السهوب هذا من رتبة «أكوينا نيبالنسيز»، فهو لاحم كبير، طوله من المنقار إلى الذيل يقارب المتر، ومدى جناحيه يصل إلى مترين، ولو كان ظهر فى مصر مرة، لظن الخاصة والعوام أن القيامة ستقوم، ولحصلت هوجة لم يكن ليهملها التاريخ والمؤرخون، وهو مما لم يحصل!

ثم إن هذا العُقاب يُعتبر من «عقبان المدن» Tawny Eagle، المعروفة بأنها من الطيور المقيمة، غير المهاجرة، وهذا يقطع الطريق على ادعاء أى وطنية مصرية لها، وهو أمر تؤكده السياحة أبعد من بحر الرمال الأعظم فى صحرائنا الغربية، أو الشطح جنوبا حتى جبل علبة. فعُقابنا الوطنى المزعوم هو عقاب تنتشر قبيلته من من شرق رومانيا مرورا بجنوب روسيا فوسط آسيا وصولا إلى منغوليا. وكل علاقته بنا أنه كان، يُحتمل أنه كان مجرد سائح شتوى عابر لأجوائنا، كما يعبر أجواء الهند، ومع ذلك لم تتخذ منه الهند حيوانا وطنيا، بالرغم من سخائها فى اتخاذ أكثر من حيوان شعارا قوميا لها، فللهند خمسة حيوانات وطنية فى حزمة واحدة: النمر البنغالى من فئة اللواحم، والطاووس من فئة الطيور، وأفعى الكوبرا من فئة الزواحف، أما حيوانها الوطنى الأيقونة فهو الـ hanuman langur وهو قرد هندى شبه مقدس تصوره ملحمة «الراما يانا» على أنه الإله القرد ابن الرياح، «ماروت»، لهذا يسمونه «ماروتى»، وعلى اسمه سموا سيارة السوزوكى الصغيرة الخفيفة التى تنتجها الهند ونشتريها نحن وتعد أرخص سيارة فى معارض السيارات المتكاثرة كطفح الحصبة لدينا. تذكرنا بخيبتنا فى بيع شركة النصر التى وصلت لنسبة 85% تصنيعا للسيارة الفيات 128، وبعناها لأن استيراد السيارات من جميع أنحاء الأرض ومصانع تجميعها من كل الماركات، أربح، وأريح، بينما اشترت الهند خط تصنيع الفيات 126 القديمة عندما قررت إيطاليا وقف انتاجها، فتمكنت الهند بهذه الصفقة من الوصول إلى 100% تصنيعا لهذه السيارة التى طوروها لتصبح هندية صرفا، وتدفع صناعة السيارات الهندية إلى مصاف المتنافسين على المراكز الأولى لهذه الصناعة فى العالم، وكانت هذه السيارة الصغيرة التى اشتهرت لدينا باسم «القردة» هى السيارة الرسمية للوزراء والرسميين فى الهند، الهند المكتفية بالقمح والغذاء برغم تخطى عدد سكانها للمليار، والشاغلة لمركز إحدى الدول العشر الأكثر تقدما علميا فى العالم، وغير المدينة لأحد فى الدنيا ولو بربع روبية. بينما وزراؤنا ورسميونا فى مصر المديونة يصرون على الطيران بالمرسيدس فى الطرق وعلى الكبارى التى يخلونها لمواكبهم، فيختنق الناس فى زحام سياراتهم والاتوبيسات الواقفة، ويموت مرضى الحالات الحرجة فى سيارات الإسعاف الجديدة البرتقالية الأنيقة، ويتعالى السخط والسباب والدعوات على أصحاب المواكب بأن يخسف الله بهم الأرض ويقطع نسلهم، لعلنا نكتفى من القمح، ونتقدم علميا، ولا نكون مديونين، أسوة بالهند التى يركب وزراؤها ومسئولوها سيارات القردة، ويشفقون على متواضعى الحال منا، فيصدِّرون لنا سيارات القرد المقدس، ابن الرياح، «ماروتى»، التى تتدحرج بأبناء الطبقة الوسطى الآفلة، على طرق الموت المصرية، وفى شوارع الضباب الدخانى، وتحت سماء السحابة السوداء.

إذن، عُقاب السهوب ليس قطعا عُقابنا، ولا ينبغى أن يكون، فهو يتدنّى كثيرًا فيسرق الطعام من غيره، ويتشطر على الأرانب والفيران، وصوته يشبه النباح، فكأن كلبا ينبح فى الأعالى وتشمئز منه السحب. والنسر المصرى الذى يحمل اسم مصر فعلا فى تصنيف الجوارح، لا يشرف وزيرا ولا خفيرا فى مصر.

فماذا نفعل؟
هل نترك مصر تائهة هكذا بلا حيوان قومى يدل عليها وتدل عليه؟
طبعا لايصح.

نشطْتُ أهرش مخى بينما صاحبى يهرش مخه، ورحنا نفتش فى كل أرجاء وزوايا وشقوق وحقول وسطوح حياتنا عن حيوان شائع نتخذ منه حيوانا قوميا. وجدنا الفئران تتكاثر، والعِرس تعبر شوارع القاهرة فى الليل لما خلى إلا من أكوام الزبالة، والأبراص تتعرض لإبادة عمياء جعلت الذباب يشغى فى الفنادق والبيوت والقاعات، حتى قاعة المؤتمرات الرسمية.

ضربنا صفحا عن هذه الحيوانات الضئيلة، وقلنا إنها أدنى من أن نتخذها رمزا، ثم إنها مكررة ومبتذلة وتقليدية أيضا، فبحثنا فيما هو أكبر وأكثر حداثة فى حياة الأمة، ولفتت نظرنا السلعوة التى خرجت علينا من مغارات أيامنا الأخيرة التى كثرت فيها مغارات على بابا، واستنكفنا السلعوة، لأن بوزها لم يعجبنا، ثم إنها مسخ لا أصالة فيه، فهى ليست بكلب وليست بذئب، ولا حتى ثعلب، وما هى إلا مسخ كمسوخ سادة هذا الزمان، بوز من هذا، ورجل من ذاك، وذيل من المجهول، ثم إنها دنيئة دناءة كلب أجرب، تستقوى على العيال والنسوان فى القرى والضواحى الفقيرة، فتعضهم وتجرى.

فكرنا فى الجاموس، لأنه مميز عندنا ويختلف عن البقر الشائع فى العالم، ويتمايز حتى عن جاموس الكاب الأفريقى غير المسـتأنس، وجاموس فيتنام والجاموس الهندى ذى الحدبات، ومنه، أى من جاموسنا الوطنى، نتخذ الكندوز الذى وصل سعره عند كتابة هذه التكريسة إلى ستين جنيها فى أفضل الأحوال، ومن عياله كنا نتخذ البتلو الذى كان له مشروع سَكَّ عليه المستوردون والمستوزرون باب النسيان، فصار كيلو كباب الحلة البتلو بأكثر من تسعين جنيها وكباب السيخ فوق المائة، بينما الناس يشويهم الغلاء وهم مشكوكين فى أسياخ الرواتب الحكومية، والكادر الذى يلعب به حواة الحكومة.

«لا أمل فى الجاموس».

قلنا حاسمين، وغير قانطين، ومستمرين فى البحث...

فيما وراء الجاموس!

(فاصل، وفى الجمعة المقبلة، نواصل)

محمد المخزنجي كاتب مصري كبير ، وطبيب أمراض نفسية ، ولد في المنصورة ، وعمل في مجلة العربي الكويتية ثم تفرغ ككاتب حر ، يُعتبر من أبرز كتاب القصة في العالم العربي ، وله إسهامات متفردة في الكتابة العلمية وأدب الرحلات والمقال الصحفي .