مانديلا.. الملاكم والراقص والمسامح والصديق - صحافة عالمية - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 4:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مانديلا.. الملاكم والراقص والمسامح والصديق

نشر فى : السبت 14 ديسمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 14 ديسمبر 2013 - 8:00 ص

كتب جوردون ماريو، أستاذ الفلسفة فى كلية سانت أولاف ومدير مكتبة كيركجارد بالكلية، مقالا نشر على موقع جريدة « The Chronicle of Higher Education»، جاء فيه: ربما تكون عبادة المشاهير قد غطت على عصر الشخصية المتحولة العظيمة، لكن لا يمكن إنكار أن نيلسون مانديلا كان أحد عمالقة التاريخ؛ ذلك العملاق الذى فعل كل ما فى طاقته ليقضى على نظام الأبارتايد فى جنوب إفريقيا.

هذا الأسبوع، سوف يموج العالم الذى أخرجه نيلسون مانديلا عن محوره العنصرى بالاحتفال بحياته. سوف يكون هناك تكريم ونصب تذكارية وصيحات ووعود بعدم نسيان مانديلا، وسوف يصدر بعضها عن أشخاص أدانوا مقاتل الحرية هذا باعتباره إرهابيا. مرة أخرى، لم يكن مانديلا صائد نفاق، بل كان فى نهاية الأمر رسولا علمانيا للتسامح، وشخصا منح الناس مساحة للتغيير.

وبما أنه قد رحل، فإن السؤال الذى يلوح فى الأفق هو: ما هى أفضل طريقة لتذكره، ولربط حياتنا برجل معروف فى بلده باسم «ماديبا»؟

ويشير الكاتب إلى تحذير سورين كيركجارد، الذى غالبا ما كان يتأمل المهمة الغريبة للإبقاء على الذكرى حية، من أن هناك اتجاها لخلط الأمل بالعمل. وقد كتب قائلا: «لا تَعِدوا بألا تنسوا أبدا.. لا، بل قلِّبوا الوضع على وجوهه ثم قولوا: «هذا بالتأكيد شىء لا يمكن تذكره طوال حياتى، لكن أعد أن أتذكره على الفور فى هذه اللحظة، وسوف أحفظ ذلك العهد».

فيما يزيد على قوة الوعد الباعثة على النوم، حرك كيركجارد سبابته بالنفى فيما يتعلق بأخطار الإعجاب. وقد كتب: «المعجب.. يفصل نفسه. فهو ينسى نفسه وينسى أن ما يعجب به فى شخص آخر هو محروم منه، وهذا على وجه التحديد هو الجميل فى الأمر، ذلك أنه ينسى نفسه بهذه الطريقة». ومع ذلك يضيف كيركجارد بعد بضع صفحات «ومع ذلك هناك اختلاف لا نهائى بين المعجَب والمحاكى، لأن المحاكى يكون على هيئة ما يعجب به، أو على الأقل يجاهد لأن يكون كذلك».

كان كيركجارد بطبيعة الحال يدفع الأمر فى اتجاه الكفاح والمحاكاة وليس الجلوس دون بذل أى جهد مصفقين لأبطالنا وبطلاتنا ونحن نقول لأنفسنا: «لكن هؤلاء الناس جُبلوا من طينة مختلفة. وليس من العدل أن أطلب من نفسى ما يطلبه مانديلا، وغيره من عمالقة الروح، من أنفسهم».

•••

ويضيف الكاتب، لم يكن مانديلا ابن زعيم القبيلة الذى وُلِد فى ظروف متواضعة من مجرة أخرى. وهو لم يكن قديسا ولا كاهنا زاهدا. ففى شبابه كان ملاكما وراقصا فى قاعة للرقص. وبعد عقود فى السجن ذاق متع الحياة المادية. وكان مانديلا قد فقد ابنته فى سن الرضاعة وابنين، أحدهما فى حادث سيارة والآخر بالإيدز. لقد اعتاد وجع القلب، وكشأننا جميعا، عرف كيف يكون الحال عندما يصيبنا رعب وخوف شديدان. فكان يقول: «ليست الشجاعة هى غياب الخوف بل الانتصار عليه»، وأظن أنه كان سيقول الشىء نفسه بشأن طيف متنوع من كل المشاعر الإنسانية الأخرى.

