البحث عن طلعت حرب - عماد الغزالي - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 8:47 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

البحث عن طلعت حرب

نشر فى : الإثنين 15 يونيو 2015 - 9:45 ص | آخر تحديث : الإثنين 15 يونيو 2015 - 9:45 ص

فى مواقف معينة يحضر شخوص بعينهم، بما يمثلونه فى الذاكرة من معان، وما يبعثونه فى النفس من شجون، كأن تحضر الأم حين يشعر المرء ــ مهما كبرت سنه وغمر الشيب رأسه – بالحاجة إلى الحنان، أو أن يحضر صديق وفىّ غيّبه الموت، أو باعدت بينك وبينه انشغالات الدنيا وشواغلها، فى لحظة تشعر فيها أن الوفاء صار بضاعة راكدة لا تجد من يشتريها، أو تمر بخيالك أطياف حب قديم خلت أنك نسيته، فإذا به ينعش قلبك ويداعب شغافه، ويمنحك طاقة هائلة على الاستمرار فى الحياة.

هؤلاء الشخوص يمثلون معانى بعينها، يجسدونها بشرا من لحم ودم، نسميهم الرموز ونخلع عليهم قداسة من نوع ما، خصوصا إذا انطبقت دلالات القيمة الإنسانية التى يمثلونها على سيرتهم الشخصية، فصاروا هم بذواتهم قيما تمشى على الأرض.

على رأس هؤلاء يأتى الاقتصادى الوطنى العظيم طلعت حرب، مؤسس بنك مصر الذى نحتفل هذه الأيام بذكرى تأسيسه (7مايو 1920)، والذى مثّل بأقواله وأفعاله الجناح الثانى لتحرير الأمة من الاحتلال الإنجليزى، وأعنى به تحرير الاقتصاد، جنبا إلى جنب الاستقلال السياسى الذى نهض به الزعيم سعد زغلول.

فى كتابه «علاج مصر الاقتصادى» الصادر عام 1911، كتب : «مازالت الحاجة لإنشاء مصرف مصرى كبيرة، مصرف يمد يده لمساعدة المصريين ويحثهم على الدخول فى أبواب الصناعة والتجارة، فهذه البنوك الأجنبية لا تراعى منذ إنشائها إلا غرضا واحد هو مصلحة المساهمين غير ناظرة إلى مصلحة البلاد».

كانت هذه هى رؤية طلعت حرب لأحوال الاقتصاد المصرى، ومثل أى فكرة جديدة، لم يلق الرجل الإقبال الذى تمناه، وسخر أصحاب البنوك الأجنبية من دعوته وتوقعوا لها الفشل الذريع، خصوصا أن عدد المساهمين لم يزد على 126 مساهما دفعوا 80 ألف جنيه كرأس مال للبنك الجديد، لكن الأمور تطورت بسرعة، وزاد عدد المساهمين إلى 9356 مساهما عام 1934 وبلغت ودائع البنك فى تلك السنة عشرة ملايين جنيه وزاد رأسماله على مليونى جنيه، وبعد 15 عاما من إنشائه صار للبنك 20 فرعا وبلغ عدد شركاته نحو 14 شركة، وأرجو أن تتفحصوا أسماء هذه الشركات ونشاطاتها، كى نعرف كيف كان هذا الاقتصادى الفذ يفكر:

مطبعة مصر، الشركة المصرية لصناعة الورق، شركة مصر لحليج الأقطان، شركة مصر للنقل والملاحة، شركة مصر للتمثيل والسينما، شركة مصر لنسيج الحرير، شركة مصر للغزل والنسيج، مصر لمصايد الأسماك، مصر للكتان، مصر لتصدير الأقطان، مصر للطيران، مصر للتأمين، مصر للملاحة البحرية، مصر للسياحة.

كان الهدف أن يوجد اسم مصر فى كل نشاط، وأن يتردد فى كل محفل تجارى إعلانا عن أن فى مصر صناعة وتجارة وزراعة، وأن بها نهضة، ونزوعا إلى تحقيق استقلالها الاقتصادى والمالى.
يروى الأستاذ فتحى رضوان فى كتابه عن طلعت حرب هذه القصة..

تعاقد طلعت حرب مع شركة «بلات» على شراء آلات نسيج، وأثناء حفل أقيم بهذه المناسبة، قال له أحد مديرى الشركة إن العادة جرت على دفع 5% من قيمة الصفقة لمن قام بالوساطة، ولما لم يكن فى هذه الصفقة وسيط، فلحساب من توضع هذه النسبة، والتى بلغت آنذاك 50 ألف جنيه، فرد عليه طلعت حرب: تخصم من الثمن الذى ستدفعه شركة مصر، وإذا سمعت أن أحدا من المصريين قبض مليما واحدا من الشركة، فإننى سأفسخ العقد.

هذا هو نموذج رجل الأعمال الذى نريده، هذا هو من نحتفل اليوم بذكرى إنجازاته..
ففى الليلة الظلماء يفتقد البدر.

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات