ترشيد النفاق - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 5:29 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ترشيد النفاق

نشر فى : السبت 15 مايو 2010 - 9:34 ص | آخر تحديث : السبت 15 مايو 2010 - 9:34 ص

 يولد الشخص ــ خصوصا المسئول ــ بريئا نقيا متواضعا حتى يحوله الإعلام إلى نصف إله وفى أحيان كثيرة يرفعه فوق مرتبة الإله ــ حاشا لله ــ وأستغفر الله العظيم.ليس صدفة سر عبقرية المثل الشعبى القائل: «يا فرعون مين فرعنك....»، فلا يوجد هناك شخص يتحول إلى عابد لذاته من تلقاء نفسه.. نحن الذين نفسد المسئولين..والمقصود بـ«نحن» بوضوح الإعلاميون، ولا أحد غيرهم.

أذكر أن مسئولا كبيرا عندما كان الصحفيون يسألونه فى بداية توليه منصبه عن بعض القضايا المتخصصة، كان يرد بكل تواضع سائلا المستشار المتخصص بهذه القضية أو تلك.لكن شيئا فشيئا، لعب الإعلام لعبته، وأوحى لهذا المسئول أنه الأحسن والأفضل والأكثر علما وخبرة والنتيجة أنه توقف عن سؤال الآخرين، وحتى عندما يسألهم فإنهم يجيبونه بما يحب أن يسمعه، وليس بالحقائق كما هى.

بعض الزملاء الإعلاميين يمدحون بعض المسئولين بأوصاف أعتقد جازما أن المسئولين أنفسهم لا يصدقونها، وربما يحتقرونهم فى قرارة أنفسهم، الأمر يشبه أن تمدح هتلر بأنه ديمقراطى أو قادة إسرائيل بأنهم رعاة حقوق الإنسان، أو جورج بوش الابن بأنه ذكى، أو إبراهيم حسن بأنه هادئ أو مرتضى منصور بأنه دبلوماسى.

سألت أحد الأصدقاء المخضرمين: ما الذى يدفع صحفيا لا يحتاج مالا أن ينافق مسئولا بكلام مكشوف ولا يمكن أن يصدقه أحد؟!...فأجابنى بهدوء قائلا إن معظم المنافقين يرغبون دائما فى المزيد.. واختيارهم من البداية كان فى الأساس لأنهم منافقون، ومهمتهم هى الطبل والزمر والهبش والسب، وربما العض لكل من يهاجم ولى نعمتهم.

كما أن المسئول الفاسد أو المستبد لا يمكنه أن يقنع إعلاميا محترما أن يتولى الترويج له.سألت نفس الصديق سؤالا آخر: هل يطلب المسئول من الصحفى والاعلامى أن يكتب عنه و«يلمعه» بهذه الصورة الفجة؟!.. فأجاب مسرعا دون تفكير: بالطبع لا.. لكن الأمر باختصار أن هذا الصحفى يشغله طوال الوقت أن يرضى عنه المسئول، ويتصور دائما أن هناك زملاء يحاولون خطف مكانه أو احتلال عقل أو قلب أو أذن المسئول.. وهنا بالضبط يمكن تفسير سر سلوك «المماليك الجدد» سواء فى ضرب وسب المعارضين لرؤسائهم أو بعضهم البعض «من تحت الحزام».

هناك صحفيون يكتبون مؤيدين للحكومة ويقولون بوضوح إنهم مؤمنون بما يكتبون.. هؤلاء لهم كل الاحترام رغم الاختلاف معهم.وبما أنه من المستحيل أن نطلب من المنافقين التوقف عن النفاق، واحترام أنفسهم، فعلى الأقل نرجوهم أن يبدأوا فى ترشيد نفاقهم، وممارسته بصورة منطقية وغير مكشوفة.
«يا أيها المنافقون حاولوا تحسين صنعتكم... ويارب لا تحكم علينا أن نكون مثلهم».

عماد الدين حسين  كاتب صحفي