وعلاوة على ذلك كان مانديلا مقاتلا لا يلين، ورجل أفعال. لقد أجبر قادة العالم على أن يتوقفوا عن إطلاق الوعود ويتحدثوا عما سيقومون به بالفعل بشأن العدالة والمساواة. ولهذا السبب، أظن أنه كان سيفضل تذكره بلغة الأفعال وليس باعتباره وجها على قميص أو ملصقات.

بالطبع ستكون هناك معارك دموية بشأن الكيفية التى نتذكر مانديلا عليها: هل بالفك المضموم والقبضة المرفوعة، أم بتلك الابتسامة المتألقة المتلألئة. وذات يوم علَّق صديقه الأسقف ديزموند تيتو قائلا: «قبل القبض على نيلسون مانديلا فى عام 1962، كان شابا صغيرا نسبيا يتسم بالغضب. وقد أسس الجناح العسكرى لحزب المؤتمر الإفريقى. وعندما أُطلِق سراحه فاجأ الجميع لأنه كان يتحدث عن المصالحة والتسامح وليس عن الانتقام.

سوف تطير فى الهواء مقتطفات من كلام مانديلا فى كل الأنحاء كالبالونات فى الأسابيع المقبلة، لكنى أربط هذه البالونة فى الخيط: «نحن لا نريد حرية بلا خبز، ولا نريد خبزا بلا حرية». ولكى نضع الأمر ضمن مقولات إيزايا برلين الشهيرة، فنحن جميعا نطالب بالحريات الإيجابية والسلبية الضرورات المطلوبة من أجل الازدهار الإنسانى والحق فى التعبير عن الذات، أى حق عدم التدخل فى شئون المرء. لكنى الآن أبدأ فى أن أكون كالمعجب الذى يسرف فى إلقاء المواعظ. فأعطونى بعض الإشارات وبعض الحركات التى أتبعها.

الحفاظ على روحه طوال 27 عاما فى السجن والقضاء على الأبارتايد دون حرب أهلية إنجاز مذهل. لكنها قصة أخرى، على مساحة أصغر بكثير، تلك التى تخرجنى من نعاس الإعجاب الذى يبعث على النوم.

•••

ويختتم الكاتب مقاله بالإشارة إلى لقائه إيدى دانييل فى كلية سانت أولاف للحديث عن الحركة المناهضة للأبارتايد. وكان دانييل، مقاتل الحرية الجنوب إفريقى الأبيض، قد سُجن مع مانديلا فى روبن آيلاند. وبعد حديثه استطعت أن أنتحى به جانبا وأضغط ليحدثنى عن زميله فى السجن. وقدم لى دانييل بعض التفاصيل عن كيف كان مانديلا مخلصا فى أداء تدريباته الرياضية، حيث كان يهرول داخل زنزانته الصغيرة كى يحافظ على قوامه. ثم قال لى إنه فى وقت ما من فترة سجنه التى دامت 15 عاما أصيب بمرض شديد فى معدته. ويمكن أن نتخيل ما اقتضاه ذلك. وهنا تذكر دانييل أنه كان من الضعف بحيث لا يكاد يتحرك. وفى ذلك الوقت كان مانديلا سجين رأى مشهورا عالميا، ومع ذلك قال دانييل إن «مانديلا كان يدخل ويقدم التشجيع وينظفنى ويرتب الزنزانة».

تلك كانت صورة البطل العالمى التى يمكن أن احتفظ بها فى ذهنى وأحاول اتباعها.

التعليقات